رؤية تحليلية لواقع الجرأة على الدعوة السافرة للشذوذ

بواسطة Admin
0 تعليق

أعوذ بالله السميع العليم من شر الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وآله الطيبين الطاهرين

 

يُخطئ من يحسب (Homosexuality) لواطًا أو ميلًا للمثل الجنسي؛ بأن يميل الذكر للذكر والأنثى للأنثى ميلًا شهوانيًا جنسيًا، فهذه كلُّها ممَّا يترتَّبُ على إقرار (Homosexuality).

التصوير الصحيح للمسألة:

قدَّموا في الغرب بأنَّ الأصل هو بشرانية الإنسان، ولا فرق فيها بين ذَكَرٍ وأنثى؛ فهذان عارضان متأخِّران اقتضتهما ظروف الدنيا من ضرورة الذكر والأنثى للتزاوج والتكاثر وما إلى ذلك من مهام ووظائف يحتاجها التركيب الاجتماعي في هذه الدنيا.

قالوا:

“Gender refers to the characteristics of women, men, girls and boys that are socially constructed. This includes norms, behaviours and roles associated with being a woman, man, girl, or boy, as well as relationships with each other. As a social construct, gender varies from society to society and can change over time”.

وبالتالي؛ فإنْ لم يكن الحمل والإنجاب غايةً للمقاربة الخاصَّة، فما هو الوجه في منع مقاربة الأنثى للأنثى والذكر للذكر؟ لا سيَّما وأنَّ الانجذابَ والحبَّ وما نحوهما مَشاعِرُ (بشرية) واحدة، وإنَّما تميَّز الانجذاب بين الذكر والأنثى بسبب ظروف النشأة الدنيوية والتكوين الاجتماعي، وإلَّا فالأصل هو عموم الانجذاب وعدم تخصيصه.

ثُمَّ وما المانع، بعد أن تبين رجوع التقسيم الثنائي لمقتضيات اجتماعية، مِن نفي الاسم الجنسي (ذكر/ انثى) عن الفرد (البشري) متى ما اختار ذلك؟ فإنَّ الأصالة (البشرانية) تعطي كامل الحق لمن ولِد ذكرًا أن يرفض واقعه ليختار أن يكون الجنس الآخر، وكذا من ولدت أنثى، بل ويعطيه الحق لرفض العنوان الجنسي من رأس والاكتفاء بكونه (بشرًا)؛ فإنَّ الحاكم هو (البشرانية) وليس الجنس الدنيوي (ذكر وأنثى). فما أسموه ((Homosexuality) إذن هو التماثل المطلق بين (البشر) مهما اختلفت مظاهرهم (البشرية) في هذه الدنيا، حالهم حال الألوان التي مهما اختلف مظهرها إلَّا أنَّها ترجع جميعها لكونها لوناً!

هذا ناهيك عمَّن يولد مضطربًا في هرموناته، أو بآلتين وهو الذي يسمَّى في المصطلح الفقهي (الخنثى)، فهو يعاني بسبب المجتمع وتقسيماته القسرية. وقد قالوا في ذلك:

“Rigid gender norms also negatively affect people with diverse gender identities, who often face violence, stigma and discrimination as a result, including in healthcare settings. Consequently, they are at higher risk of HIV and mental health problems, including suicide”[1].

فالكلام إذن ليس مقصورًا على الشذوذ بمعنى (اللواط) والعياذ بالله، وإنَّما هو في إعطاء الفرد كامل الحقِّ في اختياره للجنس الذي يريد أن يُعرف وينادى به، بل وأن يختار عدم الجنس متى ما شاء!

إذا فهمتَ هذه الرؤية التي يُنَظَّرُ إليها الليبراليون في الغرب وفي الولايات المتَّحدة الأمريكية فيما يناقشها المحافظون، فإنَّنا نقول: هذا كلام أشدُّ سخفًا من أنْ يُناقش أو يُردُّ عليه، وأسخف منه التصدِّي لمناقشته. غير أنَّ موجة الدعوى إليه عالية وعالمية بكلِّ ما تحمل الكلمة من معنى، وقد برزت أنديةٌ رياضيةٌ عالميةٌ بتبنيها الصريح وفخرها السافر بانضمامها إلى حركة المدافعين عن (Homosexuality)، منها نادي برشلونه الإسباني[2]، ونادي فلامنغو البرازيلي[3]، ونادي ليفربول الإنجليزي[4]، والاتحاد البرازيلي لكرة القدم[5]، وغيرها من كيانات رياضية يرى الكثير من الشباب والكبار انتماءهم الرياضي لها!

