“أمَّا بَعْدُ؛ فَإنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ (جَلَّ في عُلَاه) عَلَيْنَا أنْ بَصَّرَنَا طَريقَ الهُدَى في حِفْظِ الرِّوَايَةِ وَدِرَايَتِهَا وَصِيَانَتِهَا في
أنْفُسِنَا بِتَحَمُّلِهَا تَحَمُّلَ رُشْدٍ وَتَسْلِيمٍ، وَالنَّأي بِهَا عَنْ تَعَسُّفَاتِ الأفْكَارِ وَتَمَحُّلَاتِ الأهْوَاءِ وَمُصَادَرَاتِ الغُرُورِ وَالاسْتِبْدَادِ، وَقَدْ وَفَّقَنَا الهَادِي (تَبَارَكَ ذِكْرُهُ) لِلتشَرُّفِ بِالكَوْنِ في سَلَاسِلِ الأسْنَادِ المُتَّصِلَةِ بِالأئِمَّةِ الأطْهَارِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، وَكَانَ مِمَّا جَالَ فِي البَالِ وَتَوَارَدَ عَلى الخَاطِرِ فِكْرَةُ تَوسِعَةِ الغَرَضِ مِنَ الإجَازَةِ في الرِّوَايَةِ بِأنْ تَشْمَلَ التَّبَانِي الفِكْرِي وَتَوثِيقِ المُجُازِ، وَهَذَا لَعَمْرِي لَيسَ بِدْعًا وَلَا هُوَ بِالأمْرِ المُحْدَثِ؛ كَيْفَ وَقَدْ دَارَتْ رَحَى البَحْثِ حَوْلَ دَلَالَةِ شَيْخُوخَةِ الإجَازَةِ عَلَى التَّوثِيقِ مِنْ عَدَمِهَا، كَمَا وَأنَّ مَا يَذْكُرُهُ شُيُوخُهَا مِنَ قِرَاءَةِ المُجِيزِ عَلَيْهِم أو حُضُورِهِ عِنْدَهُم أو إمْلَائِهِم عَلَيْهِ يُنْبِئُ عَنْ رُجْحَانِ قِيَامِ التَّبَانِي الفِكْرِي بَينَ المُجِيزِ وَالمُجَازِ.
لِذَا فَإنَّنَا نَقْطَعُ بِخَطَرِ الإجَازَةِ وَأنَّهَا لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ التَّبَرُّكِ، وَإنْ كَانَ حَاصِلًا إلَّا أنَّ حُصُولَهُ مِنَ المُفْتَرضِ أنْ يَكُونَ ثَانِيًا وَبِالعَرَضِ، أمَّا الأوَّلَ وَبِالذَّاتِ فَهُوَ اسْتِحْقَاقُ المُجَازِ وَالاطْمِئْنَانُ لِكَونِهِ عَلَى جَادَّةِ الوَرَعِ وَالتَّقْوَى، وَالجِدِّ فِي التَّحْصِيلِ العِلْمِيِّ وَاعْتِمَادِهِ فِي كُلِّ حَيَاتِهِ عَلَى النُّصُوصِ الشَّرِيفَةِ الوَارِدَةِ عَنْ أهْلِ بَيتِ العِصْمَةِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، فَإذَا أُجِيزَ عِنْدَ ذَاكَ، فَالإجَازَةُ حِينَهَا شَهَادَةٌ وَتَزْكِيَةٌ لَهُ.
قَدْ كَانَ مِنِّي أنْ ألَّفْتُ كِتَابًا حَمَلَ عُنْوَانَ (تَوسِعَةُ الغَرَضِ مِنَ الإجَازَةِ الرَّوائِيَّةِ لِتَشْمَلَ التَّبَانِي العِلْمِي وَتَوثِيقَ المُجَازِ)، وكَتَبْتُ مَقَالَةً بَيَانِيَّةً لِلفِكْرَةِ، ثُمَّ أوصَلْتُهَا جَمِيعَهَا إلى كِبَارِ العُلَمَاءِ والمُهْتَمِّينَ وَالحَوزَات العِلمِيَّةِ فِي بَلادِنَا البَحرَين، وكَانَ ذَلِكَ خِلَالَ العَامَينِ الهِجرِيين 1443 و 1444، وَقَبْلَ ذَلِكَ عَرَضْتُهَا عَلَى الإخْوَةِ الكِرَامِ فِي حَوزَةِ خَاتَمِ الأنْبيَاءِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) العِلمِيَّةِ، وَدَارَ تَدَاولُهَا مِنَ العَامِ 1440 للهجرة نِقَاشًا وَحِوَارًا وَتَبَادُلًا لِوجْهَاتِ النَّظَر مِنْ جِهَاتٍ وَحَيثِيَّاتٍ عِدَّة”.
لقراءة متن الإجازة: