ظَهَرَ انْزِعَاجُ الكثير من المؤمنين ممَّا جرى ليلة البارحة من تضاربات شديدة جدًّا في الأخبار الواردة بخصوص هلال شهر شوَّال 1441 للهجرة، وما ينبغي التأكيد عليه أنَّ أحدًا لا يصحُّ لومه، فما جرى إنَّما هو لخللٍ في بعض الجوانب الثقافية أوَّلًا والإدارية ثانيًا.
في هذه السطور أحاول لفت الانتباه لبعض الأمور التي أرجو أن تكون نافعة كمساهمة في حلِّ بعض المشكلات المتعبة.
1- ليس من السهل على الإطلاق التغلُّب على القوة الطوفانية الضاربة لسيل الأخبار التي تَرِدُ عبر وسائل التواصل التكنلوجي، كما ولا يمكن أصلًا الوقوف في وجهها أو التحكُّم في أي جهة من جهاتها؛ إذ أنَّ الذي نراه يكشف بوضوح عن وجود من لا يفهم معنى المسؤولية تجاه الخبر ولا تجاه الناس، فيُرسل أخبارًا كاذبة بأشكال مختلفة، منها الأخبار القديمة والمزوَّرة، وغير ذلك..!!
المشكلة أنَّ عملية إعادة النشر تتمُّ بشكل في غاية الفوضى، خصوصًا وأنَّ نَفْسَ إعَادَةِ النَشرِ هَوَسٌ يكاد ان يكون قهريًا؛ إلى درجة أنَّ النصيحة بالتوقف عنه أصبحت أمرًا مزعجًا، وكأنَّها تسلبُ حيثية وجودية ممَّن يمارس هذا النوع من النشر!
لذا، فنضع أنفسنا وكافَّة المؤمنين أمام هذا النص الشريف..
علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن أحمد بن مُحَمَّد بن خالد، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال أميرُ المؤمنين (عليه السلام): “إذا حَدَّثْتُم بحديثٍ فأسنِدُوه إلى الذي حَدَّثَكُم؛ فإنْ كانَ حَقًّا فَلَكُم، وإنْ كَانَ كَذبًا فَعَليهِ”[1].
فلنفهم جيِّدًا.. لا يكفي أن يقول الناقلُ: كما وصلني، فهذا خِلاف ما أمَرَ بِهِ أميرُ المؤمنين (عليه السلام) من الإسناد إلى من حدَّثَ، ولذا، قًل: وصلني من فلان بن فلان، وإلَّا فأنت لست مُكلَّفًا بالنقل أصلًا، ولا أنَّ الخبر لن يصل إن لم تنقله أنت!
خبرٌ عن هلال؟ خبر عن حرب؟ خبرٌ عن إفراجات؟ خبرٌ عن أي شيء.. فهناك جهات رسمية تنشر الأخبار، وكل ما علينا الانتظار إلى حين صدور الخبر الرسمي.. فقد ننتظر، لا أكثر من ذلك..
هنا أمر استطرادي..
تصل أخبار بعنوان: تسريب..
اسمعوا جيِّدًا.. الأخبار الخطيرة من الصعب أن تُسرَّب، وإن سُرِّبت ففي الغالب يكون تسريبها مقصودًا.. وبالتالي، لا شأنَ لنا بأيِّ خبرٍ مُسرَّب مهما كان مهمًّا، وما علينا إلَّا الاهتمام بمشاغلنا وأنفسنا إلى حين صدور الخبر بشكل رسمي ومن مصادره الصحيحة..
نحتاج فقط أن نستشعر شيئًا من التقدير تجاه أنفسنا، ولا نقبل أن نكون لعبة في يد الأخبار، تأخذنا ذات اليمين تارة، وذات الشمال أخرى.. وتصفعنا في نهاية الأمر على وجوهنا!
2- كثرتِ البيانات الصادرة من أصحاب السماحة العلماء، وهذا، إداريًا، غير صحيح؛ ففي مختلف البلدان هناك من العلماء الأفاضل من يتصدَّى لمسألة الهلال، ومعنى التصدِّي أن يستقبل الشهود ويحقِّق في شهاداتهم، ويتتبع أخبار الهلال.