فالسؤال الذي ينبغي أن يُطرح في هذا السياق:

كيف يجرؤ هؤلاء على التخطيط لطرحِ أمرٍ في غاية القبح والشذوذ إلى حدِّ أنَّ الحيوانات لا تفعله فيما بينها، بل هو لا يخطر على بالها! وأن يكون الطرحُ عالميًا وبِهَذِهِ القوَّة؟! وأن تتبناه كيانات لها حضورها السياسي والاقتصادي والثقافي والرياضي على مستويات دولية وعالمية؟!

وأكثر من ذلك أنَّنا لا نرى حركة مضادَّة بحجم الحدث!

قبل الشروع في بيان البُعد الثقافي لما نحن فيه، أُقدِّم بتوضيح مبدأ عام في إشاعة الفكرة أو السلوك أو ما شابه.

ربَّما حاول كثيرٌ منَّا إشعال النار في بعض الأخشاب للتدفئة أو في فحمٍ لشوي بعض اللحم، وقد لاحظنا كم نتعب ما لم نتمكَّن من تحويل قابلية الخشب أو الفحم إلى فاعلٍ ذاتي يُغنينا عن مواصلة الإشعال وصبِّ المزيد من (الكيروسين)، فإنَّه (القابل للاحتراق) إذا استغنى بنفسه عن عاملٍ خارجي للإشعال قويَ اشتعالُه وصَعُبَ إخمادُ ناره؛ والوجه في ذلك أنَّ الاشتعال يكون بقوة دافعة داخلية ذاتية.

إذا اتَّضح هذا المبدأ، قلنا في فلسفة التطبيع:

لا تعتمد (فلسفة) التطبيع على إضعاف قوى الرفض النفسي أو الذهني في الإنسان، ولكنَّها تعتمد على إحداث ثقافةٍ تحملُ قُوَّةَ الدِفَاع ضِدَّ رَفْضِ الغَريبِ أو الشاذ، وهو ما نراه بوضوح تام في ثقافة التبرير بالحريات الشخصية والتعددية الفكرية وما إلى ذلك من عناوين تمحق الروادع المجتمعية أو العرفية.

من مقدمات التطبيع:

وهي مقدمات مترابطة كحلقات السلسلة، وقد تنتج الواحدةُ منها الأخرى.

  • إسقاط القدوات الوازنة وإحلال أخرى:

كان للكبير وزنه ومكانته في الأسرة وفي المنطقة والمجتمع، فتُرجع إليه الأمور المهمَّة للفصل فيها، كما ويكون هو عنوانَ ردعٍ وتأديبٍ ضِدَّ أيِّ فكرةٍ أو سلوك شاذٍّ أو مخالف لما عليه المجتمع، ومثله العالم الفقيه في المنطقة وفي البلد، وكذا ربُّ العمل والأستاذ.. كان لهؤلاء، إضافة لدور الضبط المجتمعي، مقام القدوة التي يطلبها ويدافع عنها من دونها من عامَّة الناس.

أسقطت قوى الشيطان الرجيم ثقافة (الكبير) بعد تمكينها لثقافة الحرية الشخصية والمنع من التدخل في شئون الغير مطلقًا، بل حتَّى الآباء يحملون اليوم ذات الثقافة، فَيُرجِعُونَ لأولادهم الاختيارات والقرارات دون تدخل منهم بأكثر من إبداء رأي أو نصيحة!

بإحلال هذه الثقافة الفاسدة قُصِم ظهر الخبرات والتجارب التي من شأنها ان تُكَوِّن الرؤية الناضجة والرأي الراجح عند أصحابها من الكبار، فإنَّ للخبرات والتجارب فيمتها الذاتية المهمَّة التي تُنتج نضجًا ورجحان عقلٍ متى ما اجتمعت مع عقول وازنة.

ولكنَّ الإنسان مجبول على اتِّخاذ قدوة مُؤَمِّنَةَ له من السقطات والأخطاء الخطيرة، وعند عدم وجودها يُصاب بخلل في جِبلَّته، ما يحدوه للتبعيض الثقافي في القدوات، فيتخذ لنفسه قدوة في لباسه وأخرى في قراءاته، وثالثة في طريقة كلامه وأسلوب أكله.. وما إلى ذلك دون عناية بأكثر من شهرة القدوة ومكانه العالمي الذي يكون تحصينًا للشاب يحميه من الانتقادات والمعارضات.

  • إسقاط القوانين والقيم:

تحمي القوانينُ المجتمعيةُ الصحيحةُ الناسَ من الوقوع في مخاطر الدعة والخمول، فهي التزام في تحمل المسؤولية تجاه السلامة الدينية والثقافية في المجتمع. بعد إسقاط (الكبير) الضابط لسلوك المجتمع بدأ الناس بالميل إلى الدعة والراحة والخمول؛ وذلك لغياب المُلزِم المراقب.

