عاشوراء والمنبر ووسائل التواصل التكنلوجي

بواسطة Admin
2 تعليقات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وآله الطيبين الطاهرين

عاشوراء والمنبر ووسائل التواصل التكنلوجي

مقدِّمة عامَّة

يبحثُ علماءُ فلسفة التاريخ الأنماطَ المُحدِّدة للأحداث ولحركة التاريخ، فهو علم يعني بتفسير التاريخ الإنساني تفسيرًا فلسفيًا، فصحَّ القول بأنَّ اهتمام فيلسوف التاريخ ينصب في محاولة “فهم مسار الأحداث التاريخية الإنسانية ككل محاولًا الوصول إلى علَّتها الشاملة”[1].

مثال لتقريب المعنى: يدرس فلاسفة التاريخ الفترة ما بعد لويس الرابع عشر في فرنسا (1715م) واندلاع الثورة الفرنسية (1789م) على اعتبارها المرحلة الفاصلة التي انبثق منها عصر جديد أطلقوا عليه عصر التنوير، ويضمون إلى هذه الدراسة دراسات أخرى لأحداث ومسارات تاريخية تشترك معها في الطبيعة وتشابهها في الأحداث والوقائع؛ طلبًا لعلَّة تشملها جميعًا، فتُقَرَّر كمبدأ لنمط تاريخي تُستَشرف أحداثه، إجمالًا، قبل وقوعها.

وبعبارة أخرى: هنالك أمورٌ إن تحقَّقت أعقبتها أحداثٌ بالتبع تقديرًا وقضاءً.

ثُمَّ أنَّ هذه الأنماط على نحوين؛ الأوَّل هو التكوين الذي تجري عليه الأحداث حتمًا، والثاني هو ما يمكن تغييره بفعل الإنسان، وعلى التحقيق فإنَّ لهذا الثاني مبدأ تكويني أيضًا.

تطبيق على موضوع المقال:

يٌثبِت المؤرِّخون فكرةً عرضت على الساحة الإسلامية وتسبَّبت في فتنة عظيمة أريقت فيها دماءٌ وزهقت أرواح، وهي فكرة (خلق القرآن).

أمَّا فيلسوف التاريخ فيبحث في أنَّ بداية ظهورها وبروزها، إلى جانب غيرها من الأفكار والنظريات، كان مع الانفتاح الثقافي وانطلاق حركة الترجمة، لا سيَّما في عهد المأمون. وكانت مسألة (خلق القرآن) قد تسرَّبت من اليهودية والنصرانية؛ حيث قال اليهود بقِدَم التوراة، والنصارى بقِدَم الكلمة.

ثمَّ إنَّهم يضمُّونَ إليها مِثْلَهَا ممَّا وقع في التاريخ المُدَوَّن، ويدرسون الآثار الثقافية والفكرية والسلوكية في مجتمعاتها، ويخلصون إلى نتائج، منها:

عند الانفتاح الثقافي على مستوى استراتيجيات الدولة، تدخل أفكارٌ ونظرياتٌ أجنبيةٌ على المجتمع، تنجذب إليها شرائحُ مِن أهل الثقافة والفكر، وتنعكس آثارها على عموم الناس، وحينها إمَّا أن يُفتح المجال لتداول الأفكار بلا قيود، أو بقيود محدودة، أو بالتوجيه التثقيفي، أو القسري نحو أفكار معينة دون غيرها، ولكلِّ فرض تقديراته وقضاءاته الخاصَّة.

فلندقِّق الآن جيِّدًا..

