المبنى.. في نقل الحديث بالمعنى

بواسطة Admin
1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على محمَّد وآلِه الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

 

“ذهبَ جُمهورُ السَلفِ والخَلَفِ مِنَ الطَوائِفِ كُلِّها إلى جَوَازِ الرِواية بالمعنَى إذا قَطَعَ بِأدَاءِ المعنَى بِعَينِهِ”[1]؛ إذ أنَّ المقصود من المخاطبة هو المعنى، وما اللفظ إلَّا أداة إخطارية، وبالتالي صحَّ أن نقول بجواز الرواية بالمعنى بشرط القطع بكون اللفظ المُسْتَعمَل يُؤدِّي إلى المعنى بعنيه، وقد يكون ذلك متعذِّرًا ما لم يكن الراوي عارِفًا بطريقة المروي عنه ونظامه في التفكير والتفهيم والأداء، ومقاصده وما يريد من وجوه المعاني.

نُشِرَتْ في الثالث من شهر رمضان المبارك 1441 ورقةٌ علميةٌ لسماحة العالِم الفاضل الشيخ محمود آل الشيخ العالي (دامت توفيقاته) أجاب فيه بستَّة أجوبة على إشكالية (النقل بالمعنى)، فأجاد وأفاد؛ كيف لا، وهو العلَّامة العلم ومن أبرز الأساتذة في الحوزة العلمية البحرانية.

من تلك الورقةِ المُنِيفَة انبعثت في ذهني الفاتر بعض التأمُّلات، انتقلتُ بها إلى مجموعة (المُلتقى الحوزوي)، وهي مجموعة خاصَّة بحوزة خاتم الأنبياء (صلَّى الله عليه وآله) العلمية، فدارت مناقشة لطيفة تداخل فيها الأفاضل بما أثرى المقامَ تصحيحًا وبلورةً وإنضاجًا، سيَّما وأنَّ من المتداخلين سماحة العالِم الفاضل الشيخ صالح آل جواد الجمري (دام مُؤيَّدًا)، وهو من القامات العلمية العالية في بلادنا البحرين حرسها الله تعالى مِنَ الفِتَن وطوارق الزمن.

ظهر لي بعد ذاك ما بعثني على بحث المسألة بتنظيم مقدماتها وترتيب نتائجها، فعقدتُ العزمَ وشرعتُ متوكِّلًا على الله سبحانه تعالى في سفينة توسُّلي بالسادة الميامين، محمَّدٍ وآله الطاهرين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

اللفظ والمعنى:

أوَّلًا: سواء قلنا بوضع الألفاظ للمعاني، أو بذاتية العلاقة بين اللفظ والمعنى، يبقى اللفظُ دالًّا على المعنى، ولا فائدة في المقام من الدال ما لم يُستعمَل في إحضار المعنى المطلوب بنحو ما.

ثانيًا: تقع بعض المعاني ملازمة للمعنى المشار إليه، وقد تترتب لوازم على فهمه، كما لو قال: أحضر البتَّار، فإنَّه ليس كما لو قال: أحضر لي السيف؛ إذ أنَّ حيثية القطع مأخوذة في المعنى المطلوب عند التعبير بالبتَّار، على خلاف السيف الذي قد يراد منه سيف الزينة أو الاستعراض أو ما شابه.

ثالثًا: أخذوا في موضوع الإرادة الجدِّية كون المعصوم (عليه السلام) في مقام البيان دائمًا، وهذه صغرى لكبرى دخول المتحدِّث من جهة بنائه الثقافي والفكري في موضوع الدلالة، فقول زيدٍ العالِم (يجب عليك كذا) ليست كما لو قالها غيره من عامَّة الناس.

إذا اتَّضح ذلك، فاعلم أنَّ الروايات في المقام على طوائف:

الطائفة الأولى: ظاهرها التأكيد على النقل اللفظي:

  • في الكافي، قال: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمَير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير، قال:

قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله جَلَّ ثَنَاؤهُ: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)[2]؟

قال (عليه السلام): هو الرجلُ يَسْمَعُ الحَدِيثَ فَيُحَدِّث بِهِ كَمَا سَمِعَهُ، لا يزِيدُ فِيهِ ولا يُنقِصُ مِنْهُ”[3].

يظهرُ من قوله (عليه السلام): “فيُحدِّث بِهِ كَمَا سَمِعَه” النقلُ اللفظي، وإلَّا لقال (كما فهمه) أو ما في معناها بما يُحرِّر السامع من التقيد بالمسموع لفظًا. وإنْ كان من المتصور أيضًا التحديث بمعنى الخبر دون التزام باللفظ، ويكون قد حدَّث به كما سمعه دون أن يزيد فيه أو يُنقص، إلَّا أنَّ ظهور (كما سمعه) من جميع الجهات ومنها جهة اللفظ أوضحُ.

