مُدَاوَلَةٌ نَقْديةٌ لِأُطْرُوحَةِ الدَّعْوَةِ لِتَكوينِ جَبَهَاتٍ إلْكترونية

بواسطة Admin
0 تعليق 309 مشاهدة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وآلِه الطيبين الطاهرين.

يتبنى بعضُ طلبةِ العلم الأفاضل مشروعَ حضِّ الشباب وتحشيدهم في الفضاء الإلكتروني ليكونوا جبهةً في قبال جبهة أو جبهات الشيطان وجنوده وما يثيرونه مِن شبهات وأفكارٍ فسادٍ. ويستند هذا التبني إلى دعوة أطلقها غيرُ واحدٍ من أعلام الطائفة (دام ظلُّهم الشريف).

لا أرى صحَّة هذه الدعوة، ولبيان جهات الاعتراض لا بدَّ لنا أوَّلًا من تحرير مسائل.

المسألة الأولى:

تتركَّب منظومةُ القيادة الدينية الشيعية في زمن الغيبة من ثلاث طبقات رئيسيَّة؛ أعلاها الفقهاء المراجع، تليها طبقة العلماء من ذوي الفضل، ثُمَّ المُبلغين المنضوين تحت أهل الفضل.

واعلم أنَّ طبقة العلماء من أهل الفضل أشدُّ الطبقات خطرًا على مجتمع المؤمنين؛ حيث إنَّهم المسئولون عن الصياغة العملية للعبارة أو الكلام الفقهي الصادر مِن الفقيه المرجع، ولا يصحُّ للمؤمنين أن يأخذوه مباشرةً في غير المسائل العبادية التي لا تحتاج إلى تشخيصات موضوعية عامَّة.

الوجه في ذلك: تتميَّز عقلية الفقيه المرجع بقدرتها الفائقة على الدِّقة في التحليل الموضوعي لما تتركب مِنه القضية. ولتوضيح الأمر أذكر مثالًا مسألة التصفيق في ذكرى مواليد أهل البيت (عليهم السَّلام) لا سيَّما إذا كان الاحتفال في مسجدٍ.

يتعامل الفقيه المرجع مع المسألة على النحو التالي:

هل عندنا دليل مُعتبر على حكم التصفيق؟ إن لم يظفر الفقيه بدليل على حكم التصفيق فإنَّه ينتهي إلى القول بالجواز لا محالة.

ثُمَّ إنَّه يبحث في الأدلة عن ما يُخرج التصفيق مِن تحت عنوان الجواز إذا ما كان في مناسبة إسلامية كذكرى المولد، أو الأعياد، أو مكان له أحكامه الخاصَّة كالمسجد. وإن لم يظفر فلا مصير لغير القول بالجواز. وإن عقَّب بِمثل: ما لم يستلزم هتكًا للمساجد أو المآتم. وقد يحتاط الفقيه بالترك، بل قد يفتي بعدم الجواز بناءً على كون التصفيق من اللهو المُحرَّم كما يظهر من فتوى الشَّيخ جواد التبريزي (قدَّس الله نفسه)؛ قال: “نعم، في مجالس ومآتم أهل البيت (عليهم السَّلام) الأحوط وجوبًا تركه؛ فإنَّه من اللهو، واللهو لا يُناسِبُ تلك المجالس”[1].

إن كان المُؤمِنُ مِنْ مُقلّدي مَن يقول بالجواز أخذَ بفتواه وصفَّقَ، وحينها لا شأن له بأي كلام يبتني على القول بغير ما يقول به الفقيه الذي يرجع إليه.

ولكنَّ هذا خطأ، ولا ينبغي أن يتعامل المؤمنون مع الفتاوى على هذا النحو؛ إذ أنَّ نظر الفقيه المرجع إلى الأدلة الشرعية التي يستنبط منها الحكم الشرعي، أمَّا العناوين الثانوية العارضة في المقام فتشخيصها ودراسة حيثياتها مِن شأن العالِم المُتصدِّي للإدارة الدينية في المجتمع، وعلى المؤمن الإصغاء والطاعة للعالِم، وأن يعلم بأنَّ الأمر لا يتوقف على قول الفقيه المرجع بالجواز، أو حتَّى بالاستحباب؛ بل هو يتوقف على حيثيات وجهات موضوعية مهمَّة ليست محلًّا لنظر الفقيه. وهذا أمر ينبغي فهمه ووعيه جيِّدًا.