وهناك من العلماء الأفاضل من يتابع الأخبار ويتواصل مع المتصدين ومع مكاتب المراجع الكرام، وبهذا القدر لا يكون متصدِّيًا، ولكنَّه يُقرِّرُ موقفه الشخصي الخاص بناءً على اطمئنانه، وبالتالي:
ليس من الصحيح أن تصدر البيانات بخصوص الهلال من المُتَصَدِّي وغير المُتَصَدِّي، بل يُكتَفى ببيانات المتصدين، وقد يتواصلون فيما بينهم ويصدر بيانان، أحدهما لمن ثبت عندهم الهلال، وآخر لمن لم يثبت عندهم، وأمَّا غير المُتَصَدِّين فيُخبِرون خصوص من يتواصلون معهم باطمئنانهم من عدمه.
طيب.. هل هو حرام أن يصدر غير المُتَصَدِّين بيانات بمواقفهم من الهلال؟ خصوصًا وأنَّ هناك من يبني اطمئنانه على اطمئنانهم..
الجواب: لا، قطعًا ليس بحرام، ولكنَّ كلامنا في الجانب الإداري للمسألة، وبطبيعة الحال ليس الأمر مسابقة ولا هو تسجيل موقف أو ماشابه، فعلمائنا الأجلَّاء أكبر من ذلك بكثير.
من يريد السؤال عن اطمئنان أحد العلماء من غير المتصدين فليسأله مباشرة؛ لتجنيب الساحة هذا الإغراق المُربِك للناس.
3- في هذه السنة بالذات تدخل الإخوة الأفاضل من الأساتذة الفلكيين بشكل غير صحيح في أمرين:
الأوَّل: ليس من الصحيح أن ينشر الإخوةُ الفلكيون صور الهلال، سواء بكاميرات عادية أو كاميرات دقيقة؛ فعامَّة الناس يرون الصورة ولا يفهمون مدى اعتمادها الشرعي، فيضطربون ويتساءلون باستغراب عندما لا يُبت الهلال شرعًا.
الثاني: قطع بعض الأحبَّة من الفلكيين قطعًا جازمًا بإمكان أو عدم إمكان الرؤية، وانتشر جزمه بين عامَّة الناس. هذا القطع الجزمي يُؤثِّر غالبًا في التركيز الذهني لمن يتلقى شهادات الشهود، كما ويؤثِّر كذلك في النفسية العامَّة للناس بما يشوش استقبالهم للبيان العلمي.
لذا، فالمرجو من الأساتذة الكرام تجنُّب هذا المستوى من الجزم، والاكتفاء بتقديم رؤية فلكية علمية هادئة لخصوص العلماء المُتصدِّين، مع التأكيد على عدم نشرها.
وكيف كان، فإنَّ إخبارات الفلكيين لا تنفع عامَّة الناس، بل قد ثبت ضررها الكبير على الأذهان والنفسيات؛ والسبب في ذلك أنَّها ليست من اختصاصاتهم ولا من شأنياتهم، فلماذا يُربَكُونَ بها؟!
فلنحافظ أيُّها الأكارم على علمية التخصُّص في كافَّة أمورنا، ومنها ما نحن فيه.
كلمةُ الختام..
إذا كانت هذه النقاط نافعة، فليُضاف إليها ما يتمِّمها، ثُمَّ فلتكن المادَّة الرئيسية لحركة تثقيفية تصحيحية تستوعب قطاعات المجتمع من اليوم إلى هلال شهر رمضان من العام 1442 للهجرة؛ فنستقبله جميعًا بوعي رفيع ينأى بنا على الانزلاق في مثل هذه المتاعب الذهنية التي لا نجني من ورائها غير استهلاك العقول وإتلاف الأذهان.
بالفعل أيُّها الأكارم، إذا كنَّا حريصين على سلامة مجتمعنا، فلا بُدَّ من العمل الجاد على معالجة مثل هذه المشاكل الصغيرة في حقيقتها، ولكن تُضخمها مجموعةٌ من الأخطاء فتجعلها مصاعب جادَّة تهدِّدنا في مقاتل!!
