الخِطَاب في وجهِ المُصَاب II بقلم سماحة الشَّيخ علي بن عبد الله بن زيد

بواسطة Admin
0 تعليق

أعوذُ باللهِ السّميعِ العليم من هَمَزات الشياطين، بسمِ الله الرَّحمن الرَّحيم والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الخلقِ محمَّدٍ المُصطفى وآله الطَّيبين الطَّاهرين.

 

الإنسان عُرضةٌ لطوارِق الحَدَثان، وهي إمَّا له، وإمَّا عليه، وإنْ كانت عليه فهو يحتاج لما يُعينه على تحمُّلِها ويُخفّف ثقلها عن كاهِلهِ، ومن السُّبُل لذلك قياسُ الحالِ بحالٍ أخرى؛ فلو ابتُليَ بفقرٍ مثلًا ينظرُ لمَنْ هو دونَه، جاء في روضة الكافي عن أبي عبد الله عليه السّلام مخاطِبًا عمرَو بنَ سعيدٍ موصيًا له قال: «… وَإِيَّاكَ أَنْ تُطْمِحَ نَفْسَكَ إِلى مَنْ فَوْقَكَ»[1]. ولو أُصيبَ بمصيبةٍ فلْيَنظُرْ لمُصيبةٍ أعظمَ لتكونَ سُلوةً عن مصيبتِه التي هو فيها، وهُنا جاء الخطابُ للمؤمنِ بالتّسلِّي بمصيبتِهِ برسولِ اللهِ صلّى الله عليهِ وآلِه عنْ كلّ مصيبةٍ؛ فالخَلقُ ما أُصِيبَ بمثلِ مصيبتِهِ به صلّى الله عليه وآلِه.

وفي روضة الكافي أيضًا عن أبي عبد الله عليه السلام في حديثٍ أنَّه قال:

«… وَإِذَا أُصِبْتَ بِمُصِيبَةٍ فَاذْكُرْ مُصَابَكَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَإِنَّ الْخَلْقَ لَمْ يُصَابُوا بِمِثْلِهِ قَطُّ»[2].

 

وها هنا بيانٌ لوجهِ المُصاب برسولِ الله صلّى الله عليه وآله، فأقولُ:

أُصيبَ الخلقُ بفَقْدِهم لرسولِ الله لأمور، منها:

الأوّلُ: لمنزلتِهِ، وفيها جهتان:

الجهة الأولى: أنّه صلّى الله عليه وآله المُبلِّغُ لأحكام الله، والمُخرِجُ للعبادِ من الظُّلُماتِ إلى النور، جاءَ رحمةً للنّاسِ ويُعلِّمُهُم الحكمة، وبفَقْدِه يَنقطعُ الوحي.

ورد في نَهجِ البَلاغة عَنْ أَبي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عليهِ السّلام أَنَّ أميرَ المؤمنين عليه السّلام قَالَ: «كَانَ فِي الأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اللَّه، وقَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا فَدُونَكُمُ الآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِه، أَمَّا الأَمَانُ الَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ اللَّه، وأَمَّا الأَمَانُ الْبَاقِي فَالاسْتِغْفَارُ، قَالَ اللَّه تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾[3]»[4].

وقال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾[5].

وفي الزيارة التي أَورَدَها السيدُ ابنُ طاووس رحمهُ الله لرسولِ الله يَوْمَ السّبتِ في كتابِهِ جمالِ الأسبوع: «… أُصِبْنَا بِكَ يَا حَبِيْبَ قُلُوبِنَا فَمَا أَعْظَمَ المُصِيْبَةَ بِكَ حَيثُ انْقَطَعَ عنَّا الوَّحيُ وَحَيثُ فَقَدْنَاكَ، فإنَّا لله وإنَّا إليهِ رَاجِعُون»[6].

