إحياء أمرهم (عليهم السلام).. تصحيح نمط النقد ll مقال للسيد محمَّد علي العلوي

بواسطة Admin
0 تعليق


مقالات عاشوراء

نعم، هناك منابر قد لا تكون بالمستوى الذي ينتظره كثيرٌ من المؤمنين.. ونعم، قد ينزعج مؤمنون من قصيدة أو أداء لشيَّالٍ في هذا الموكب أو ذاك.. كما وأنَّه نعم، ربَّما وجِدتْ سلبياتٌ في مظاهر إحياء ذكرى أهل البيت (عليهم السلام) بشكل عام، والإمام الحسين (عليه السلام) على وجه الخصوص، إلَّا أنَّ اختصاصَ النقدِ بمفردات الإحياء قد يُعمي عن طَبِيعِيِّهِ بما ينتهي بالنظر -غالبًا- إلى رؤى ناقصة وأحكام غير سديدة.

فلندقِّق قليلًا..

يقومُ طبِيعيُّ الإحياءِ على أمرٍ تحتشدُ الناسُ من أجلِهِ أوَّلًا وبالذات، فهو وإن ذُهِل البعضُ عنه في بعض مقاطع زمانه، إلَّا أنَّ عدمه يعني عدمَ شخصِ هذا الاحتشاد.

ثُمَّ أنَّ غلبة السواد أو الزينة على مظاهر المكان معتضدة بحالة التجمهر، وارتفاع أصوات القراءة، تتحرَّكُ كلُّها في تيَّارٍ من البذل المادِّي الفريد بكلِّ ما تحمل الكلمة من المعنى، وهنا أستطرد فأقول:
هل شهد التاريخ البشري أغنى من أهل البيت (عليهم السلام)؟ لهم مآتم وأوقاف ومؤسَّسات في مختلف بقاع الأرض، كما وأنَّ عشرات الملايين من الدنانير تُبذَلُ حبًّا وكرامةً وعن تمامِ طيب نفسٍ من أجل إحياء أمرهم (عليهم السلام)، فهل سجَّل التاريخ البشري أغنى منهم (عليهم السلام)؟!

تتماسكُ هذه المفردات وغيرها لتُشكِّل واقعًا ثقافيًا قد تتلاشى تحت قوَّته بعض السلبيات لو لا أن تُسلَّط عليها الأضواء!

لا يمكن لعاقلٍ أن يتَّخذَ موقفًا سلبيًا من النقد، كما أنَّه لا يمكن لعاقل أن لا يتحرَّى الموضوعيَّةَ والاتِّزان والحكمة في نَقْدِهِ، وبالتالي فإنَّ النقد غالبًا ما يولِّدُ أجواءً من التحسُّس والانقسام ما لم يبتني على رؤية شاملة للموضوع وما يتركَّب منه.

أُقرِّبُ الفكرةَ بمثال..

لو أنَّ أجواءً معيَّنةً سادتْ واستحكمت بين مجموعةٍ من الأصدقاء، ولتكن أجواء التناصح والتآخي والتواصي بالخير الصلاح، فإنَّها في حال استحكامها تغلب على بعض السلوكيات السلبية، وربَّما السيئة التي قد يختصُّ بها بعض أفراد المجموعة!

تمتلك هذه الأجواء قوَّة التقويم والتصحيح لو يتعرَّضُ ناضجون لتناولها بموضوعية وهدوء، فبدل التركيز على سلبيات بعض المنابر والمواكب والقصائد، ومسألة المضايف والاختلاط، ومظاهر اللباس وما شابه، يكون التركيز على الفضيلة العظيمة لنفس الحركة الجماهيرية، وربطها ربطًا علميًا واضحًا بأهل البيت (عليهم السلام)، وإرجاعها إلى غيرة المؤمنين وحضور الدين في وجدانهم، وكذا تتوجَّه الجهود لإبراز جمال ارتفاع الأصوات بذكر الوَلاية الأعم من كون المقول قويًّا أو دون ذلكن وأيضًا ظاهرة المصاحبة بين المؤمنين في الانتِّقال من مجلس إلى آخر ومن مضيف إلى مضيف..

ينبغي الانتِّباه جيِّدًا إلى استبطان هذا النمط من الخطاب مفرداتٍ نقدية في منتهى الدقَّة والفاعلية في التأثير التغييري القوي؛ وإنَّما هي كذلك لكونها مستبطنة، فلا تولِّدُ ردودَ أفعالٍ مضادَّة على نحو الجبهة في مقابل أخرى!

أرجو الالتفات بعناية إلى أنَّ المقال لا يرفض توجيه النقد إلى مفردات خارجية بعينها، ولكنَّ الذي تتوجه إليه الدعوة هو عدم الإفراط في ذلك بما يفقد النقد موضوعيته ويسلبه الثمرة التغييرية المرجوة، كما وأنَّها للبحث عن أنماط إصلاحية أكثر نضجًا وحكمةً واتِّزانًا.
فليكن في الأذهان حاضرًا بقوَّة، أنَّنا نتمتع بِنِعَمٍ تدينية عظيمة لا زالت تحافظ علينا من السقوط أمام هذه الضربات الشيطانية الأخطبوطية الشرسة، فنحن في مساجدنا ومآتمنا بكلِّ قوَّة وعنفوان، ولا شكَّ في أنَّ المولى تبارك وتعالى ينقذنا بها فلا نخرج من هذه الدنيا إلَّا على خير إن شاء الله تعالى.

السيد محمَّد علي العلوي
26 من ذي الحجَّة 1439 للهجرة
قرية عراد – البحرين

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.