لم يطرح الأئمَّةُ المعصومون (عليهم السَّلام)، من ذي قبل، مسألة (خلق القرآن)، ولكن بعد ظهورها حسموا أمرها. روى شيخنا الصدوق (علا برهانه)، قال: حدَّثنا أبي (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدَّثنا مُحمَّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، قال: كتب عليُّ بنُ مُحمَّد بنِ عليٍّ بنِ مُوسى الرِّضا (عليهم السَّلام) إلى بعض شيعته ببغداد:

“بسم الله الرحمن الرحيم، عَصَمَنَا اللهُ وإيَّاكَ مِنَ الفِتْنَةِ، فإنْ يَفْعَل فَأعْظِمْ بِهَا نِعْمَة. وإلَّا يَفْعَل فَهي الهَلَكَةُ. نَحْنُ نَرَى أنَّ الجِدَالَ في القُرْآنِ بِدْعَةٌ اشْتَرَكَ فِيها السَّائِلُ والمُجيبُ، فَتَعَاطَى السَّائِلُ مَا ليسَ لَهُ، وتَكَلَّفَ المُجيبُ ما ليس عليه. وليس الخَالِقُ إلَّا اللهُ، وما سواه مَخلُوق، والقُرآنُ كَلَامُ اللهِ. لا تَجْعَل لَهُ اسْمًا مِنْ عِندِكَ فَتَكُونَ مِنَ الضَّالين. جَعَلَنَا الله وإيِّاكَ مِنَ الذين يَخْشَونَ رَبَّهُم بالغَيبِ وهُم مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُون”[2].

في هذه الرواية الشريفة جملةٌ من الفوائد المنيفة، غير إنَّ موضوع المقال يُحتِّمُ علينا الاقتصار منها على محلِّ الشاهد، وهو أنَّ للانفتاح الثقافي، متى ما وقع، نتائجَه وآثارَه الواضحة إذا ما قيس على قوانين النمط التاريخي له.

تَنْبيهٌ عَلى مُشْكِلَةٍ ذَاتِ خَطَر:

عندما لا يلتفتُ المفكرون والمُنظِّرون، والمُتَصَدُّون في المجتمع إلى الأنماط التي تحكم مجتمعهم، وإلى تغيرها متى ما تغيرت، فإنَّهم يقرأون الواقع ويتعاملون معه بأشكال وصور خاطئة، لا تُنتج غير أزمات وتعميق لأزمات! فافهم رعاك الله تعالى.

ليس القصد أن يكون هؤلاء في حال انقياد للمجتمع وتغيراته، ولكنَّ القصد أن يجعلوه تحت حكمة القواعد الفكرية الراشدة، وأن يعملوا على خلق الواقع المناسب لحكمة الإسلام ورُشد سادة الأنام (عليهم السَّلام).

الانفتاح الثقافي ووسائل التواصل التكنلوجي:

إنَّنا اليوم لا نعيش انفتاحًا ثقافيًا فحسب، بل نعيشُ عولمة ثقافية يقودها الأقوى سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا، وآلتُه فيها على مستويين يشملان مفاتيح التغيير في المجتمعات، هما:

  • مستوى المثقفين أو القابلين إلى الدخول في العملية التثقيفية، وهم من يُقبِلون على القراءة والاندماج في برامجها المُصمَّمة عالميًا على نحوِ عولمةٍ مُبتَكَرة[3].
  • مستوى عامَّة الناس، وهم الخاضعين لوسائل الإعلام وفي مقدمتها وسائل التواصل التكنلوجي.

يقوم المستويان على قانون قد أخذ مكانه عن عمليةِ عولمَةٍ في غاية الدقة، ولأهميتها أُلمِعُ لها بالتالي:

القانون هو (عدم القيود)، وليس من حقِّ أحدٍ أن يفرض قيودًا على أحد.

تَرَكَّب هذا القانون في الحركة المعولمة من مجموعة سلوكيات استوعبت لبس الإنسان وتسريحة شعره، ومن أهم ما يُؤسَّسُ للفكرة من خلالها الدفع في اتِّجاه إشاعة الملابس الممزقة، والشعر غير المسرح، والوشم بتشكيلات وصور تستوعب مساحات واسعة من الجسد، وغير ذلك من أنماط ثقافية تخالف أبجديات الترتيب والنظام الذي فُطِر وجُبِلَ عليه الإنسان.