  • في الاختصاص، قال: حَدَّثَنَا جَعفَرُ بن الحُسين المؤمن، عن مُحَمَّد بن الحسن بن أحمد، عن مُحَمَّد بن الحسن الصَفَّار، عن أحمد بن مُحَمَّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عَمَّار، عن أبي بصير، عن أحَدِهِمَا (عليهما السلام) في قول الله عَزَّ وجَلَّ: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ).

قال (عليه السلام): هُم المُسلِمُونَ لآلِ مُحَمَّد (صَلَّى اللهُ عليهم وسَلَّم)؛ إذا سَمعُوا الحَديثَ أدَّوهُ كَمَا سَمعُوهُ، لا يَزِيدُونَ ولا يُنْقِصُونَ”[4].

عبَّر (عليه السلام) عن (نقل) الحديث بالتأدية، ووصف من يؤدِّي الحديث كما سمعه، لا يزيد ولا يُنقص، بالمُسلِّم لآل محمَّد (صلَّى الله عليهم وسلَّم).

قال في المقاييس: “الهمزة والدَّال والياء أصلٌ واحِدٌ، وهو إيصالُ الشيء إلى الشيءِ أو وصوله إليه من تلقاء نفسه. قال أبو عبيد: تقول العرب للَّبَن إذا وصل إلى حال الرُّؤوبِ، وذلك إذا خَثُر: قد أدى يَأْدي أُدِيًّا. قال الخليل: أدّى فلان يؤدّي ما عليه أداءً وتَأْدِيَةً”[5].

يبدو أنَّ الأوفق للأداء إيصال المعنى من خلال اللفظ الذي أراده المعصومُ (عليه السلام) دالًّا عليه، ويؤيِّدُ هذا أمران:

الأوَّل: قوله (صلَّى الله عليه وآله): “”نَصَرَ اللهُ امرءًا سَمعَ مِنَّا حَديثًا فَأدَّاهُ كَمَا سَمع؛ فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أوعى مِنْ سَامِعٍ”، وهو الحديث الآتي، ويفهم منه النقل اللفظي للتقيد باللفظ الوارد في فهم المعنى، أي أنَّ المعنى الذي قد يُفهم محدودٌ بحدود اللفظ الذي استعمله صاحب النص وأراده دالًّا عليه.

مثال:

قال في بصائر الدرجات: حدَّثَنَا أحمد بن مُحَمَّد بن الحُسَين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبَان بن عثمان، عن عبد الواحد، قال: قال أبو جعفرٍ (عليه السلام): “لو كان لألسِنَتِكُم أوكِيَةٌ لحدث كُلُّ امرئ بِمَا له”[6].

قد يستبدل (الناقل) لفظة (أوكيَة) بأقفال أو حبال. وقد (ينقل) المعنى بما يوافق قراءة (لحدث) على أنَّه هو الفاعل، وربَّما نقله بما يوافق أن يكون هو في الجملةِ نائبًا للفاعل!

في مثل هذه الأحوال يختلف المعنى المقصود للإمام (عليه السلام)، كما وتتغير لوازمه، في حين لو كان النقلُ لِلفْظِ لَحَكَمَ وأحْكَمَ الاحتمالات والتأمُّلات.

الثاني: موافقةُ صفة التسليم لمن لا يخاطر بتوجيهٍ أو فرضِ فَهمٍ خاصٍّ أو ما شابه، ويصدق ذلك على من ينقل ما سمعه لفظًا.

  • في كنز الفوائد، عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، قال:

“نَصَرَ اللهُ امرءًا سَمعَ مِنَّا حَديثًا فَأدَّاهُ كَمَا سَمع؛ فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أوعى مِنْ سَامِعٍ”[7].

الطائفة الثانية: التأكيد على الكتابة والإسناد:

يحثُّ الأئمةُ (عليهم السلام) على الإسناد والكتابة، وما يُقرِّبُ من القول باعتبار النقل اللفظي؛ لظهورهما فيه. نعم، قد يُكتَبُ المعنى وكذا يُسنَدُ، إلَّا أنَّ الظهور لإرادة إسناد المقول لفظًا وكتابته؛ لدفع احتجاج المُسند إليه فيما لو قال: لم أقل، وهو أصل (لم أقصد). فتأمَّل.

  • في الكافي، قال: علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن أحمد بن مُحَمَّد بن خالد، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال أميرُ المؤمنين (عليه السلام)

“إذا حَدَّثتُم بحديثٍ فأسْنِدُوه إلى الذي حَدَّثَكُم؛ فإنْ كانَ حَقًّا فلكم، وإنْ كانَ كذبًا فَعَليه”[8].

إذا كان (النقل) عن المعصوم (عليه السلام)، فهو حقٌّ بلا كلام، وإنَّما يُتصوَّر الفهم الخاطئ عند النقل بالمعنى، فإذ حقَّقنا المناط يكون الأمر بالإسناد وجابًا سواء كان المنقول عنه أحد المعصومين (عليهم السلام) أو من (ينقل) عنهم، أو غير ذلك؛ ولا تغفل عن عدم تصور الكذب في نفس اللفظ، وإنَّما يُتصور فيه بالإضافة إلى كونه قد قِيل أو لا، ويُتصوَّر في المعنى من جهة قصده للمنقول عنه أو لا.