لاحظوا الوشم مثلًا، أو لُبس السراويل القصيرة، أو إطالة الشعر للرجال، وغير ذلك ممَّا هو جائزٌ بالمعنى الأعم شرعًا إلَّا أنَّ العالِم يمنع عنه للمحافظة على قيمومة التدين في نفوس النَّاس، وعدم لياقته بالمؤمنين، بل ويصحُّ سدُّ باب الذرائع في غير مقام الاستنباط الفقهي، وقد رُويَ عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه قال: “ألا إنَّ لِكُلِّ مِلْكٍ حِمَى، وإنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، فَمَنْ رَتَعَ حَولَ الحِمَى أوشَكَ أنْ يَقَعَ فِيهِ”[2].

ما يتحصَّل إذًا عدمُ توقُّف قرار السلوك الذهني والعملي للمؤمن على نصِّ فتوى الفقيه المرجع؛ ولكنَّ الذي ينبغي مِنه أن يرجع مِن بعد العلم بالفتوى إلى العالِم القادر على تشخيص العناوين العارضة بِمَا يُمَكِّنه مِن الحسم بينبغي أو لا ينبغي، وافعل ولا تفعل، مع المحافظة على قوَّة الفتوى وكونها ضابِطًا لِحدود نظر العالِم.

المسألة الثَّانية:

يعيش الشيطان انفلاتًا وخلوًّا مُطلَقًا مِنَ أيِّ قيد، ولذا فهو يستعمل كلَّ مُحَرَّمٍ للإيقاع بضحاياه دون مراعاة لأيِّ اعتبار مهما كان. ألا ترى نجاحه أينما حلَّ في هذه الدنيا الدنيَّة، وليس أي نجاح، بل الباهر مِنه والذي يأخذ بتلابيب البشر! ومِن أخطر الأخطاء التي يرتكبها المؤمنون ملاحقة الشيطان بقصد مواجهته وسحب البساط من تحته، فاضطروا إلى أمور مِنها الاستعانة بعنصر المرأة في الأعمال التلفزيونية والسينمائية، وإلباسها الباروكة تجنُّبًا للوقوع في محذور إظهار السافرة، وإلى الموسيقى والمعازف، والقبول بالاختلاط، وغير ذلك ممَّا لم يكن المؤمنون ليتصوَّروا يومًا أن يكون بينهم وبعنوان الجواز الشرعي، بل وربَّما الاستحباب إذا ما رُبِط بعنوان آخر!

وكلَّما أَوْقَعَنَا الشَّيطانُ في حُفرَة جَرْجَرَنَا لِمُواجَهَتِهِ على حَوَافِّ غيرها.. ولا نزال نلاحقه مُسَوِّغين ذلك بِمُوسَوِّغ مواكبة العصر وعدم تخلُّف الدين عن واقع الحياة! والحال لو أنَّنا تركنا ملاحقته وركَّزنا جهودنا في صيانة وتحصين جبهاتنا الدَّاخليَّة الخاصَّة لأخَذَ نصيبه من ابن آدم ومضى..

عَنْ ثَابِتِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (عليه السَّلام): “يَا ثَابِتُ، مَا لَكُمْ ولِلنَّاسِ! كُفُّوا عَنِ النَّاسِ ولَا تَدْعُوا أَحَدًا إِلَى أَمْرِكُمْ؛ فَوَاللَّه لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وأَهْلَ الأَرَضِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَهْدُوا عَبْدًا يُرِيدُ اللَّه ضَلَالَتَه مَا اسْتَطَاعُوا عَلَى أَنْ يَهْدُوه، ولَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وأَهْلَ الأَرَضِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُضِلُّوا عَبْدًا يُرِيدُ اللَّه هِدَايَتَه مَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يُضِلُّوه. كُفُّوا عَنِ النَّاسِ ولَا يَقُولُ أَحَدٌ عَمِّي وأَخِي وابْنُ عَمِّي وجَارِي؛ فَإِنَّ اللَّه إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا طَيَّبَ رُوحَه فَلَا يَسْمَعُ مَعْرُوفًا إِلَّا عَرَفَه، ولَا مُنْكَرًا إِلَّا أَنْكَرَه، ثُمَّ يَقْذِفُ اللَّه فِي قَلْبِه كَلِمَةً يَجْمَعُ بِهَا أَمْرَه”[3].

