بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وآلِه الطيبين الطاهرين
مراجعة لتعليقات وتحقيقات سماحة الشَّيخ محمَّد رضا الفردان على كتاب (دعاء الندبة) للشيخ الصافي الكَلبيكَاني
مقدَّمة:
قال الشَّيخ العزيز أبو محمَّد رضا (حفظه الله في نفسه وماله وعياله): “وممَّا يلزم ذكرُه هو أنَّ لابن قريتنا صاحب الوقار والفضيلة الشَّيخ محمَّد رضا الفردان (رعاه الله) خدمةً علميَّةً لبعض كتابات المرجع الراحل (رحمه الله)، تحت عنوان (دعاء الندبة، شبهات وردود) قام بتحقيقها والتقديم لها وأضاف لها الشيء الكثير ممَّا ضاعف حجم الرسالة إلى حدٍّ كبير. ولقد أجاد فيما أفاد فلله درُّه وعليه سبحانه أجره”
إضافة لحرصي على تتبع خصوص النتاج العلمي البحراني، فإنَّ الكلمة أعلاه لسماحة المُكَرَّم البار سماحة الشَّيخ أحمد نجل العلَّامة آية الله الشَّيخ عبد الحسن نصيف الجمري البحراني (جعلهما الله تعالى في خير وصلاح وعافية) دفعت التواني عن ابتداري لاقتناء تحقيقِ سماحة الفاضل الشَّيخ محمَّد رضا الفردان (سلَّمه الله تعالى في الدارين) لردود سماحة آية الله العظمى الشَّيخ لطف الله الصَّافي الكَلبيكَاني (رفع الله تعالى درجاته) على جملة من الشبهات الواردة على دعاء الندبة.
أنهيتُ قراءةَ الكِتَابِ، وها هي الحسرة تزداد تعمُّقًا في صدري لما أراه من قوَّة علمية، ودقَّة تحقيقية ليراع علماءِ وطلبةِ علمِ هذه الأرض الطيبة دون تكلُّف في نظر ولا إملال في عبارة وبيان، بل إنَّ ممَّا يتَّسِمُونَ ويتميَّزون به حقًّا الموضوعية والتركيز، ودونك مؤلَّفاتهم ومصنَّفاتهم فانظر فيها بعين الإنصاف.. هي حسرة للانزواء الذي يصرُّ عليه أصحابنا، وتثاقلهم عن سواعد البحث والمناقشة أن يشمِّروا عنها، والحال أنَّهم أهلٌ لذلك بكلِّ ما تحمله الكلمة من معنى.
كيف كان، ومع الكثير من الآمال والأماني قرأتُ تحقيقَ سماحة الفاضل الفردان (أناله الله تعالى مبتغاه) فوجدتُه قد أخرج الكثير مِنَ المسائل العلمية مِنْ أجوبة وردود سماحة الشيخ الصافي الكَلبيكَاني (رحمه الله تعالى)، فظهر التحقيق كتابًا يستند في سعته على متن الأجوبة المذكورة، فكان بالفعل كما وصفه سماحةُ الشَّيخُ أبو محمَّد رضا (جعله الله تعالى من المرضيين في الدنيا والآخرة).
المراجعة:
هوية الكتاب:
العنوان: دعاء الندبة، شبهات وردود
المؤلف: سماحة آية الله العظمى الشَّيخ لطف الله الصافي الكَلبيكَاني (نوَّر الله مرقده الشريف)
إعداد وتحقيق: الشَّيخ محمَّد رضا الفردان
الطبعة الأولى: 1431 للهجرة/ 2010 للميلاد
الناشر: دار العصمة، مملكة البحرين – السَّنابس
أصلُ الكِتاب بحثٌ نشرته “مجلَّةُ صوت أفريقيا، العدد الخامس، الصادر من قِبَل الطلبة الأفارقة (طلبة العلم)”، وهو مقتبسٌ من كتاب (امامت ومهدويت، أي: الإمامة والمهدوية)، وقد اختصره وترجمه إلى العربية طالبٌ تونسيٌّ اسمه زهير.
تصدَّى سماحة الشَّيخ محمَّد رضا الفردان لتحقيقه والتعليق عليه بإشراف أستاذه في حوزة الإمام زين العابدين (عليه السَّلام) في قرية بني جمرة البحرانية، وهو سماحة الفاضل السَّيد مرتضى الموسوي (حفظه الله تعالى)، ثُمَّ أنَّه قد عرضه على مكتب سماحة الشَّيخ الصافي الكَلبيكَاني (رحمه الله تعالى) للمراجعة وإجازة النشر، فأُجيزَ بعد أن أضافوا بعض التعليقات عليه[1].