أمَّا الثاني فيُضبط ويُحدُّ بالنقل اللفظي، والأوَّل واضح. فيكون الأمر بالإسناد (فأسندوه) مطلوبٌ على كلِّ حال.

  • في الكافي، قال: علي بن مُحَمَّد بن عبد الله، عن أحمد بن مُحَمَّد، عن أبي أيوب المدنِّي، عن ابن أبي عُمَير، عن حُسين الأحمسيِّ، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:

“القلبُ يَتَّكِلُ على الكِتًابَةِ”[9].

لا شكَّ في أنَّ الاتِّكال ليس للفهم ابتداءً، وإنَّما للحفظ، وإذا حفظ ثبتت عنده المادَّة مكتوبةً وفي قلبه، ومع ما تقدَّم تتأكَّد أهمية النقل اللفظي.

فائِدَةٌ:

راجتْ في زماننا رواجًا فاحشًا وسائلُ الطباعة (الإلكترونية) عوضًا عن الكتابة، فانزوى القلمُ وانْحَسَرَ التَحْبيرُ في زوايا الذكريات، وعند الناس هو من علامات التقدُّم وأمارات التحضُّر والرُقِي!

هذا في الواقع، وفي حقيقته، غَلَطٌ جَسيمٌ وفَسَادٌ عظيمٌ؛ ألا ترى أنَّ (الكتابةَ) نقشٌ لرسم الحرف تفعلها أصابع اليد بأمر من الذهن يمُرُّ عبر أعصاب خلقها الله تعالى في الإنسان تثبيتًا ومخرجًا للعلم والفهم؟! فإنَّ الكتابة الذهنية أوَّلًا، والخطِّية ثانيًة لحرف (التاء) -مثلًا- ليست هي لحرف (الفاء)، والاختلاف علميٌّ معرفيٌّ يُؤثِّرُ في التصور ومخرجات التصديق، وهذا من أوجه تفسير اتِّكال القلب على الكتابة.

أمَّا في الطباعة، فالمتصور شيءٌ والمُخرَجٌ شيءٌ آخر، وذلك أنَّ الذهن يتصور (الجيم) -مثلًا-، وفي الطباعة لا فرق بينها وبين سائر الحروف والأرقام والرموز، وكلِّ ما يوجد على لوحة المفاتيح!

إنَّ لهذا البتر من الإفساد العلمي والمعرفي ما يفوق تصورات الكثيرين منَّا؛ فمِمَّا نعانيه اليوم تحقٌّقات واضحة لتركُّب الجهل، لأسباب، منها إقصاء الوسائل الدلالية الطبيعية مثل الكتابة والاتصال المباشر عن ساحة العلم واستبدالها بما هو أدون بكثير.

نعم، هناك واقع مفروض، ولا يمكن الانقطاع عنه بحال، إلَّا أنَّ المحافظة على الوسائل الطبيعية التكوينية للعلم والمعرفة ضرورة قبل أو بعد استعمال الوسائل المصطنعة، وهذا ليس في الكتابة والقراءة فقط، بل في مختلف جوانب الحياة، فتنبَّه جيِّدًا يا رعاك الله.

  • في الكافي، قال: الحُسَين بن مُحَمَّد، عن مُعَلَّى بن مُحَمَّد، عن الحَسن بن علي الوشَّاء، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

“اكتُبوا؛ فإنَّكم لا تَحْفَظُونَ حَتَّى تَكتُبوا”[10].

إضافة لما مرَّ يُلمِّحُ الإمامُ (عليه السلام) هنا إلى أهمية الحفظ، ولا شكَّ في أنَّ صِدقَ الحفظ على اللفظ لا المعنى.

الطائفة الثالثة: ظاهرها جواز النقل بالمعنى:

يمكننا تقسيم هذه الطائفة إلى طائفتين، الأولى كان فيها الإمام (عليه السلام) في مقام المُستأذن في الرواية عنه بالمعنى، والثانية يظهر منها الابتداء.

  • في الكافي، قال: مُحَمَّد بن يحيى، عن مُحَمَّد بن الحُسَين، عن ابن أبي عُمَير، عن ابن أُذَينة، عن مُحَمَّد بن مُسلِم، قال:

“قُلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): أسْمَعُ الحديثَ مِنْكَ فأزيدُ وأُنْقِصُ؟

قال (عليه السلام): إنْ كُنْتَ تُرِيدُ مَعَانِيهِ فَلا بِأسَ”[11].

احتمالات:

الأوَّل: لا يبعد أنْ يكونَ محمَّدُ بن مسلم قاصِدًا للزيادة والإنقاص لدواعي الشرح والبيان والتطبيق، فجاء مستأذِنًا في ذلك.

