النسبة بين الدين والشريعة.. تصحيح لما ورد في مقالة متداولة

بواسطة Admin
0 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وآله الطيبين الطاهرين

أُصَدِّرُ المقالَ بما تواتر عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وهو قوله:

“إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا – كِتَابَ اللَّه وعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ كَهَاتَيْنِ وجَمَعَ بَيْنَ مُسَبِّحَتَيْه ولَا أَقُولُ كَهَاتَيْنِ وجَمَعَ بَيْنَ الْمُسَبِّحَةِ والْوُسْطَى فَتَسْبِقَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَا تَزِلُّوا ولَا تَضِلُّوا ولَا تَقَدَّمُوهُمْ فَتَضِلُّوا”[1]. والغاية منه التنبيه على أنَّ الحديثَ الشريفَ على المعصومين (عليهم السَّلام) بيانُ الكتاب العزيز وآياته العظيمة، ولا يصحُّ الانفراد والاستقلال عن تراجمة الوحي بحال من الأحوال.

وقد انتشرتْ في اليومين الماضيين مقالةٌ مجهولةُ المصدرِ استهلَّها ناشرُها الأوَّل بقوله:

“معلومة رائعة.. الأديان السماوية الثلاثة … عنوان خطأ، هذا ما أفادني به أحد الإخوة الدارسين والمتخصصين في العقيدة”.

ثُمَّ أنَّه أسَّس مقالته على آيتين شريفتين، الأولى منهما قوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ)[2]، والثانية قوله جلَّ في علاه (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)[3]، بانيًا على أنَّ كلمة (الدين) مختصة بالإسلام، وغيره (شرائع).

تداول بعضُ المؤمنين هذه المقالة مبدين إعجابهم بما فيها، متسائلين عن غفلة العلماء عن ما جاء فيها.

إنَّ هذا اللبس الذي وقع فيه الناس هو ما دعاني لكتابة هذا المقال برجاء التصحيح وإعادة الأمور إلى نصابها، ومنه سبحانه الخير والصَّلاح.

أوَّلًا: الدين والشريعة:

معنى كلمة (دين): قال في مقاييس اللغة: “الدال والياء والنون أصل واحد إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذلّ. فالدين: الطاعة، يقال: دان له يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطاع. وقومٌ دينٌ، أي مطيعون منقادون”[4]

أمَّا الشريعة، فقد قال: “الشين والراء والعين أصلٌ واحدٌ وهو شيء يفتح في امتداد يكون فيه من ذلك الشريعة وهي مورد الشاربة الماء واشتق من ذلك الشرعة في الدين والشريعة قال الله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) وقال سبحانه: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر)”[5].

بناءً على المعنى اللغوي لكلٍّ من الدين والشريعة يتَّضح أنَّ عنوان الدين هو الحيثية الإلزامية للشريعة، أي أنَّ الشريعة إنْ لم تكن في عنوان (الدين) كانت حينها منظومة من القوانين التنظيمية التي يحسن التزامها، وإنْ كان عنوانها (الدين) ففي ذلك تحقُّق لحيثية الإلزام. وبذلك يتَّضح بأنَّ ما بين الدين والشريعة عموم وخصوص مطلق، فكلُّ دين شريعة، ولا عكس.

ثانيًا: الدين عند الله تعالى:

قال عزَّ مِنْ قائل: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[6]، حيث (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ)، لا أنَّه لا يُطلق الدين على غير الإسلام.

يقول الشيخ جعفر السبحاني (حفظه الله):

“إنَّ الدين حسب اصطلاح القرآن هو الطريقة الإلهية العامَّة التي تشمل كلَّ أبناء البشر في كلِّ زمانٍ و مكان، ولا تَقبل أيَّ تغييرٍ وتحويلٍ مع مرور الزمن و تطوُّر الأجيال، ويجب على كلِّ أبناء البشر إتِّباعها، و هي تُعرض على البشرية في كلِّ أدوار التاريخ بنحوٍ واحدٍ دونَ ما تناقضٍ وتباين، ولأجل ذلك نجدُ القرآن لا يستعملُ لفظة الدين بصيغة الجمع مطلقًا، فلا يقول: “الأديان” وإنَّما يذكره بصيغة المفرد، كما يقول: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) في حين أنَّ “الشريعة” تعني مجموعة التعاليم الأخلاقية والاجتماعية التي يمكن أن ينالها التغيير مع مرور الزمن و تطوّر المجتمعات وتكامل الأمم، ولذلك لا يضير استعمال هذه اللفظة في صورة الجمع، فيقال “شرائع” و قد صرّح القرآن بتعدد الشريعة.

فهو رغم تصريحه بوحدة الدينـ كما مرّ في الآية السابقةـ يُخبر عن وجود شريعة لكلِّ أمَّة، ويكشف بذلك عن تعدُّد الشريعة إذ يقول: (… لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا …).

“وعلى هذا فإنَّ البشرية دُعيت في الحقيقة إلى دين واحد وهو الإسلام الذي كان متحدَّ الأصول في كلِّ الأدوار والأزمنة، وكانت الشرائع في كلِّ زمن و ظرف طريقًا للوصول إلى الدين الواحد، و لم تكن الشرائع إلَّا طرقًا للأمم والأقوام، لكلِّ قومٍ حسب مقتضيات عصره و مدى احتياجه”[7].