أمَّا متنُ البحث فقوامه ردودٌ على شبهات عشر ممَّا أُورِدَ على دعاء الندبة، وهي:
- التشكيك في اعتبار دعاء الندبة من حيث السند.
- إشكال منطِّقَتَي رضوى وذي طوى.
- الانتقال من ذكر فضائل أمير المؤمنين (عليه السَّلام) إلى الخطاب مع الإمام الثاني عشر (عليه السَّلام) دون ذكر للأئمة فيما بينهما (عليهم السَّلام).
- مخالفة قوله (وعرجتَ بروحه إلى سمائك) إلى عقيدة الشَّيعة الإمامية في كون العروج جسمانيًا.
- التشكيك في صحَّة نسبة هذا الدُّعاء إلى أحد الأئمة (عليهم السَّلام).
- وجادة دعاء الندبة بعد النبي والأئمة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، ونسبته إليهم غير صحيحة وبدعة.
- الافتراء على القرآن الكريم بإتباع عبارة (وجعلت ذلك عليًّا) لعبارة من الكتاب العزيز، وهي سؤال نبي الله إبراهيم (عليه السلام) ربَّه تعالى (لسان صدق في الآخرين).
- مخالفة عبارة (وأوطأته مشارقك ومغاربك) لصريح القرأن.
- مخالفة عبارة (واودعته علم ما كان وما يكون إلى انقضاء خلقك) لاختصاص علم الغيب به جلَّ في علاه.
- إنَّ هذا الدُّعاء يورِثَ الخمول الفكري والتخدير، ويشجع على أسلوب الاتِّكال في حياة الإنسان.
ردود الشَّيخ (رحمه الله تعالى):
بدا لي أنَّ الجهة التي كان الشَّيخ (عطَّر الله مرقده الشريف) في مقام مخاطبتها هي العامَّة من الناس لما اتَّسمتْ به من سهولة، وبُعدٍ على التعمُّق والتوسُّع بالنقض والإبرام. أو أنَّ ذلك كان من أثر اختصارات الطالب التونسي زهير. وكيف كان فإنَّ للكتاب بعد التحقيق قيمة علمية ظهرتْ في جزئيه؛ أوَّلهما المتن وقيمته ظاهرة للعامَّة من الناس، وثانيهما ما أفاده الشَّيخ الفردان من تحقيقات وتعليقات على المتن، وهي ذات قيمة توافق الخاصَّة من طلبة العلم أكثر من غيرهم.
لقد أعطت جهةُ التحقيقات والتعليقات سمةً مرجعيةً للكتاب؛ حيثُ إنَّ الباحث في ما يتعلَّق بدعاء الندبة وحيثياته وما في حكمها قد يرجع إلى إفادة الشَّيخ الفردان (سلَّمه الله تعالى في الدارين) فيكتفي، أو أنَّها تفتح له أبواب وآفاق ذات قيمة بحثية معتبرة.
من الأمثلة على ذلك:
- الحاشية (1)، الشبهة الأولى، ص43:
قال الشَّيخ الكَلبيكَاني: “وفي كتابه (زاد المعاد)[2] صرَّح بصحَّة سند دعاء الندبة المنتهي سنده إلى الإمام الصادق (عليه السَّلام) …”
نقل الشَّيخ الفردان عن كتاب (تأمُّلات في آيات الظهور – دعاء الندبة -) لسماحة العالِم الفاضل الشَّيخ فوزي آل سيف (حفظه الله تعالى)[3] أسماء جملة من الأعلام يرون أنَّ الدُّعاء مروي عن الإمام الصادق (عليه السَّلام)، وتأتي أهمية هذه الإضافة من جهة المقابلة مع الإسناد المشهور للناحية المُقدَّسة، وهي إضافة إحالة لا إضافة تحقيق.
- الحاشية (1)، الشبهة الثالثة، ص51-52:
قال الشَّيخ الكَلبيكَاني في بيان الشبهة الثالثة: “أنَّ متن دعاء الندبة بالإضافة إلى أنَّه لا يوجد فيه تصريح بذكر أسماء الأئمة بالترتيب كما هو عقيدة الشيعة، …”.