على القارئ الكريم، مع اعتذاري وتقديري، أن يفهم بجدية وعناية هذا المُركَّب الثقافي العصري؛ إذ إنَّه المقدِّمة التي لا يبعد صحة كونها وجودية بالنسبة لعمومِ ثقافة التخلص من القيود والقوانين. فأرجوك افهم وتنبَّه.

يشترك أفرادُ المستويين في فكرةِ أنَّ المعلومةَ لم تَعد حِكْرًا على أحد، ولا يهم إن كان الحصول عليها عن طريق قراءة كتاب من ألف صفحة، أو من 140 وحرفًا في منشور على إحدى منصات التواصل التكنلوجي. وبذلك فإنَّه لا مجال لتقييد أحد عن الكلام بما يشاء ومتى ما أراد.

أُنبِّه على أنَّ هذه الحالة لا تستوعب مجتمعًا بأكمله، وليست هي السمة في كلِّ فردٍ فردٍ من المجتمع، ولكنَّها الطبيعة العامَّة، ويُغَلِّبُها من يعطي نفسه الحق وإنّْ كان في فئة قليلة؛ وذلك لأنَّه يتحرَّك من خلال إيمانه بحقِّه في الحركة دونما قيود، ومن هو كذلك كان ممَّن يشيعون الفوضى دائمًا. فتنبَّه حفظك الله تعالى.

إذن نحن اليوم أمام هذا الواقع القائم فعلًا، ولن تنفع إدانته أو تجريمه، كما ولا يصح التسليم له ومسايرته، ولكنَّ المتوقع من العقلاء وأهل الحكمة ورعاتها الوقوف والتمسك بعُرى الحكمة بما يضمن سلامة المؤمنين والنأي بهم عنهم الفتن والنزاعات.

طبيعة وسائل التواصل التكنلوجي:

إنَّني لا أفهم معنى يمكنني تقديره لما يُسمَّى حديثًا بالقراءة (المسحية، أو التصويرية)، فضلًا عن الالتقاطية؛ فما أفهمه وأراه من دواعي الاحترام والتقدير للقارئ، هو قراءته للكتاب من الجلد إلى الجلد مع العناية الكاملة بكلِّ سطرٍ فيه.

كما ولا أجد مجالًا لغير الإعراض الكريم عن كلِّ ناطقٍ ينطق قبل أن يتصور المسألة التي يتحدَّث فيها تصورًا تامًّا وصحيحًا، ويكون ضابطًا لجهاتها، ما لم يكن في مقام الاستفهام والاستعلام؛ وكلُّ شيءٍ يطرق الإنسانُ بابَه فلا بدَّ أن يكون قبله وفيه متعقِّلًا، والتعقُّلُ يَنْتَقِضُ بالاسْتعجَالِ والتَّسَرُّع، والانفعال، فضلًا عن منعه للتصور الصحيح والفهم الهادئ القويم.

تطبيق على مسألة السؤال عن صحَّة وضعف المنقول:

إنَّني في هذا التطبيق المهم لا أهدف على الإطلاق إلى إظهار المسألة صعبةً مُعقدةً، وإنَّما الغاية هي بيان ما ينبغي أن يكون عليه تصورها.

ألفِتُ بداية إلى أنَّ اختلاف المسالك والمباني بين علمائنا الأعلام إنَّما هو في ما يصحُّ الاختلاف فيه، كما وأنَّه في الغالب اختلاف في الطرق المؤدية إلى النتائج التي يتفقون فيها؛ أي أنَّهم قد يختلفون في الطريق العلمي، ونجدهم متفقين في النتائج. وهذا على أيَّة حال بحث له مكانه.

فلندقق الآن..