لن يهزم المؤمنون الشيطان في المساحات التي يفرضها هو، ولا نصر لهم بغير الإعراض عنه والاهتمام بصناعة مساحاتنا ومياديننا الخاصَّة والتركيز الشديد في سٌبُلِ إقفالها عنه وصدِّه القوي عن مجرَّد الاقتراب منها، بل والتفكير في الاقتراب مِن ظلالها.

المسألة الثالثة:

ميَّزَ اللهُ تعالى الإنسان بالعقل، وجَعَلَهُ ميزانًا لأعماله؛ قال الإمام الباقر (عليه السَّلام): “لَمَّا خَلَقَ اللَّه الْعَقْلَ اسْتَنْطَقَه، ثُمَّ قَالَ لَه أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَه أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ وعِزَّتِي وجَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ، ولَا أَكْمَلْتُكَ إِلَّا فِيمَنْ أُحِبُّ، أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ وإِيَّاكَ أَنْهَى، وإِيَّاكَ أُعَاقِبُ وإِيَّاكَ أُثِيبُ”[4]، ولم يجعله إلَّا في ضِمن منظومة الخلق، فكانت تعقلاته وأحكامه مُتَّسِقةً مع النظام التكويني، إن تخلَّف عنه تَبَلَّد، وإن سبقه جنَّ وصرع.

يُفكِّر الإنسان بحسب آماد التسارع للمخلوقات التي يتعامل معها في حياته اليومية الطبيعية، فهو يفهم الكلام المُحدَّد بسرعة النطق البشري، ولو أنَّه تسارع عنها لاضطربت تعقلات المستمع إلى أن يتوقَّف ويُعرِض عن الاستماع، وكذا في ما لو تباطأ الكلام عن الحدِّ المعهود. كما وأنَّه يستوعب ما يمرُّ به في حركته وأسفاره إذا كان مروره ماشيًا أو راكبًا لدابَّة في سرعة الفرس أو أقل، ولو أنَّه امتطى فهدًا -مثلًا- لاضطرب فكره ولم يعد في قدرته استيعاب ما يتحرَّك في آنات الزمن مِن خلق الله تعالى استيعابًا يناسب تعقلاته.

أدرك الشيطان الرجيم ميزانَ العقل في منظومة الخلق فاجتهد لضربه، وَكان سَبيلُهُ إلى ذَلِكَ تَضليلَ الإنسانَ بنظرية السرعة واختصار الزمن، ونجح في مساعيه حتَّى أصبحت هذه النظرية هي الأصل في مقاييس الحضارة والتقدم والتفكير الراجح.

أصبح الإنسانُ عاجِزًا عن التفكير بعد أن أوكل المُهِمَّة إلى الأجهزة الإلكترونية، بل وبات أعجز عن أن يبقى دون جهازٍ إلكتروني قد أخذ عنه مهامَّ الحفظ وتنظيم الأولويات وما إلى ذلك ممَّا كان يقوم هو به بكفاءة تليق بالإنسان، ولم يعد ليفكِّر في غير ما يعطيه مساحات أكبر مِن اختصار الزمن!

ظهرتْ أشدُّ الكوارثِ وطأةً في إعراض عقلاء المجتمع عن التنظير، ومطالبتهم الدائمة بـ(الزبدة) والحلول العملية، وما ذلك إلَّا لعجزهم الواقعي عن فهم الواقع، وانجرارهم وراء الأورام وملاحقة ظواهرها دون قدرة على التفكير في أنَّ معالجة التورم لا تعني أكثر من اختفائه مِن مكان وظهوره في أماكن أخرى بأشكال مختلفة! بل وأكثر من ذلك أنَّ التنظير أصبح تهمةً وعيبًا عظيم، ويُنظَر إلى مَن يدعو إليه على أنَّ جبان لا يقوى على المواجهات الميدانية!

عَمَوا -ويا للأسف- عن أنَّ مواجهةَ ساعةٍ ناجحةٍ رهينةُ تنظيرٍ هادئ لسنوات. ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم.

طبيعة وسائل التواصل الإلكتروني:

1/ إذا عُدَّ حسابُكَ الإلكتروني مجلسك الخاص فهو مُشرَّعُ الأبوابِ دَائِمًا، وقد يدخل عليك أيُّ أحدٍ، حتَّى لو كنتَ قد قَصَرتَ زوَّارك على معارفك دون غيرهم.

