فرصةُ الشَّهرِ ll بقلم: الشَّيخ علي حُريم الجمري

بواسطة Admin
0 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله على نعمه الكثيرة لا محدودة ولا محصورة، والصلاة والسلام على نبيه المرسل المبعوث الأحمد أبي القاسم محمد – صلى الله عليه وآله وسلم -، وعلى آله الأخيار المصطفين الأبرار، ورحمة الله وبركاته.

إن الله سبحانه وتعالى جعل المؤمنين من خير البريّة فقد قال عز وجل في كتابه الحكيم: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَتِ أُوْلَٓئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ)، وخير البريّة هم شيعة علي – صلوات الله عليه – كما جاء في الخبر عن أبي القاسم العلوي معنعنا عن أبي جعفر عليه السلام [قال:] قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “من الخير لعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام ما لم يقل لأحد قال: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) فعلي والله خير البرية”؛ إذن نحن الموالون لأمير المؤمنين عليه السلام من خير البريّة، وهذا لشرف عظيم أن نكون من شيعتهم – عليهم السلام -، والشيعة أي الأتباع يلزم عليهم أن يتصفوا ويقتدوا بإمامهم وإلا لن يكونوا أتباعا!، كقائد الكتيبة في الحرب يكون مسيطرا على كتيبته بتعلميهم الإستراتيجية المناسبة للظفر، ويكون دور الجنود الإستماع والطاعة لتحقيق ذلك، وكذا نحن الموالون الذين شرّف الله طينتنا بفاضل طينة الأنبياء وأهل البيت – عليهم السلام – يلزم منا حبس أنفسنا على ما أعطونا إياه من هداية وصلاح؛ وهذا شهر رمضان قد حلّت بركته على سائر المسلمين، والأعمال فيه مضاعفة كما روي عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسّلم – أنه قال: “فان العمل يضاعف في شهر رمضان فقيل: يا رسول الله -صلى الله عليه وآله- كم يضاعف؟ قال: أخبرني جبرئيل عليه السلام قال: تضاعف الحسنات بألف ألف، كل حسنة منها أفضل من جبل أحد، وهو قوله تعالى: ” والله يضاعف لمن يشاء “، وهذه لهدية عظيمة أهدانا الله سبحانه وتعالى إياها، ولكن يحتاج المؤمن إلى ورع واجتهاد كي يُصفّي روحه ويليّن قلبه، روي عن أمير المؤمنين -عليه السلام-: “ما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب”؛ فإن الأعمال الحسنة تُغسِّل الذنوب ولو كانت كزبد البحر مثل الصلاة على الرسول -صلى الله عليه وآله-.

لا يخفى على القارئ العزيز فضل شهر رمضان المبارك، فمنذ كنا صغارا تتردد على مسامعنا همسات العلماء وهم يذكرون عظمة هذا الشهر الفضيل، من أحكام شرعية وروايات مخصوصة وتعاليم حميدة، ومن المعلوم لدى القارئ إن اسم (رمضان) هو من أسماء الله تعالى فقد شدّد أهل البيت عليهم السلام بقول الصيغة الصحيحة وهي (شهر رمضان) لا فقط (رمضان) كما يشاع في هذه الأيام، جاء في ( معاني الأخبار) للشيخ الأقدم – الصدوق- قال: “أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن البزنطي، عن هشام بن سالم، عن سعد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: “كنا عنده ثمانية رجال فذكرنا رمضان فقال: لا تقولوا هذا رمضان، ولا ذهب رمضان، ولا جاء رمضان فان رمضان اسم من أسماء الله عز وجل، لا يجئ ولا يذهب، وإنما يجئ ويذهب الزائل، ولكن قولوا شهر رمضان، فالشهر المضاف إلى الاسم، والاسم اسم الله، وهو الشهر الذي انزل فيه القرآن، جعله الله تعالى مثلا وعيدا”؛ نلاحظ النهي في الرواية الشريفة ( لا تقولوا ) فإنه يدل على ضرورة احترام اسم الشهر الفضيل لأنه اسم الله تعالى، فشهر رمضان ليس أياما ولا ساعات ولا مجرد صوم بل هو أعظم من ذلك إذ هو اسم الله وشهره، وفي الرواية في معاني الأخبار: أبي، عن محمد العطار، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين، عن محمد بن يحيى الخثعمي، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال”:قال علي صلوات الله عليه: لا تقولوا رمضان، ولكن قولوا شهر رمضان، فإنكم لا تدرون ما رمضان؟”.

كما إن شهر رمضان أفضل الشهور عند الله فقد جاء في ثواب الأعمال للشيخ الصدوق – رحمه الله -: أبي، عن سعد، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر قال: قال أبو جعفر عليه السلام: “إن لجمع شهر رمضان لفضلا على جمع سائر الشهور كفضل رسول الله عليه السلام على سائر الرسل”؛ نلاحظ عظمة هذا الشهر العظيم فإن إمامنا الباقر –عليه السلام– يبيّن عظمة شهر رمضان وفضله كفضل الرسول الأعظم – صلى الله عليه وآله وسلم – على جميع الرسل، وهذه منزلة مخصصة للشهر المبارك عن بقية الشهور، ولو تأمّل الفاضل سيلاحظ إن إمامنا الباقر -عليه السلام- قال في الرواية (شهر رمضان) لا (رمضان).