عندما يرد نصٌّ يُنسبُ إلى المعصوم (عليه السَّلام) فإنَّنا أوَّلًا نسأل:

هل قاله المعصوم (عليهم السَّلام) نصًّا؟ وإن لم يقله نصًّا، فهل يريد معناه؟ أو هل معناه موافق للكتاب والسنة المقطوعة؟ وإن لم نقف على ما يوافقه، فهل هو مُعَارض؟[4]

فلو قطعنا بصدور نصِّه عن المعصوم (عليه السَّلام) لتمكنَّا من تحليل مفرداته والبناء على المعاني التفصيلية للنص، ولاعتبرنا كلَّ تقديم وتأخير حتَّى في الحروف.

أمَّا لو تمكنَّا من إثبات صدور المعنى دون اللفظ نصًّا فحينها لا يصحُّ البناء على أكثر من المعنى مجرَّدًا عن الجهات البلاغية وما نحوها للنص.

إذا فهمنا هذه المقدمة انتقلنا إلى النظر في الجهة العلمية لإثبات صحَّة المنقول، نصًّا ومعنى، وهنا مسالك، منها من يرى انحصار الطريق العلمي في السند، ومنها من يقطع بصحَّة أو اعتبار المجاميع الحديثية للموثوقين من المتقدمين، وثالث يقطع بالصحة أو الاعتبار لوثاقة صاحب الكتاب مطلقًا؛ سواء كان من المتقدمين أو من المتأخرين، ومسلك يقطع باعتبار ما ورد في كتابنا بشرط عدم مخالفة الكتاب العزيز والسنَّة المقطوعة، ويوسِّع في مسلكه حدود فقه الحديث..

ثُمَّ أنَّ المنقول لو لم يثبت صدوره لا لفظًا ولا معنى، فهذا لا يعني إقصاءه في مقام النظر والاستدلال؛ فهناك من الأعلام من يرى انجبار ضعف الطريق إليه بعمل المشهور، أو بغيره من مؤيدات، سواء كانت نصية أو قرائن أخرى.

هذا شيءٌ ممَّا يخصُّ مثل الأحاديث والزيارات. أمَّا النصوص التاريخية فلا تختلف من جهة مسالك وطرق الإثبات، ناهيك عن مسوغات الطرح كما يقرِّرها الأعلام حتَّى مع ثبوت عدم الوقوع، وكذا تصوير الحال بحسب الموازين العلمية، وهو حينها فرض وقوع وليس مجرَّد تصوير ساذج.. وغير ذلك ليس بقليل ممَّا يُبحَث في خصوص المسالك العلمية.

الآن.. عندما يسأل أحدُ المؤمنين عالِمًا أو طالبَ علمٍ عن صحَّةِ حديثٍ أو زيارةٍ أو واقعة تاريخية، فواللهِ (بكسر الهاء) إنَّ الجواب صعب مستصعب؛ وأوَّل الكلام حينها: هل تعني بالصحة صحة السند، أو صحة الحديث؟ فقد يصح السند ويكون الحديث مهملًا، وقد يكون السند ضعيفًا، ويقطع العلماء بصدور الحديث نصًّا عن المعصوم (عليه السَّلام).

وإن جاء الجواب بعدم صحة السند، فبذلك ينقطع التسلسل العلمي عند السائل؛ لكونه لا يطلب غير الجواب بصحيح أو ضعيف، والحال أنَّ هذا عند العلماء المحققين مرحلة من مراحل البحث والتحقيق.

لا حظوا مثلًا ما قيل في كتاب الجعفريات أو الأشعثيات، ففي الوقت الذي يدافع عن صحته المُحدِّث النوري (طاب رمسه) في خاتمة المستدرك، يذهب السَّيد الخوئي (قُدِّس سرُّه) إلى المغايرة بين النسخة الموجودة بين أيدينا وتلك التي نقلها النجاشي والشَّيخ الطوسي. وهناك من يفترض عدم المعارضة بين القولين على فرض أنَّ نسخة المُحدِّث النوري هي النسخة الصحيحة.