والحقُّ أنَّ حسابك الخاص ليس مجلسًا، ولا يمكن عدُّه كذلك ولو تَنَزُّلًا، بل هو في الواقع الافتراضي مكان لجلوسك الذهني في الطرقات، وفيها لا ضبط لحبس كلامك عن أحد، ولا قانون يحميك من اقتحام أيِّ احد. وأقرب ما تكون إلى حلواء مطروحة قد يأكل منها إنسان، ويلحسها آخر، ولن تسلم بحال من احتشاد الذباب عليها.

2/ الحضور الدائم والقوي للتنافس الدنيوي، فما يتداخل فيه واحدٌ محلٌّ لتداخل جمهور المارِّين، وكلُّ مداخلة تستفزُّ للتداخل، وهكذا هو المسار لا سيَّما في المواضيع المُستَفزَّة. ويلحق بذلك عدد القرَّاء، وضغطات الإعجاب، ومرَّات إعادة النشر.. وكلُّها تدخل تحت حكومة التنافس الخفي في بعض الأحيان، والظاهر السافر في أحيان أخرى.

3/ تنسجم الطبيعة اللا نمطية لهذا الفضاء الإلكتروني مع ما تطلبه شهوات النفس، ولذا نرى كيف يمضي الإنسانُ كبيرًا وصغيرًا، رجلًا وامرأة السَّاعات أسيرًا للجهاز الإلكتروني دون ان يشعر بالملل؛ إذ أنَّ الانتقال مِن عالَمٍ إلى عالَم لا يستغرق أكثر من حركة لحظية مِن إصبعه على شاشة الجهاز.

4/ وسائل التواصل الإلكتروني عبارة عن فضاء بلا قيود، وفيه تُوجَّه وتُمَرَّرُ مختلف أنواع وألوان الرسائل الثقافية والفكرية والسلوكية بمختلف الطرق والسبُل والأشكال، ولجهة اللا نمطية تقوى حكومة تمرير الرسائل وإنفاذها في الأذهان والقوى السلوكية عند الإنسان، وشيئًا فشيئًا تتغير الأخلاق وطُرق التفكير والسلوكيات، ولا تعود مفهومة لِمَن هو بعيد عن هذه السلطة الشيطانية العظيمة.

يتعين الواقِع في تَقيُّد الإنسان بما يفرضه العالم الإلكتروني، فالفرد مركز التلقي لما يريد وما لا يريد، وإن أرسَل فالمجال له مفتوح، ولكنَّ التفاعل بيد التيَّار المسيطر (The trend) ووقته المُفترض. فالإنسانُ في هذا الفضاء مُسَيَّرٌ تمامًا وإن توهمَّ نفسه خلاف ذلك.

واقِعُ الإفساد والتضليل في الفضاء الإلكتروني:

لَم يترك، ولن يترك الشيطان الرجيم طريقًا في هذا الفضاء الإلكتروني إلَّا ويسلكه لإفساد عقول النَّاس وحرفهم عن صُرُطِ الهُدى، ومِن تلك الطرق المهمَّة -في ما أرى- طريقُ جَرْجَرَتِهِم للمواجهة في نفس ميدان الفضاء الإلكتروني. والحاصل كالتالي:

تعملُ لِجان إلكترونية على إقامة واقعٍ لحسابات آلية مُبَرمَجة غايتُها خلق رأي عام بحسب أهداف خاصَّة، وهذه الحسابات المُبَرمَجة هي ما يُصطلح عليه اليوم بـ(الذُّباب الإلكتروني).

ليست الخطورة في نفس هذه الحسابات المُبَرمَجة، ولكنَّها في مَن ينظَمُّ إليها ممَّن يتبنَّى الأفكار التي تدعو إليها والغايات التي ترومها، فتكون حربُ أهل القيم ضدَّ جيش وهمي بواجهةٍ حقيقية تكون هي ومن يحاربها الحطب الذي يحترق فيكون وقودًا لقطار الفساد والضلال!

مع احتشاد الحسابات تدخل شخصيات بأسماء مستعارة، ولا يعرف أهلُ الحقِّ حينها مع مَن يتحاورون، أو مَن يواجهون. وهذا أمر لا بُدَّ من تأمُّلِه جيِّدًا.

إنَّ في حثِّ الشباب على دخول هذا الفضاء تعريضهم لمصائد الفساد تعريضًا مباشرًا، وأخطر الفساد الخفي منه، وذاك الذي يستهدف السوك وأنماط التكفير.