الثاني: أن يكون الإنقاص والزيادة لعارض النسيان، وجاء مستأذنًا لعدم معهودية الرواية بالمعنى، بل ولشعوره بخطرها، فاجازه الإمام (عليه السلام) مع إحراز إرادة المعنى المقصود له (عليه السلام)، وهذا الاحتمال يؤيده الحديث التالي.

  • في الكافي، قال: – وعنه (أي: مُحَمَّد بن يحيى)، عن مُحَمَّد بن الحُسَين، عن ابن سِنَان، عن داود بن فَرْقَد، قال:

“قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): إنِّي أسْمَعُ الكلامَ مِنْكَ فأُريدُ أنْ أرويَهُ كما سَمعتُهُ مِنْكَ فلا يَجِيئُ!

قال (عليه السلام): فَتَعَمَّد ذلك؟

قلتُ: لا.

فقال (عليه السلام): تُريدُ المَعَانِي؟

قلتُ: نعم.

قال (عليه السلام): فَلا بَأسَ”[12].

ينبغي التنبه إلى انَّ الإذن في الرواية بالمعنى جاء لنسيانٍ عَرَضَ على الحفظ، لا أنَّ الراوي لا يعتني بالحفظ أصلًا، ويدلُّ على ذلك قوله “فأُريدُ أنْ أرويَهُ كما سَمعتُهُ مِنْكَ فلا يَجِيئُ”، ولا يخفى ظهورها في اللفظ، فالراوي محرزًا للمعنى وحافظًا للفظ، إلَّا أنَّ عارضًا من النسيان عَرَضَ عليه، فبادر بالسؤال عن مسؤوليته تجاه حديثهم (عليهم السلام) في مثل هذه الموارد.

كما وأنَّ قوله “فأُريدُ أنْ أرويَهُ كما سَمعتُهُ” يُساعِد على ما نُرَجِّحه في أحاديث الطائفة الأولى، لورود كلمة (السمع) هناك، فتتأكَّد إرادة النقل اللفظي.

  • في وسائل الشيعة، قال: علي بن موسى بن جعفر بن طاووس في كتاب (الإجازات)، قال: مِمَّا رويتُه بأسْنَادِنَا إلى أبي جعفر مُحَمَّد بن علي بن بابويه في كتابه الذي سَمَّاه (مدينة العلم) عن أبيه، عن مُحَمَّد بن الحسن، عن أحمد بن مُحَمَّد بن الحسن، وعَلَّان، عن خَلف بن حَمَّاد، عن ابن المختار أو غيرِه، رَفَعَه، قال:

“قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): أسْمَعُ الحديثَ مِنكَ فَلَعَلِّي لا أرويه كما سمعتُه!

فقال (عليه السلام): إذا أصَبْتَ الصُلْبَ مِنْهُ فَلا بَأسَ؛ إنَّمَا هُوَ بِمَنزِلَةِ: تَعَالَ، وهَلُمَ، واقعُدْ، واجلسْ”[13].

قد يُفهمُ من هذه الرواية سهولة النقل عنهم (عليهم السلام) بالمعنى؛ لكون الدال اللفظي مجموعة من المترادفات مثل: تعالَ وهلُمَّ، واقعُدْ واجلسْ..! غير أنَّ هذا ليس بسديد؛ فإنَّما يُقال: هو بمنزلة “تعال وهلُمَّ، واقعُدْ واجلسْ” لمن أصاب (الصُلب)، وحينها لن يستعمل (تعالَ) في موضع نداء من هو في الأسفل لمن هو في الأعلى، إلَّا إذا أحرز عدم إرادة حيثياتها للمتحدِّث، فقد قيل في أصل (تعالَ) أنَّ الرجُلَ العالي كان ينادي السافل فيقول: تعالَ. ثُمَّ كَثُرَ في كلامِهِم حَتَّى اسْتُعمِلَ بِمعنَى هَلُمَّ مُطْلقًا.

المدار إذًا على إصابة (الصُلب) فلا يُخاف عندها من استعمال لفظ قد يُخِلُّ بالمعنى، وهذا ما يُؤيِّدُه الحديثُ التالي.

  • في كتاب السرائر، قال: عن بعض أصحابِنا، يَرْفَعُه إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:

“إذا أصَبْتَ مَعنَى حَديثِنَا فأعرِبْ عَنهُ بِمَا شِئتَ”[14].

الإعراب هو الإبانة، وهي ممنوعة لمحلِّ الشرط على غير من أصاب المعنى. وبذلك اتضح محلُّ: “إنَّمَا هُوَ بِمَنزِلَةِ: تَعَالَ، وهَلُمَ، واقعُدْ، واجلسْ”.

قانون فهم الحديث:

وضَّحَ الأئمَّةُ (عليهم السلام) طريق الفقاهة الحقَّة مُحدَّدًا في الإحاطة بحديثهم الشريف، والوقوف على عموماته ومطلقاته، وما عرض من مقيدات ومخصصات، وفهم موارد التقية وما نحوها، والتثبت من مقاصدهم ومراداتهم. فلا يُتوهم أنَّ النقل بالمعنى سهلٌ، بل هو عند الاضطرار إليه ومع تحقُّق شرطه (إصابة الصلب) يكون من علامات الفقيه.

