تقرير وتوضيح باب المفاهيم من كتاب أصول المظفر (2) II بقلم سماحة الشَّيخ طلال بن عبد الحميد الجمري

بواسطة Admin
0 تعليق

 باب المفاهيم -2-

مفهوم الشرط -1-

تحرير محل النزاع

 

تقرير وشرح باب المفاهيم من كتاب أصول المظفر

لدرس سماحة الأستاذ السيد محمد العلوي

 

إعداد أبو يقين طلال الجمري

 

 

الأول- مفهوم الشرط

تحرير محل النزاع:

في الجملة الشرطية أمران رئيسيان: الأوَّل هو: شرط الحكم، والثاني هو: موضوع الحكم. وتأتي الشرطية بلسان يبين أحدهما، أي بلسان يبين شرط الحكم أو بلسان يبين موضوع الحكم، وهي المسماة بالقضية الشرطية المسوقة لبيان موضوع الحكم.

فنقول: ما هي دائرة البحث في مفهوم الشرط؟ هل هي شاملة للنحوين أو لأحدهما دون الآخر؟

منشأ التساؤل: في خصوص الجملة الشرطية المسوقة لبيان الموضوع يستحيل، استحالةً تكوينيةً عقليةً، تحقُّقُ الجزاء بدون الشرط.

توضيح:

فلنلاحظ الفرق بين قولنا: (إن رُزِقتَ ولدًا فاذبح شاةً)، وقولنا: (إن رُزِقتَ ولدًا فاختنه).

في الأولى يمكن أن تُذبح الشاة، حتَّى لو لم يُرزَق بولد. أمَّا الثانية فيستحيل الختان ما لم يُرزق بولد.

إذا أمكن وقوع الجزاء دون تحقُّق الشرط قلنا بأنَّ الشرطية هنا مسوقة لبيان الشرط. فيما لو استحال وقوع الجزاء بدون تحقُّق الشرط كانت الشرطية مسوقة لبيان الموضوع.

بعبارة أخرى نقول: مناط تقسيم الشرطية إلى شرطية مسوقة لبيان الشرط وأخرى مسوقة لبيان الموضوع هو: العلاقة بين الجزاء والشرط من جهة الإمكان العقلي للتفكيك أو عدم التفكيك بينهما. وقد اتضح أنَّه مع إمكان التفكيك تكون الشرطية مسوقة لبيان الشرط، ومع عدمه تكون مسوقة لبيان الموضوع.

ثم إنَّ استحالة تحقق الجزاء بدون الشرط على نحوين:

الأولى: عقلية، كما في مثال: إن رُزِقتَ ولدًا فاختنه. وكذا: إن أمرك أبوك فأطعه. وإن كان عندك زوجة فأحسن إليها.

الثانية: عرفية. كما لو قال: إن جاء زيد من السفر فعانقه. لا شكَّ في إمكان معانقة المأمور لزيد بالسفر إليه مثلًا، لا انتظاره إلى يأتي هو من السفر، إلَّا أنَّ العُرْفَ يرى استحالة معانقة المأمور لزيد إلَّا بمجيئه من السفر، ولهذه النظرة العرفية صحَّ أن نقول عن هذه الشرطية بأنَّها مسوقة لبيان تحقُّق الموضوع.

أقول: الوجه في ذلك: إن لتعليق الأمر بالمعانقة على (المجيئ من السفر)، لا (زيد مجرَّدًا)، ولا (مجيئه مجرَّدًا)، ولا (السفر المجرَّد عن المجيئ)، وبذلك تكون هذه الشريطة في قوَّة المسوقة عقلًا لبيان تحقُّق الموضوع.

اتضح بذلك أنَّ (الجملة الشرطية المسوقة لبيان الموضوع) تعني المساواة المطلقة بين الجزاء وبين الموضوع وجودًا وعدمًا، فيستحيل الجزاء إمكانًا ووقوعًا ما لم يوجد الموضوع، وبالتالي فإنَّ إمكان أو وقع الجزاء كاشف حتمًا عن تحقُّق الموضوع.

هل تدل هذه القضية (أي: الشرطية المسوقة لبيان الموضوع) على المفهوم أو لا تدل على المفهوم؟

والجواب هو أنَّ الأصوليين أجمعوا على أنَّ هذه القضية لا دلالة لها على المفهوم؛ وذلك للتالي:

المفهوم مدلول التزامي للمنطوق، أي: المنطوق ملزوم، والمفهوم لازم. أمَّا جهة اللزوم فهي خصوصية يدل عليها المنطوق وتكون هي الملزوم للمفهوم، والمفهوم لازم لها.