ذهب الشَّيخ الفردان (حماه الله تعالى من طوارق الحدثان) لبيان بطلان اشتباهٍ عند بعض الشيعة (حرسهم الله تعالى)، وهو ظنهم بعدم وجود نصوص بأسماء الأئمة المعصومين (عليهم السَّلام)، وإن لم يكن قصده ذلك فقد أفاد مدركَ قول الشَّيخ الكَلبيكَاني: “كما هو عقيدة الشيعة”.
ذكر الشَّيخ في حاشيةِ تقصٍّ مصدرين، ومرجعٍ واحدٍ لأحاديث شريفة ذُكِرَ فيها الأئمةُ المعصومون (عليهم السَّلام) عددًا وتسمية، وهي: الاختصاص للشَّيخ المفيد ص207[4]، كشف الغمَّة في معرفة الأئمة (عليهم السَّلام) لبهاء الدين علي بن عيسى الأربلي ج3 ص262 وما بعدها، ثُمَّ كتاب الإنصاف في النصِّ على الأئمة الإثني عشر الأشراف للسَّيد هاشم التوبلي البحراني، مبينًا أنَّ السَّيد قد جمع فيه 328 حديثًا من مصادر معتبرة حول الموضوع.
أعطى هذا التوسُّع المتَّزِن من الشَّيخ الفردان (حفظه الله تعالى) عمقًا يظهر بملاحظة قول الشَّيخ الكَلبيكَاني في المتن: “وليس الهدف منه (يقصد دعاء الندبة) سرد أسماء الأئمة واحدًا بعد واحد”؛ فكلام المعصومين (عليهم السَّلام) نظمٌ واحدٌ يستند فيه الحديثُ الواحدُ على غيره، وعدم البيان في مقام لا يسلب المعصوم (عليه السَّلام) لا ينفي جهة البيان عنه (عليه السَّلام)؛ إذ أنَّ اعتمادَ ظهورِ الوحدة الشخصية للكلام المنتظم هو اتِّكاء مقامات البيان على بعضها البعض، وهذا جانب من فقه ممَّا كتبه الإمام الكاظم (عليه السَّلام) في أجوبته على مسائل علي بن سويد، قال: “ولَا تَقُلْ لِمَا بَلَغَكَ عَنَّا ونُسِبَ إِلَيْنَا هَذَا بَاطِلٌ وإِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ مِنَّا خِلَافَه فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي لِمَا قُلْنَاه وعَلَى أَيِّ وَجْه وَصَفْنَاه”[5]؛ حيثُ إنَّ الكثير من وجوه كلامهم (عليهم السَّلام) الخافية في حديث يجدها من “جاس خلال الديار وتصفَّح الأخبار”[6].
- الحاشية (1)، الشبهة الرابعة، ص54:
يشير صاحبُ هذه الشبهة إلى معارضة قوله في دعاء الندبة “وعرجتَ بروحِهِ إلى سمائك” لصريح القرآن والروايات الإجماع الدلة على أنَّ عروج كان جسمانيًّأ، وقد ردَّها الشَّيخ الكَلبيكَاني (قدَّس الله تعالى روحه الزكية) بوقوع التحريف في هذه العبارة، وأنَّ المحقِّقين قد ضبطوها على (وعرجتَ به إلى سمائك).
تتبَّعَ الشَّيخُ الفردان (زاده الله تعالى بسطة في الجسم والعلم) الروايات والأقوال في المسألة بعد تجاوز الشَّيخ الكَلبيكَاني (رحمه الله تعالى) لها مكتفيًا بإثبات وقوع التحريف، وبذلك يكون تحقيقُ الشَّيخِ الفردان في مقام المدرك لقول مُسلَّم عند الأعلام، ممَّا أكمل المطلب في الكتاب بعد تمامه.
- الحاشية (5)، الشبهة السابعة، ص62-63:
ختم الشَّيخ الكَلبيكَاني (رحمه الله تعالى) ردَّه على الشبهة السابعة بقوله: “فقد جاء في ذيل هذه الآية (وهي قوله تعالى (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)[7] في تفسير الصافي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السَّلام) أنَّ المراد من – عليًّا – هو أمير المؤمنين (عليه السَّلام)”.