  • في معاني الأخبار، قال: حَدَّثَنَا أبي، ومُحَمَّدُ بن الحَسَن بن أحمد بن الوليد (رضي اللهُ عنهُمَا)، قالا: حَدَّثَنَا سعدُ بن عبد الله، وعبدُ الله بن جعفر الحميَري، وأحمدُ بن إدريس، ومُحَمَّدُ بن يحيى العَطَّار (رحمهم الله)، قالوا: حَدَّثَنَا أحمدُ بن مُحَمَّد بن خالد، قال: حَدَّثَنَا عليُّ بن حَسَّان الواسطي، عَمَّن ذكره، عن داود بن فرقد، قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

“أنتُم أفْقَهُ النَاسِ إذا عَرفتُم معاني كلامِنَا؛ إنَّ الكلمَةَ لتَنْصَرِفُ على وجُوهٍ، فَلو شَاءَ إنْسَانٌ لَصَرَفَ كَلَامَه كَيفَ شَاءَ ولا يكذِب”[15].

تتمُّ معرفة معاني كلامهم (عليهم السلام) بعرضه على بعضه البعض، والخروج بوحدات واضحة، وقد مهد إلى ذلك شيخنا الحرُّ العاملي (علا برهانه) في كتابه النفيس (الفصول المهمَّة في أصول الأئمة عليهم السلام)؛ إذ جمع فيه الكليات بما وسِعَهُ نَظَرُ البحثِ.

إنَّ التوسعَ في المعاني المحتملة دون تحديدها بِنَفسِ أحاديثهم (عليهم السلام) كاشفٌ عن حاجة الباحث إلى مزيد اطلاعٍ وإحاطةٍ بما ورد عنهم (عليهم السلام)؛ إذ أنَّ مِن معاني كلامهم نقف على الإطلاقات بما يبين لنا منظومتهم الفكرية وتوجيهاتها، وهذا غير ممكن ما لم يُنقلُ لفظ الحديث؛ فالحاجة -مثلًا- إلى الإحاطة بإطلاقات كلمة (العقل) في كلامهم، لنحدِّد انصرافاتها في كلِّ حديث من أحاديثهم (عليهم السلام).

عندما يكون العالِمُ أو الراوي أو المُحدِّثُ مُحيطًا بكلامهم (عليهم السلام) بهذا المستوى كحدٍّ أدنى، فقد يكون من المشمولين مع أمثال محمَّد بن مسلم في الإذن ببيان المعاني.

  • وفي معاني الأخبار، قال: حَدَّثَنَا جعفرُ بن مُحَمَّد بن مَسرُور (رضي الله عنه)، قال: حَدَّثَنَا الحُسَينُ بن مُحَمَّد بن عَامر، عن عَمِّهِ عبد الله بن عامر، عن مُحَمَّد بن أبي عُمَير، عن إبراهيم الكَرْخِي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال:

“حَديثٌ تَدريه خَيرٌ مِن ألف حَديثٍ تَرويه، ولا يَكُونُ الرَجُلُ مِنْكُم فَقيهًا حَتَّى يَعرفَ مَعَاريضَ كَلَامِنَا. وإنَّ الكلمَةَ مِنْ كَلامِنَا لَتَنْصَرِفُ على سَبعينَ وجْهًا لنَا مِنْ جَميعِهَا المخْرَجُ”[16].

إنَّ دراية حديثٍ تتوقَّف على دراية أحاديث، وبالتالي لن تكون درايةُ حَديثٍ إلَّا ممَّن هو على طريق الفقاهة والعلم بمعرفة معاريض وإطلاقات كلامهم (عليهم السلام).

أمَّا معاريض الكلام فمن المباحث المحورية الدقيقة، مُعْتَمَدُهُ قوَّة الاستعدادات الذهنية عند الناظر في حديثهم (عليهم السلام)؛ إذ أنَّه يُعنى بالوقوف على وجوه الكلام وظروفه وغاياته، وقد قال في بصائر الدرجات: حَدَّثَنَا عبدُ الله، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن ابن سنان، عن عليِّ بن أبي حمزة، قال:

“دخلتُ أنا وأبو بصير على أبى عبد الله (عليه السلام)، فَبَينَا نحن قُعُودٌ إذ تَكَلَّمَ أبو عبد الله (عليه السلام) بِحَرْفٍ، فقلتُ أنا في نفسي: هذا مما أحْمِلُهُ إلى الشيعة؛ هذا واللهِ حَديثٌ لم أسمع مِثْلَهُ قَطُّ! قال: فنظر في وجهي ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): إنِّي لأتَكَلَّم بالحرف الواحِدِ لي فِيهِ سبعون وجهًا، إنْ شِئتَ أخذتَ كَذا وإنْ شِئْتَ أخذتَ كَذَا”[17].