فالمتحصَّل أنَّ الدين المُعتبر عند الله تعالى هو الإسلام، لا غير، ولذلك قال جلَّ في علاه (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

النسبة إلى السماء:

لا تقتضي نسبةُ الدين إلى السماء صحَّتَه مطلقًا، بل من الواضح في أذهان العامَّة والخاصَّة رجوع النسبة إلى أصل الدين المنسوب، لا أكثر من ذلك.

نعم، يحسن تسمية غير المسلمين من أهل الأديان المساوية بأهل الكتاب؛ التزامًا بالوارد. فتأمَّل.

كلمة (الدين) وبحث الوضع للأعم:

نمرُّ بمجموعة من الأحاديث الشريفة عن أهل بيت العصمة (عليهم السَّلام) فنرى استعمالهم لكلمة الدين بصيغة (الجمع)؛ ما يثبت وضعها للأعم من المعتبر والمقبول عند الله تعالى، وهو الصحيح.

في تفسير الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السَّلام) لقوله تعالى (لِيُظْهِرَه عَلَى الدِّينِ كُلِّه)، قَالَ “يُظْهِرُه عَلَى جَمِيعِ الأَدْيَانِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَائِمِ”[8].

وعن محمَّد بن عمران، عن أَبي عبد اللَّه (عليه السَّلام)، قال: “أُتِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيْه) وهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بِالْكُوفَةِ بِقَوْمٍ وَجَدُوهُمْ يَأْكُلُونَ بِالنَّهَارِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ لَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السَّلام): أَكَلْتُمْ وأَنْتُمْ مُفْطِرُونَ؟

قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: يَهُودُ أَنْتُمْ؟

قَالُوا: لَا.

قَالَ: فَنَصَارَى؟

قَالُوا: لَا.

قَالَ: فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ مِنْ هَذِه الأَدْيَانِ مُخَالِفِينَ لِلإِسْلَامِ؟

قَالُوا: …”[9].

وعن أَبي عبد اللَّه (عليه السَّلام)، قال: “فَضْلُ الْبَنَفْسَجِ عَلَى الأَدْهَانِ كَفَضْلِ الإِسْلَامِ عَلَى الأَدْيَانِ. نِعْمَ الدُّهْنُ الْبَنَفْسَجُ لَيَذْهَبُ بِالدَّاءِ مِنَ الرَّأْسِ والْعَيْنَيْنِ فَادَّهِنُوا بِه”[10].

وفي حديث موسى (على نبينا وآله وعليه أفضل الصَّلاة والسَّلام) وما خاطبه الله عزَّ وجلَّ به، قال: “فَتَمَّتْ كَلِمَاتِي لأُظْهِرَنَّ دِينَه عَلَى الأَدْيَانِ كُلِّهَا، ولأُعْبَدَنَّ بِكُلِّ مَكَانٍ، ولأُنْزِلَنَّ عَلَيْه قُرْآنًا فُرْقَانًا شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ مِنْ نَفْثِ الشَّيْطَانِ. فَصَلِّ عَلَيْه يَا ابْنَ عِمْرَانَ فَإِنِّي أُصَلِّي عَلَيْه ومَلَائِكَتِي”[11].

وفي حوادث صلح الحديبية، قال الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله): “إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ وَعَدَنِي أَنْ يُظْهِرَ دِينَه عَلَى الأَدْيَانِ كُلِّهَا”[12].

وبالتالي:

فأمَّا من جهة النظام البشري مع قطع النظر عن المعتبر عند الله تعالى، فكلُّ شرعةٍ تُضبَطُ بقاعدة الدين فهي دين. وامَّا من جهة المعتبر عند الله تعالى فكلمة الدين مستعملة في الإسلام على نحو الحقيقة، ويدور استعمالها في غير الإسلام بين الحقيقة على القول بالوضع للأعم من الصحيح والفاسد، وبين المجاز على القول بالوضع لخصوص الصحيح.

ومع عدم ورود نهيٍ عن استعمالها في غير الصحيح يتَّضح التكلُّف في المقالة التي دعانا تداولُها بين المؤمنين إلى كتابة هذه السطور.

أوصي في ختام المقال نفسي والمؤمنين الكرام بالحذر من الاستعجال في النشر والتداول لسيل المقالات والكلمات التي تردنا في مواقع التواصل الإلكتروني، لا سيَّما مع مجهولية مصدرها حتَّى ولو بدت جميلة بآيات وروايات.. وفي التريث السلامة.

عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السَّلام)، قَالَ سَمِعْتُه يَقُولُ: “مَنْ سَرَّه أَنْ يَسْتَكْمِلَ الإِيمَانَ كُلَّه فَلْيَقُلِ الْقَوْلُ مِنِّي فِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَوْلُ آلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَسَرُّوا ومَا أَعْلَنُوا وفِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُمْ وفِيمَا لَمْ يَبْلُغْنِي”[13].

 

السَّيد محمَّد بن السَّيد علي العلوي

24 شعبان 1443 للهجرة

البحرين المحروسة

……………………………………………..

[1] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 415

[2] – الآية 19 من سورة آل عمران

[3] – الآية 48 من سورة المائدة

[4] – مقاييس اللغة -ابن فارس- مادَّة (د ي ن)

[5] – المصدر السابق، مادَّة (ش ر ع)

[6] – الآية 85 من سورة آل عمران

[7] – مفاهيم القرآن – الشَّيخ جعفر السبحاني- ج1 ص545

[8] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 432

[9] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 4 – ص 181 – 183

[10] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 6 – ص 521

[11] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 8 – ص 44

[12] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 8 – ص 322

[13] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 391

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.