التزم الشَّيخُ الفردان (حفظه الله تعالى) منهجيته في التحقيق والتعليق، ومنها الإكمال بتتبع المدارك والأقوال في المسائل التي يستند عليها الشَّيخ الكَلبيكَاني (رفع الله تعالى مقامه) ويذكرها على نحو الثبوت، فنراه هنا وقد وسَّعَ البحث بذكره جملة من الأحاديث الشريفة المُصرِّحة بكون المراد من (عليًّا) في الآية الكريمة هو أمير المؤمنين (عليه السَّلام).
بحثٌ مستقل: موافقة مضامين الدُّعاء للقرآن الكريم والسنَّة الشريفة:
استقلَّ الشَّيخ الفردان (أسبغ الله تعالى عليه نعمه ظاهرة وباطنة) بعد التحقيق والتعليق على ردود الشَّيخ الكَلبيكَاني (عطَّر الله مرقده الشريف) ببحثٍ بالغ الأهمية اعتمد فيه مادَّةَ دعاء الندبة وتقطيعها بما يستند كلُّ مقطعٍ إليه مِنْ آية أو رواية، وربَّما يثبت التواتر لبعض المقاطع من الدعاء فيما لو ضُمَّ إلى مثله ممَّا تواتر أو تاخم التواتر.
نعم، لا يُثْبِتُ مجرَّدُ استنادِ كل مقطعٍ استنادَ المعنى المُفاد من الهيئةِ الأعمِّ، فمُفاد كلٍّ مقطع إذا كان منفردًا ليس هو مفاده إلى ضُمَّ إلى مقطع آخر، ولذا فإنَّ ثبوت الاستناد أو حتَّى التواتر لكلِّ فقرات ومقاطع دعاء الندبة لا يعني استناد أو تواتر الدعاء كوحدة واحدة، لذا فإنَّ بحثَّ سماحة الشَّيخ محمَّد رضا الفردان مبدأ أصل لبحثٍ أوسعٍ وأعمقٍ مشكلتُه النظر في مدى ثبوت المطالب الأصيلة والمطلب الكلي العام للدعاء.
مصادفة لطيفة:
كنتُ يوم أمس، الأربعاء 26 شعبان 1443 للهجرة على مشارف الانتهاء من كتابة هذه المقالة، وما كنتُ قد التقيتُ سماحة الشَّيخ الفردان (حفظه الله تعالى) ولا حصل لي الشرف بمعرفته، وبسبب بعض الظروف والارتباطات لم اتمكَّن من الانتهاء منها.
المصادفة الجميلة أنَّ سماحة الشَّيخ (حفظه الله تعالى) شرَّفني صحبةَ الأخ الغالي سماحة السَّيد محمود الموسوي (حماه الله تعالى) بزيارة لمجلسنا الأسبوعي، وأهداني كتاب دعاء الندبة، وكتابين آخرين، الأوَّل: التشيع بكلِّ بساطة، تأليف السَّيد صادق لاري، تحقيق الشَّيخ محمَّد رضا الفردان، والثاني: قد روى جابر حديث الكساء، وهو منظومة شعرية تروي حديث الكساء، للشاعر السَّيد هاشم بن السَّيد حسين الموسوي، إعداد وتنسيق الشَّيخ محمَّد رضا الفردان. فالحمد لله على معرفة الصالحين من عباده.
وصلَّى الله على محمَّد وآله الطاهرين.
السَّيد محمَّد بن السَّيد علي العلوي
27 شعبان 1443 للهجرة
البحرين المحروسة
……………………………..
[1] – راجع مقدمة الكتاب
[2] – تأليف: محمد باقر بن محمد تقي بن مقصود علي المجلسي المعروف بالعلامة المجلسي أو المجلسي الثاني (1037 – 1110 هـ)
[3] – هو الشيخ فوزي بن محمد تقي بن علي بن عبد الله آل سيف، عالم دين ومؤلّف ومحاضر. وُلِدَ عام 1959 للميلاد بجزيرة تاروت، القطيف، المملكة العربية السعودية
[4] – لم يذكر الشَّيخ الفردان (حفظه الله تعالى) المصدر في الحاشية بعد ذكره للحديث، وأحسبه قد سقط غفلة وسهوًا.
[5] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 8 – ص 125 – 126
[6] – هذه العبارة يردِّدها كثيرًا صاحبُ الحدائق الشَّيخ يوسف آل عصفور البحراني (علا برهانه).
[7] – الآية 50 من سورة مريم