يحيط الفقيه بحديثهم (عليهم السلام) ويفهم سيرتهم المباركة وما واجهوا من تضييق ومطاردات وترهيب، فيقف على موارد التقية والتورية، ما يُمَكِّنُهُ مِنَ الوعي بشيءٍ من المعاني الواقعة في غير محلِّ اللفظ، وبذلك يكون من أهل البيان والرواية بالمعنى.

  • في إثبات الوصيَّة، قال: روى الكلابي عن أبي الحُسَين بن علي بن بلال، وأبو يحيى النعماني، قالا: وَرَدَ كِتَابٌ مِنْ أبي مُحَمَّدٍ (يقصد الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام) ونحنُ حُضُورٌ عِندَ أبي طَاهر من بِلَال، فَنَظَرْنَا فِيهِ، فَقَالَ النُعْمَاني:

“فيه لحْنٌ، أو يكون النحو باطِلًا، -وكان هذا بِسرِّ من رأى-. فنحنُ في ذلك إذ جَاءَنَا تَوقيعُهُ (عليه السلام): ما بال قومٍ يُلحنُونَنَا؟! وإنَّ الكلمَةَ نَتَكَلَّمُ بِهَا تَنْصَرفُ على سبعينَ وجهًا، فيها كُلّها المخرجُ منها والمحجَّة”.

ربَّما ردَّ بعضٌ حديثًا مُسنَدًا إليهم (عليهم السلام) لأنَّه لم يجد فيه القوَّة البيانية أو اللغوية التي تناسب رُؤيته هو للإمام المعصوم (عليه السلام)، بل قد يُشكِلُ على النص بإشكال نحوي أو ما شابه، وقد غفل عن أنَّ الإمام (عليه السلام) قد يُخالِفُ ما يُنتَظرُ منه لغايات أهم، ولا يبعد أن يكون ما توهمه النعماني لحنًا هو مِن تلك الموارد.

وجَّه قومٌ مثلَ هذه الإشكالات إلى الكتاب العزيز، فقالوا مثلًا:

هناك خطأ في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)[18]، إذ أنَّ (الصَّابِؤونَ) جاءت مرفوعة، والصحيح أن تكون منصوبة لكونها معطوفة على اسم إنَّ، كما في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)[19]!

الجواب: ذكر النحاةُ في توضيح ذلك وجوهًا، نكتفي منها بواحدٍ، وهو: (وَالصَّابِؤُونَ) مبتدأ، وخبرُه محذوفٌ، والتقديرُ: إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا.. كُلُّهم كذا، والصابئون كذلك، والجملةُ الاسميةُ معطوفةٌ على جُملَةِ (إنَّ الذين آمنوا) الاستئنافية.

لو لا وجود نظائر لهذا في لغة العرب، ولو لا وقوف النحاة على تلك النظائر لصعب عليهم ردُّ الإشكال.

قال الشاعِرُ:

فمن يَكُ أمْسَى بالمدينة رحلُه .. فإنِّي وَقَيَّارٌ بها لغريب

وموطن الشاهد قوله “قيار”، وهو اسمٌ لِمركُوبِه؛ فقد جاءت هذه الكلمة مرفوعة على أنها مبتدأ، ولم تجئ منصوبةً على أنها معطوفة على اسم إنَّ المنصوب، وهو ياء المتكلم في قوله (فإنِّي).

إنَّ هذه الإحاطة مكَّنتْ النحوي من فهمِ وجوه رفع (الصَّابِؤُونَ)، وبالتالي فهم دقائق التفسير وأنحاء انصراف الكلمة، وهكذا الفقيه عندما يحيط بكلامهم (عليهم السلام)، وحينها يكون مأمونًا لو بيَّن أو ذكر معاني أحاديثهم (عليهم السلام).

  • في الكافي، قال: عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن مُحَمَّد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيوب الخزَّاز، عن مُحَمَّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

“قلتُ له: ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لا يُتَّهَمُونَ بالكذب، فيجيئ مِنْكم خِلافُه؟

قال (عليه السلام): إنَّ الحديثَ يُنْسَخُ كما يُنْسَخُ القُرآنُ”[20].

لا شكَّ في أنَّ معرفة الناسخ والمنسوخ متوقفة على دراسة فقه الحديث الشريف ومسار التشريع من جهة تقدم وتأخر الأحكام، وهذا يحتاج إلى معرفة بالظروف التاريخية وما فرضته بعض الأحداث والوقائع ما أثر في إطلاق حكم وتأخير تقييده -مثلًا-.

يكفي في هذا المقام الإشارة إلى تحفظ الإمام الكاظم (عليه السلام) عن الدعوة إلى نفسه بعد استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام).