الآن.. بِمَ يُجاب على السؤال المزبور؟ وها هو الحال في وسائل التواصل التكنلوجي مع مثل هذه القضايا الجادَّة، وها نحن نرى كيف تُطرح المطالبة بجواب حاسم دون إطالة!

من المظلوم في كلِّ ذلك؟

الجواب: هو العلم والمعرفة في مقام التعليم والتبليغ.

وإن قيل: هل تطالبون الناس بالسكوت والتسليم لكلِّ ما يُقال؟

قلنا: تفضلوا بمراجعة المقال السابق[5].

عود على بدئ، فنقول..

إنَّ الفِكرَةَ تختلُّ إن طُرِحَت مجملة، كما ومن الخطأ الاستخفاف ببيان جهاتها وتوضيح حيثياتها، لا سيَّما إذا كانت ممَّا يرجع إلى تنظيرات دقيقة وجذور لا تتيسر لكلِّ نظر.

يكفي للوقوف على الحقيقة السلوكية لوسائل التواصل التكنلوجي الالتفات إلى كونها وسائل (تفاعلية لحظية)؛ فهذا كاف تمامًا لفهم أسباب ابتعاد أولي النظر عن أجواء المناقشات والتداولات فيها، لا غرو وقد تفطنوا إلى أنَّ الدخول في مناقشاتها لا يعدو، في أثره، أكثر من النار التي تحرق الليف، فهي تحرق فعلًا، ولكنَّها سرعان ما تنطفئ، ولا تُخلِّف غير اوساخ وسواد نُسمِّيه في لهجتنا الدارجة (سنون).

لا يخفى على القارئ الكريم عدم صحَّة الرد على من يبني على أنَّ وسائل التواصل التكنلوجي كانت من أهم الأدوات التي استُعمِلت في إحداث الكثير من الوقائع الخارجية؛ حيث إنَّه إلى الآن لا يُفرِّقُ بين الأثر الانفعالي الجمعي، وبين البناء الفكري الرصين. فدعه مع من يخوضون.

ثُمَّ أنَّ جهةً مهمَّة في الحضور الشخصي التكنلوجي لا بدَّ من الانتباه إليها، وهي التنامي الهائل لشهوة النفس في اهتمام الآخرين بها، وهو ما يظهر في عرض المقاطع والصور، والمقولات، والنُكات، والسخريات، التي يحصل صاحب الحساب من خلالها على الأكثر من المتابعين وعلامات الإعجاب، وإن لم يكن فيكتفي بها متنفَّسًا للتعبير فيها عن نفسه.. وغير ذلك ممَّا يرجع في دوافعه والبواعث عليه إلى شهوة نفسية ظاهرة أو كامنة[6].

فلنلاحظ الآن:

تعمدُ بعضُ الحسابات الإعلامية إلى اقتطاع الدقائق التي يتحدَّث فيها خطيبُ المِنْبَرِ في أمر له حساسيته الخاصَّة، أو بأسلوب قد يكون مُستفزًا، أو ما نحو ذلك ممَّا يُتوَقَّع أن يكون من مثيرات اللغظ والقيل والقال وكثرة المهاترات، ومثله بعض المشاهد للشيَّالة أو بعض المُعزِّين، أو غير ذلك ممَّا تكون له حيثية الإثارة، ونحن هنا لا شأن لنا مطلقًا بصحة ما يقوله الخطيب أو الشيَّال، ولا ما يفعله المعزون أو غيرهم. فلا تذهب بك المذاهب رعاك الله تعالى.

فأوَّلًا: الاقتطاع يعزل المُقتطع عن سياقه الموضوعي من جهة، وسياقه الظرفي من جهة أخرى، وهذا مانع بلا شك من التصور الصحيح للمسألة ومن ضبط جهاتها.

وثانيًا: يُعرَض المُقتَطَع في وسائل التواصل التكنلوجي، وقد مرَّ أنَّ سمتها الرئيسية التفاعل اللحظي، ويتبعه التفاعل تحت حكومة العقل الجمعي.