  • مظاهر القوى الرافضة للقوانين والقيم:

لا بدَّ أن نتساءلَ بجدٍّ وإصرار عن القيمة الذوقية لمثل السراويل النازلة إلى ما تحت الحوض (low waisted trousers) أو تلك الممزقة (teared trousers)، أو تسريحات الشعر التي لا تخضع لأدنى موازين الذوق؟!

تَسْتَبْطِنُ هذه الخياراتُ وأمثالُها رفضًا صارخًا للقوانين وللالتزام بالأعراف والتقاليد، وهذا الرفض قوَّة جامحة نرى ظهورها في مختلف جوانب الحياة، ويكفي إشارةً لها الالتفات إلى الاستقواء السافر لكلِّ أمرٍ يرفضُهُ العُقَلاءُ ويحذِّرُ مِنْهُ الكِبَار؛ ألا ترى مواجهة التحذير من لبس النساء للعباءة الضيقة بابتداعهم لعباءة (البشت)!! ولسان حالهم يقول: اقبلوا بما نفعل وإلَّا جئناكم بما هو أمَرُّ على قلوبكم! وكيف كان فإننا فاعلوه. فأنتِ على أي حالٍ مسبية!

  • هاجس العودة إلى المربع الأوَّل:

قد يرفض جيلُ الشباب واردًا ثقافيًا معينًا، إلَّا أنَّ رفضهم لن يتجاوز المداخلات في بعض منصَّات التواصل الإلكتروني، أو إبداء الرفض بمظهر رمزي؛ والسرُّ في عدم التفكير الجاد في استراتيجيةٍ حاميةٍ من دخولِ الأغيارِ، ومُؤَسِّسَةٍ لترسيخِ وتجذيرِ الأفراد الصالحة هو الخوف من أن يجرّهم ذلك إلى المربع الأوَّل وخسارة الكثير من مكتسبات الحرية التي استقرَّ في المجتمعِ التطبيعُ معها.

عود على بدء..

إنَّ هذا الشذوذ الذي تدعو إليه حركةٌ عالميَّةٌ مُمَنْهَجَةٌ ومنظمةٌ لا يمكن لغير شاذٍّ في عقلِهِ وفِكرِهِ ونفسِهِ أن يقبل حتَّى بمجرَّد التفكير فيه دون أن يتقيأ تقزُّزًا واستقذارًا، إلَّا أنَّ القوى الثقافية التي أشرنا إليها هي كالجاثوم على صدر الفطرة السليمة تخنقها وتبذل جهدها لإصابتها بالضمور ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا.

توصية المقالة:

التنظير الجاد والمعمَّق لإعادة الموازين والقيم الصحيحة إلى وجدان المجتمع، وهو ليس بالأمر الهين، ولكنَّ الزهد فيه وضيق الصدر بالتنظير والتفكير على أُسُس الآمَاد المتوسطة والطويلة من شأنه أن يكشف المزيد والمزيد من جروح المجتمع وتقرحاته الثقافية لعبث الذباب والبعوض.

ثُمَّ فليكن واضحًا بأنَّ الحكمة ليست في مناطحة الثور ولا في التدرُّع بالحديد للسلامة من إصابات قرونه، ولا هي في إتقان الرشاقة والتمايل عن هيجانه كما في حلبات مصارعة الثيران الإسبانية؛ وإنَّما هي، أوَّلًا: في الابتعاد عنه والحذر من ملاحقته والانشغال به، وثانيًا: بحفر خندقٍ عميقٍ يمنعه من العبور إلى ساحة العقلاء.

إنَّ الذهنية العامَّة في مجتمعاتنا اليوم مهيئة، إلى حدٍّ ما، للقبول بأشدِّ الأفكار والسلوكيات والمظاهر شذوذًا وانحرافًا، لا لشذوذ وانحراف في فكر المجتمع، ولكن لنجاح الشيطان في الابتعاد بأبناء أكثر من جيل (على القول بأنَّ الجيل 33 سنة) عن جدِّيةِ القيم والموازين الدينية والعرفية الأصيلة، وتغريبهم الحقيقي عن الوعي بأهمية المقامات الاعتبارية للكبار وبما يُفترض أن يقوم به المجتمع من دور رادع ضدَّ المُفسِدات بمختلف أنواعها وأشكالها.

“اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي”[6].

 

السَّيد محمَّد بن السَّيد علي العلوي

20 من ذي القعدة 1442 للهجرة

البحرين المحروسة

…………………………..

[1] – تجدون المقالة كاملة على موقع: World Health Organization https://www.who.int/health-topics/gender#tab=tab_1

[2]https://twitter.com/fcbarcelona/status/1409453223996502018?s=21

[3]https://twitter.com/flamengo/status/1408790678554001410?s=21

[4]https://twitter.com/lfc/status/1410508844032135171?s=21

[5]https://twitter.com/cbf_futebol/status/1409345861851746315?s=21

[6] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 337

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.