 

والجهة ُالثانيةُ: أنّه صلى الله عليه وآله الأبُ لهذه الأمّة؛ ففقدُه فقدُ الأب، وهذه الجهة في الواقع فرعُ الأولى، حيثُ إنّه المُعلّمُ والمرشدُ بمَنزِلةِ الأبِ وبِفَقْدِه يُصابُ المَرْءُ – أو المُتعلِّم – ويخسَرُ خسارةً عظيمة، وسيأتي أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليهِ وآلِه أعظمُ منزلةً مِن الأب.

جاءَ في تفسيرِ الشّيخِ القُمّي رَحمهُ اللهُ في تفسِيرِ الآيةِ: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾[7]: “الوالدين: رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين صلوات الله عليه”[8].

وفي بحار الأنوار عَنْ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ أنّه قال: «أَنَا وَعَلِي أَبَوَا هَذِهِ الأُمَّةِ، وَلَحَقُّنَا عَلَيْهِم أَعْظَمُ مِنْ حَقِّ أَبَوَي وِلَادَتِهِم، فَإنَّا نُنْقِذُهُم إنْ أَطَاعُوْنَا مِنَ الْنّارِ إلَىْ دَاْرِ الْقَرَاْرِ، وَنُلْحِقُهُم مِنَ الْعُبُودِيَّةِ بِخِيَاْرِ الْأَحْرَاْرِ»[9].

 

الأمرُ الثاني: ما مُنِيَتْ به الأُمَّةُ بَعدَ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ مِنْ أَوَّلِ ساعةٍ بَعْدَ انْتِقالِهِ إلى الرَّفيقِ الأعلى حتَّى هذه الساعة، فقَدْ تَفرَّقَتِ الأُمَّةُ وسُفِكتِ الْدِّماءُ وَانْتُهِكَتِ الحُرُمات وعُبِثَ في الدِّين، وَما جَرى على أهلِ بيتِ النُّبوةِ ومعدنِ الرِّسالة أَشَدُّ وأمَرُّ.

جاءَ في مُنتهَى الآمال للشيخ عبّاسِ القُمّي: “فلمّا أحسَّ [النبيُّ] بالمرض أخذ بِيَدِ عليّ بنِ أبي طالبٍ عليهِ السلام واْتّبَعهُ جماعةٌ مِن النّاس، وتَوجَّه إلى البقيع فقال للذّي اتبع: «إنَّنِيْ أُمِرْتُ باِلِاْستِغْفَاْرِ لِأَهْلِ الْبَقِيْعِ»، فانطَلَقوا معه حتّى وقَفَ بين أظهُرِهم، وقال: «اَلسَّلَاْمُ عَلَيْكُم أَهْلَ الْقُبُوْرِ، لِيُهْنِئْكُم مَاْ أَصْبَحْتُم فِيْهِ عَمَّا فِيْهِ الْنَّاْسُ، أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ الْلَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوَّلَهَا»”[10].

 

 

والحمدُ لله ربّ العالمين

وصلّى الله على محمّدٍ وآِله الطّاهرين

ليلة السادس والعشرين من ذي القعدة من السنة الثانية والأربعين بعد المئة بعد الألف للهجرة، والسابعِ من يوليو من السنة الواحدة والعشرين بعد الألفين للميلاد.

عليُّ بنُ عبدِ الله زيد.

25 من ذي القعدة 1442 للهجرة

…………………………………….

[1] الكافي (دار الحديث)، ج ١٥، الشيخ الكليني، ص ٤٠١.

[2] الكافي (دار الحديث)، ج ١٥، الشيخ الكليني، ص ٤٠٢.

[3] الأنفال: 33.

[4] نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السَّلام (تحقيق صالح)، ص ٤٨٣.

[5] الجمعة: 2.

[6] جمال الأسبوع، السيد ابن طاووس، ص ٣٨. بحار الأنوار، ج ٩٩، العلامة المجلسي، ص ٢١٤.

[7] الأنعام: 151.

[8] تفسير القمي، ج ١، علي بن إبراهيم القمي، ص ٢٤٦.

[9] بحار الأنوار، ج ٢٣، العلامة المجلسي، ص ٢٦١.

[10] منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل، ج ١، الشيخ عباس القمي، ص ٢٠٣.

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.