تبدأ المشكلة بالتخلف الذهني عن فهم الأنماط الثقافية للعصر، ومن تفاعل الخطباء وأصحاب الشأن مع ما يُثار في هذه الوسائل!

ثُمَّ أنَّها تتضاعف وتتعقد بدفع العقلاء ومن يرتجى منهم ضبط الساحة للدخول في وسائل التواصل التكنلوجي بمستوى التفاعل والانفعال اللحظيين. وهكذا يدخل المجتمع في دوَّامة تقودها انفعالات هذه الوسائل الموحِشة.

ما يمكن أن يُطرحَ كحلول لهذه المشكلة العصرية:

قبل كلِّ شيء؛ فإنَّه لا يصحُّ من ذوي الحكمة والنضج والهدوء الدخول في مهاترات وانفعالات وسائل التواصل التكنلوجي، وهذا أمر لا مسامحة فيه على الإطلاق.

  • التوقف الموضوعي من أولي النظر، ومراجعة الأنماط الثقافية لهذه الحقبة الزمنية، وكيف تشكلت، وما هي السبل للسلامة من مخاطرها.
  • الفهم الصحيح لكيفية التعامل مع الأنماط الثقافية القائمة، ومن أهم ذلك تجنب الاستفزاز والدخول في صراعات مع الآخر، حيث إنَّ الضربة المضادة في هذا العصر مجهولة المصدر دائمًا، حتَّى لو ظننا إحرازنا له.
  • الالتقاء التناصحي الصادق الدائم بين الشيَّالة والخطباء، وطلبة العلم، والعلماء، من مختلف التوجهات، وبصدور واسعة واستعدادات حقيقية للمشورة والأخذ بالرأي العلمي الناضج والحكيم.
  • القراءة المستمرة والموازية من داخل الصندوق ومن خارجه.
  • الصدق مع النفس، لا سيَّما في قضايا الشهوة ومسائلها التي عادة ما تكون كامنة خافية.

قوس الختام:

إن أردنا واقعًا صحيًّا.. صحيحًا..سليمًا، فلا مفَرَّ من إعادة الاعتبار للتنظير وتعميق التنظيرات في دراسات وبحوث مطولة، مع إعلان التوبة الصادقة عن الترويج للمختصرات والغريدات ما يُسمَّى اليوم بـ(الزبدة)، فهذا معيب جدًّا قبل التفصيل العلمي، ولذلك قالوا بصحَّة الفذلكة من بعد التفصيل، لا ابتداءً.

 

السَّيد محمَّد بن السَّيد علي العلوي

14 من محرَّم الحرام 1443 للهجرة

البحرين المحروسة

………………………………

[1] – فلسفة التاريخ، د. مصطفى النشَّار، ص22

[2] – الأمالي – الشيخ الصدوق – ص 639 – 640

[3] – راجع: عندما تكون القراءة من أسباب الضحالة في الفكر http://main.alghadeer-voice.com/archives/4674

القراءة والكثرة.. والفكر http://main.alghadeer-voice.com/archives/3529

[4] – راجع: المبنى.. في نقل الحديث بالمعنى http://main.alghadeer-voice.com/archives/5607

[5] – المنبر.. محاولة لتحرير الأصل في الإشكالات المثارة http://main.alghadeer-voice.com/archives/5812

[6] – راجع المئات من المقالات والدراسات الأكاديمية حول وسائل التواصل، وليهتم القارئ الكريم بالقراءة في عنوان (سيكولوجية وسائل التواصل الاجتماعي)، مع تحفظي الشديد على لفظة (الاجتماعي) في هذا المورد.

مقالات مشابهة

2 تعليقات

عباس سلمان 16 أكتوبر، 2022 - 10:19 ص

تجربة إرسال تعليق

رد
عباس سلمان 16 أكتوبر، 2022 - 10:20 ص

تجربة إرسال تعليق https://jasi.1233.com/?heloo=world

رد

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.