سُؤالُ هل يُترك هذا الفضاء الإلكتروني لأهل الفساد يثيرون شبهاتهم ويُضِلُّون النَّاس؟

أقول: إنَّ المُكَوِّنَ لهذا التساؤل هو نفس جرجرة الشيطان للناس وسحبهم إلى مستنقع هذا الفضاء الفاسد، ومِن أعظم فساده عجز العقلاء عن التفكير خارج الواقع الذي فرضه شيطانه، ولكن إذا كان ولا بُدَّ فإنَّ ما نراه هو التعامل مع موازين الدخول في هذا العالم لغرض مواجهة إفساد المُضلِّين كالتعامل مع كُتُب الضلال، ودرس الفلسفة؛ حيث إنَّ العقلاء يقصرونها على المستعدين واللائقين بها ممَّن يمتلكون عقولًا راجحة ونفوسًا قويَّة تكون حاكمةً دائمًا على ما يتلقونه من تلك الكتب. مع تحذير غيرهم، بل ونهيهم عن الدخول فيها بأيِّ شكلٍ مِنَ الأشكال.

إرجاع وإحالة:

طرح بعضُ الأحِبَة مِن عُلماء بلدنا البحرين (حرسها الله تعالى) قول الإمام الصادق (عليه السَّلام) للمفضل بن عمر: “والعَالِمُ بِزَمَانِهِ لا تَهْجُمُ عَليهِ اللوَابِسُ”[5] مُستَدِلًّا به على ضرورة الحضور في مواقع التواصل الإلكتروني للإحاطة بما يجري في هذا العالم، وكنتُ مُعارِضًا لهذا الطرح، فكتبتُ مقالةً بعنوان: هُمَا زَمَانَان.. رؤيةٌ في حديث “والعَالِمُ بِزَمَانِهِ لا تَهْجُمُ عَليهِ اللوَابِسُ” أحيل القارئ الكريم إليها برجاء أن تكون مُتمِّمةً لِما نحاول بيانه في هذا المقال[6].

ضرورة المواجهة:

إنَّنا نبني الضرورة على ما تقتضيه أحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَرَفَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السَّلام) يَقُولُ: “لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُسْتَعْمَلَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ”[7].

غير أنَّ المواجهة في زمن غيبة الإمام (عليه السَّلام) لها موازينها وضوابطها، وهنا أيضًا أُحِيل القارئ الكريم إلى مقالة بعنوان: جِهَادُ وتضحيات الأخيار.. فضيلة الانغلاق الداخلي[8].

“اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي قَلْبِي نُورًا وَبَصَرًا وَفَهْمًا وَعِلْمًا. إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيٍ قَدِيرٌ”[9].

ختامًا:

هذه مَقَالَةٌ نَقديَّةٌ يستقيمُ الفِكرُ بمناقشتها ونقدها. وقد قال الإمام الصادق (عليه السَّلام): “أحَبُّ إخوَانِي إلَيَّ مَنْ أهْدَى إلَيَّ عُيُوبِي”[10].

عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السَّلام)، قَالَ سَمِعْتُه يَقُولُ: “مَنْ سَرَّه أَنْ يَسْتَكْمِلَ الإِيمَانَ كُلَّه فَلْيَقُلِ الْقَوْلُ مِنِّي فِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَوْلُ آلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَسَرُّوا ومَا أَعْلَنُوا وفِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُمْ وفِيمَا لَمْ يَبْلُغْنِي”[11].

 

السَّيد محمَّد بن السَّيد علي العلوي

19 شعبان 1444 للهجرة

البحرين المحروسة

……………………………………

[1] – صراط النجاة – الميرزا جواد التبريزي – ج3 ص 228

[2] – عوالي اللئالي – ابن أبي جمهور الأحسائي – ج 2 – ص 83

[3] – الكافي -الشيخ الكليني- ج2 ص ٢١٣

[4] – الكافي -الشيخ الكليني- ج1 ص58

[5] – الكافي -الشيخ الكليني- ج1 ص27

[6] – راجع: https://alghadeer-voice.com/archives/5249

[7] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 5 – ص 56

[8] – راجع: https://alghadeer-voice.com/archives/4546

[9] – فلاح السائل -السَّيد ابن طاووس-.

[10] – الكافي -الشيخ الكليني- ج2 ص639

[11] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 391

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.