وكما أسلفنا فإن هذا الشهر تكون الأعمال فيه مضاعفة، والأعمال كثيرة لا تعدّ ولا تحصى، وعلى العاقل طيِّب النفس أن يتّخذ هذه الأيّام فرصة لنيل رضا الرحمن، كما إن هناك أمر وضّحه أحد العلماء نحبّذ أن نذكره للفائدة، وهي أن هذه الأعمال عبارة عن وليمة كبيرة، فإذا نادى المضياف فلانا للأكل وردّه، ولم يرغب فيه، مباشرة سيعبس ويتضجّر المضياف، وربما يعتبر إن هذه من قلّة وسوء الأدب، وهكذا هو الحال مع الأعمال لو تدبّر المتدبر، فإن صلاة الليل مثلا هي شرف المؤمن، ومجالسة العلماء شرف الدنيا والآخرة ووو….إلخ، إذ إن الحال هو ترغيب أهل البيت عليهم السلام بعمل هذه الأعمال للجزاء المترتب، فعن المفيد، عن ابن قولويه، عن الكليني، عن علي ابن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجابر بن عبد الله: يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام وردا من ليله، وعف بطنه وفرجه، وكف لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر، فقال جابر: يا رسول الله! ما أحسن هذا الحديث؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله: يا جابر وما أشد هذه الشروط؟”، نرى إن الصوم في الرواية ليس مجرّد امتناع عن الأكل والشرب، بل البطن أي عن أكل الحرام -نستجير بالله-، والفرج أي صون النفس عن الوقوع في الزنا، وكفُّ اللّسان ويدخل فيه عدم الكذب والنميمة والغيبة .

وهناك أعمال كثيرة نذكر منها المقدور والمألوف منها:

1-      التوبة: الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية ابن وهب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:” إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله “، وخير ما يبدأ به العبد التوبة لربه سبحانه وتعالى.

2-      قراءة القرآن: مجالس الشيخ: عن الغضائري، عن التلعكبري، عن الكليني، عن علي ابن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عمرو الشامي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “إن الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض فغرة الشهور شهر الله شهر رمضان، وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان، فاستقبل الشهر بالقرآن”.

3-      صلة الأرحام: “الحسين بن سعيد أو النوادر: بعض أصحابنا، عن حنان، عن عبد الرحمان بن سليمان، عن عمرو بن سهل، عن رواة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن صلة الرحم مثراة في المال، ومحبة في الأهل، ومنسأة في الأجل”، فهنيئا لمن يصلون أرحامهم ويعملون بما قاله أولياءهم .

–        روي عن الباقر-عليه السلام- أنه قال:” صلة الأرحام تحسن الخلق وتسمح الكف وتطيب النفس، وتزيد في الرزق وتنسئ في الأجل” .

3- لقاء الإخوان: البحار: “عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: من روح الله إفطار الصائم، ولقاء الاخوان، والتهجد باليل”.

-الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن شعيب العقرقوفي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لأصحابه:” اتقوا الله وكونوا إخوة بررة، متحابين في الله، متواصلين، متراحمين، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه”.

4-      الصدقة : الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يحيى، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: “إن الصدقة تقضي الدين وتخلف بالبركة”.

5-      الدعاء: الكافي:  أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن أبي نجران، عن سيف التمار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: “عليكم بالدعاء فإنكم لا تقربون بمثله ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها، إن صاحب الصغار هو صاحب الكبار”؛ ولا يخفى على المؤمن الكريم إن أفضل عبادة عند الله الدعاء، وكل الأعمال التي مرّ ذكرها عندما يعملها العبد يدعو الله سبحانه وتعالى، فمثلا عند قراءة القرآن الكريم يدعو العبد ربه بأن ينجيه عند قراءة آيات العذاب والعقاب.

وأقول في الختام بذكر آية تنفع الأنام في سورة الفرقان: (” إِلّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً”)، نعم الله سبحانه وتعالى غفور رحيم، غافر الذنب، وقابل التوب، التوبة النصوحة شرط في القبول، فينبغي للمؤمنين -حفظهم الله- ألا ييأسوا من روح الله فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، وعليهم أن يعلموا أن الله سبحانه وتعالى بابه مفتوح دائما، ونصّت الروايات الشريفة في لو أتى العبدُ اللهَ سبحانه وتعالى بذوب الثَّقَلَين– أي الإنس والجن– غفر اللهُ له، وجاء في الكافي الشريف:  عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن منصور بن يونس، عن الحارث بن المغيرة، أو أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما كان في وصية لقمان؟ قال: كان فيها الأعاجيب وكان أعجب ما كان فيها أن قال لابنه: خف الله عز وجل خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): كان أبي يقول: إنه ليس من عبد مؤمن إلا [و] في قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا.

والحمد لله.

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.