بناء على ذلك فإنَّ ثبوت المفهوم مُعلَّق على بقاء ما يثبت إليه من المنطوق.

بأدنى تأمُّل نقف على أنَّ مفهوم الشرطية المسوقة لبيان الموضوع قضيةٌ سالبة بانتفاء موضوعها.

قالوا: كون المفهوم قضية سالبة بانتفاء الموضوع لا ينفي ثبوته، وإنَّما نقول بعدم قصد المتكلِّم له. ونحن هنا نبحث ثبوت أو عدم ثبوت المفهوم.

في الجمل غير الشرطية المسوقة لبيان الموضوع لا يكون المتحدث ملتفتًا إلى المفهوم، ولذلك عندما نقول مثلاً: (اذا أتاك زيد فتصدق عليه) لا يُعلم أن المتكلم يقصد إفادة المفهوم؛ أي: (اذا لم يأتك فلا تتصدق عليه) بل يمكن الاطمئنان غالبًا بأنَّ المتكلم لم يلتفت تفصيلًا الى المفهوم فضلًا عن أن يلتفت إلى الإخبار به.

وبالتالي هذه الإشكالات المتوجهة إلى مذهب المشهور لا يمكن الالتزام بها فنحن نريد أن نقول المفهوم ثابت أو لا؟

تترتب ثمرة على القول بثبوت المفهوم للشرطية المسوقة لبيان الموضوع. مثل:

مِنْ أقسام هذه القضية ما لو كان الجزاء يستحيل تحققه‌ عرفًا بدون الشرط؛ مثل (إن جاء زيدٌ من السفر فصافحه) فهذه القضية مسوقة لبيان الموضوع كما تقدَّم؛ لأنَّ العرف يرى أنَّ الجزاء لا يحصل بدون الشرط.

وحينئذ فلو فرض اتِّفاقا أنَّ المكلَّف سافر الى زيد، فبناء على القول بأن القضية المسوقة لبيان الموضوع لا دلالة لها على المفهوم لم تدل هذه القضية على عدم وجوب المصافحة، وبالتالي قد يرد خطابٌ بوجوب مصافحته.

وأمَّا بناء على أنَّ القضية الشرطية المسوقة لبيان الموضوع دالة على المفهوم فيمكن أن يقال بأنَّ هذه القضية دالة على عدم وجوب المصافحة لأنَّ مفهومها (إن لم يأت زيد من السفر فلا يجب مصافحته)، وبالتالي لا يُنتظر خطابٌ آخر بوجوب المصافحة.

قالوا بعدم صحة هذه الثمرة؛ لأنَّ كون المتكلم في مقام البيان لم يكن في مقام بيان وجوب المصافحة حتى في حال السفر.

على مذهب الشيخ المظفر أن الخصوصية تستفاد من الإطلاق وذلك بدعوى عدم الإطلاق لعدم كون المتكلم في مقام البيان. ويأتي توضيح ذلك قريبًا إن شاء الله تعالى.

قواعد البحث:

أوَّلًا: إنَّ الحُكم تارة يكون كليًّا وهو الذي لوحظ على سعته غير مقيد بموضوع خاص. وتارة أخرى يكون حصة خاصة وهو الحكم المقيد في موضوع خاص.

ثانيًا: أنَّه لا ريب في أنَّ انتفاء الموضوع يستلزم انتفاء الحصة الخاصة من الحكم، وهي التي كانت موجودة في الموضوع وذلك لاستحالة وجود العرض في غير معروضه.

ثالثًا: إنَّ انتفاء الحصة الخاصة من الحكم عند انتفاء الشرط مثلًا لا تنفع شيئًا؛ لأن انتفاء الحصة الخاصة من الحكم لا يدل على انتفاء سائر حصص الحكم.

رابعًا: إنَّ الذي ينفع المشهور ويريدون إثباته هو انتفاء كلي الحكم عند انتفاء الشرط في القضية الشرطية أو عند انتفاء الوصف في القضية الوصفية.

يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى في مباحث الجُمَل بيان هذه القواعد وتوضيحها بما يكفل ترسخها في أذهان الطلبة.

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.