عن أبي بصير، قال موسى بن جعفر (عليه السلام):

“فيما أوصاني به أبي أنْ قال: يا بُنَي، إذا انا مِتُّ فلا يغسِّلني أحَدٌ غيرك؛ فإنَّ الإمامَ لا يُغسِّله إلَّا إمام. واعلم أنَّ عبدَ الله أخاك سيدعو الناس إلى نفسه، فَدَعه؛ فإنَّ عمره قصير، فَلمَّا مَضَى غَسَّلتُه كما أمَرَني، وادَّعَى عبدُ اللهِ الإمَامَةَ مَكَانَهُ، فكان كما قال أبي، وما لبِثَ عبدُ الله يسيرًا حتَّى مَاتَ”[21].

إنَّ هذه الفترة، ويقدرها بعض المؤرخين بمثانية أشهر، فترت فيها بيانات المعصوم (عليه السلام)، خصوصًا وأنَّ “أكثرية ساحقةً من الشيعة الإمامية اختارت من بين أولاد الإمام (الصادق عليه السلام) ولده الأكبر ورضيت به إمامًا”[22].

لا يخفى ما للملاكات من محورية أصيلة في تقديم وتأخير الخطاب بحسب ما يقتضيه الواقع القائم فعلًا، وهو ممَّا تتحتَّم معرفتُه على الناظر في حديثهم (عليهم السلام)، وإلَّا لضاعت من بين يديه علامات الناسخ والمنسوخ، وما نحو ذلك.

  • في الكافي، قال: أحمد بن إدريس، عن مُحَمَّد بن عبد الجبَّار، عن الحسن بن عليٍّ، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:

“سألتُه عن مسألة فأجَابني، ثُمَّ جاءه رَجُلٌ فَسَأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني! ثُمَّ جاء رجلٌ آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فَلمَّا خَرَجَ الرجُلانِ قُلتُ: يا ابن رسول الله، رجُلانِ من أهل العراق من شيعتكم قَدِمَا يسألانِ فأجبتَ كُلَّ واحِدٍ مِنْهُمَا بغير ما أجَبْتَ بِهِ صَاحِبَهُ؟

فقال (عليه السلام): يا زرارة، إنَّ هذا خيرٌ لنا وأبقى لنا ولكم، ولو اجتَمَعْتُم على أمرٍ واحِدٍ لصَدقكم الناسُ علينا، ولكَانَ أقلَّ لِبَقَائِنَا وبَقَائِكُم”[23].

وفي الكافي قال: مُحَمَّد بن يحيى، عن أحمد بن مُحَمَّد بن عيسى، عن مُحَمَّد بن سنان، عن نصر الخثعمي، قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

“من عَرفَ أنَّا لا نقولُ إلَّا حَقًّا فليَكْتَفِ بِمَا يعلمُ مِنَّا. فإنْ سَمِعَ مِنَّا خِلَافَ ما يَعْلَم فَليَعلَم أنَّ ذلك دِفَاعٌ مِنَّا عَنْهُ”[24].

يقعُ الباحِثُ في اضطراب وشكٍّ ما لم يكن محيطًا بما مرَّت الإشارة إليه، وإلَّا ففقيه عالم مثل زرارة قد يقع في المحذور لو لا سؤاله للإمام (عليه السلام). فتأمَّل جيِّدًا..

  • قال في مختصر بصائر الدرجات: حَدَّثَنَا أحمدُ بن مُحَمَّد بن عيسى، عن الحُسَين بن سعيد ومُحَمَّد بن خالد البرقي، عن عبد الله بن جندب، عن سفيان بن السمط، قال:

“قُلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعلتُ فداك، يأتينا الرجل مِنْ قِبَلِكُم يُعْرَفُ بالكذبِ، فَيُحَدِّثُ بالحديث فَنَسْتَبْشِعُهُ!

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يَقُولُ لَكَ إنِّى قلتُ الليلَ أنَّه نَهَارٌ والنَهارَ أنَّه ليلٌ؟

قلتُ: لا.

قال: فإن قال لك هذا إنِّي قُلتُهُ فلا تُكَذب بِهِ؛ فإنَّك إنَّما تُكَذبُني!”

  • وقال فيه: حَدَّثَني عليُّ بن إسماعيل بن عيسى، ومُحَمَّدُ بن الحسين بن أبي الخَطَّاب، ومُحَمَّدُ بن عيسى بن عبيد، عن مُحَمَّدِ بن عمرو، عن سعيد الزيَّات، عن عبد الله بن جندُب، عن سفيان بن السمط، قال:

“قُلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): إنَّ الرجُلَ يأتينا من قِبَلِكُم فَيُخبِرنا عَنْكَ بالعظيم مِنَ الأمرِ، فَتَضيقُ لِذَلِكَ صُدُورُنَا حَتَّى نُكَذِّبَه!

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أليس عَنِّي يُحَدِّثُكُم؟!

قُلتُ: بَلَى.

فقال (عليه السلام): فَيَقُوُل لليلِ أنَّه نَهَارٌ والنَهَارِ أنَّه ليلُ؟!

فقلتُ: لا.