فلننتبه..
خالص الدعاء
السيد محمَّد علي العلوي
30 من شهر رمضان، أو غرَّة شوَّال 1441 للهجرة
البحرين المحروسة
…………………………
[1] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 52
7 تعليقات
سيدنا العزيز
احسنتم بارك الله فيكم، بالاضافة الى ما ذكرتم ونبهتم اليه، فإن الخلل الأكبر يقع في فهم عموم الناس لمسألة الهلال بحسب كل مُقلد من المراجع الكرام، فلو كانت هناك شروح مصورة بحسب رأي كل فقيه بالشكل المبسط لكان الأمر اكثر يسر. ومع ذلك من الأفضل على المتصدين لمسألة الهلال ان يضعوا النقاط على الحروف وان يشمل بيانهم توضيح ما يجب توضيحه للناس بذكر ان على مقلدين المرجع الفلاني ان يعملوا بكذا والآخر كذا. لا ان يؤى المؤمنين سائر البلدان قد تقرر لديهم شأن يوم العيد من مصادره المؤكده كأيران والعراق بإعلان المرجعيات وفي بلدنا لعدم توفر المرجعية التي تحسم شأن الهلال..
اقترح ان يعمل وكيل كل مرجع على ايضاح المسألة للناس واستقبال المؤمنين المستهلين او اعتماد لجنة مشتركة على ان يحسم الأمر بحسب رأي كل مرجع تقليد، لا ان يعطل العباد ويقع بعضهم في الإشكال حتى ظهيرة ومساء اليوم التالي لعدم تبيان الأمر بالشكل الصحيح.
شكرا لكم على المقالة العقلانية مع التحية
أحسنتم سيدي الكريم، شكرًا لاهتمامكم..
انشر بعد قليل مقالة مستفيدًا من تعقيبكم المهم..
شكرا سيدنا العزيز على المخاوف والاهتمام في المقال بخصوص ما حدث من بلبلة في قضية هلال شوال . المقال رائع وقد وضعت الإصبع على الجرح وفقك الله ولكن عندي ملاحظة على فقرة ٣ حيث كنت ترى أساتذة الفلكيين جزء من المشكلة لانهم ينشرون صور الهلال مع إبداء آرائهم بتعذر أو عدم تعذر رئيته بتعذر ان بعض من الناس لا يفهمون مدى اعتمادها الشرعي واظن لا يصح منع أو حجر اي علم أو معرفة عن الناس وأرى تصحيح المشكلة تكون على عاتق علماء الدين الواعين والمثقفين ان يبذلو جهودا مضاعفة لتوعية الناس لا لمنع العلوم عن الناس
ارجو تقبل اعتذاري على التطفل
أحسنتم كثيرًا سيدي الكريم..
تعليقكم في غاية الأهمية والموضوعية، وهو محور مقالة انشرها بعد قليل إن شاء الله تعالى مستفيدًا من ملاحظتكم الراقية..
أكرِّر شكري وعظيم تقديري..
[…] [1] – رابط المقال: http://main.alghadeer-voice.com/archives/5612 […]
السلام عليكم جناب السيد المؤقر
جزيتم خير
ملاحظة
اوؤيد ان يقع علي عاتق رجالات الدين و الفلكين و المختصين و الحوزات العلمية لاهل البيت و رجالاتها ان يتحدوا في طرح الدروس او المحاضرات للعموم بمشاركات مكثفه و توضيح المبني الفلكي و الديني و الفكر
حيث مبني فقهاء ال البيت صلوات الله عليهم توضح للمقلدين
تحياتي
سيد جواد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أحسنتم كثيرًا سيدنا الكريم
فكرة رائدة ومهمَّة؛ وقد تحلُّ جانبًا كبيرًا من المشكلة.
أضيف عليها لو أنْ تلتحق بمثل هذه الدورات وجوهٌ من كلِّ منطقة وقرية؛ ومن بعد تتحمَّل هذه الوجوه مسؤولية توعية المؤمنين كل في منطقته..
أحسنتم كثيرًا وجُزيتم خيرًا..