قال (عليه السلام): فَرُدُّوُهُ إلينَا؛ فإنَّكَ إذا كَذَّبْتَهُ فإنَّمَا تُكَذِّبُنَا”.

  • وقال فيه: أحمد بن مُحَمَّد بن عيسى، ومُحَمَّد بن الحسين بن أبي الخَطَّاب، عن مُحَمَّد بن إسماعيل بن بزيع، عن عَمِّه حمزة بن بزيع، عن علي بن سويد السائبي، عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) أنَّه كَتَبَ إليه في رِسَالَتِهِ:

“ولا تَقُلْ لِمَا يَبلغُكَ عنَّا أو يُنْسَبُ الينَا: هذا بَاطِلٌ وإنْ كُنْتَ تَعرِف خَلِافَهُ؛ فإنَّك لا تَدْرِي لِمَ قُلنَاه وعلى أيِّ وَجْهٍ وَضَعْنَاه”[25].

أمَّا استبشاع مضمون الحديث والاستيحاش والانقباض منه، فهذا غير مُبَرَّر على الإطلاق ممَّن لم يسبر أغوار حديثهم (عليهم السلام) وتكون له فيها صولات وجولات من البحث والعرض، لذا، فما أستقربه أنَّ النهي عن التكذيب إنَّما هو للعالم الفقيه صاحب المعرفة والدراية بنصوص الثقلين المُقدَّسين. أمَّا من هو دونه، فالميدان ليس ميدانه أصلًا. وقد تقدَّم أنَّ اللفظ من المعصوم (عليه السلام) مُحَدِّدٌ للاحتمالات ووجوه الانصراف.

يَتَحَصَّلُ مِمَّا تقدَّم:

  • الأصل المُسلَّم هو الرواية باللفظ، أمَّا المعنى فعلى وجهين:

الأوَّل: البيان والتوضيح.

الثاني: استعمال المرادف.

  • يُؤذن للفقيه العالِم بحديثهم ومعاريض كلامهم دون غيره في الرواية بالمعنى في موارد خاصَّة.
  • قد تُؤدِّي الرواية بالمعنى من غير الفقيه العالم إلى قطع الطريق أمام العلم والمعرفة بقطع وجوه التفريع المقصودة للإمام المعصوم (عليه السلام).

شكر وعرفان بالفضل:

الشكر الجزيل للأصحاب السماحة: العلَّامة الشيخ محمود العالي؛ لما أثاره في ذهني من تساؤلات حول موضوع البحث، وأرجو أن أكون قد وفقت في إرجاع إجاباته الرصينة إلى مداركها. والعلَّامة الشيخ صالح الجمري؛ فقد كانت لمداخلاته أهمية بالغة عندما ناقشنا ورقة الشيخ العالين وقد وجَّهت نظري إلى حيث ينبغي. والشيخ طلال الجمري، والشيخ علي زيد، والشيخ علي الكوفي، والإخوة في حوزة خاتم الأنبياء (صلَّى الله عليه وآله) العلمية؛ فقد كان للفتاتهم دورٌ مُهِمٌّ في منهجية تناولي لمسألة البحث.

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وآله الطيبين الطاهرين.

 

السيد محمَّد بن السيد علي العلوي

23 من شهر رمضان المبارك 1441 للهجرة

البحرين المحروسة

………………………………………………………….

[1] – بحار الأنوار، العلَّامة المجلسي، ج2 ص164

[2] – الآية 18 من سورة الزمر

[3] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 51

[4] – الاختصاص – الشيخ المفيد – ص 5

[5] – مقاييس اللغة، ابن فارس، مادَّة (أدي)

[6] – بصائر الدرجات – محمد بن الحسن الصفار – ص 443

[7] – كنز الفوائد – أبو الفتح الكراجكي – ص 194 (فصل: من عيون الحكم ونكت من جواهر الكلام من كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله)

[8] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 52

[9] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 52

[10] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 52

[11] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 51

[12] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 51

[13] – وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي – ج 27 – ص 105

[14] – كتاب السرائر، ابن إدريس الحلِّي، ج3 ص610، (المستطرفات من كتاب: أبي عبد الله السيَّاري)

[15] – معاني الأخبار – الشيخ الصدوق – ص 1

[16] – معاني الأخبار – الشيخ الصدوق – ص 2

[17] – بصائر الدرجات – محمد بن الحسن الصفار – ص 349

[18] – الآية 69 من سورة المائدة

[19] – الآية 62 من سورة البقرة

[20] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 64 – 65

[21] – مناقب آل أبي طالب – ابن شهر آشوب – ج 3 – ص 351

[22] – تطور المباني الفكرية للتشيع في القرون الثلاثة الأولى، الدكتور حسين المرِّسي الطباطبائي، ص74

[23] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 65

[24] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 65 – 66

[25] – مختصر بصائر الدرجات – الحسن بن سليمان الحلي – ص 76 – 77

مقالات مشابهة

1 تعليق

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.