بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أشْرَفِ الأنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيبِينَ الطَّاهِرِينَ.
الكَشْفُ وَالإجْلَاء عَنْ حُكْمِ المَقَامِ فِي كَرْبَلَاء
يُرَاجِعُ المُؤمِنُونَ أنْفُسَهَم فِي فَتَرَاتٍ يَخْشَونَ فِيهَا أنْ يَكُونُوا قَدْ حَادُوُا شَيئًا مَا عَمَّا وَرَدَ عَنْ أئِمَّةِ الهُدَى (عَلَيهِمُ السَّلَام)، وَفِي الغَالِبِ لا تَكُونُ مُرَاجَعَاتُهُم مُنضَبِطَةً بِالمَوَازِينِ وَالقَواعِدِ العِلْمِيَّةِ مَا يُنْتِجُ مِنَ الأخْطَاءِ مَا يُثْقِلُ كَوَاهِلَ النَّاسِ وَيُرْبِكُ أفْكَارَهُم.
أُثِيرَ مُؤَخَّرًا حُكْمُ الإقَامَةِ فِي كَرْبَلاءَ وَتَحْدِيِد الجَوَازِ بِثَلَاثَةِ أيَّامٍ، وَقَدْ تَصَدَّى أحَدُ عُلَمَائِنَا مِنْ أهْلِ الفَضْلِ وَالوَزْنِ العِلْمِي لِمُنَاقَشَةِ دَعَوَى الكَرَاهَةِ مُنْتَهِيًا إلى نَفْيِهَا أوَّلًا وإثْبَاتِ الاسْتِحْبَابِ ثَانِيًا؛ مُرجِعًا إلى نُصُوصٍ شَرِيفَةٍ “تَحُثُّ عَلَى الإقَامَةِ فِي كَرْبَلَاءَ وَتُشَجِّعُ عَلَى طُولِ المَكْثِ فِيهَا”، كَمَا وَأرْجَعَ (أدَامَ اللهُ تَعَالَى نِعَمَهُ عَليهِ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) إلى كَونِ كَرْبَلَاءَ أرْضًا مُبَارَكَةً “وَالقُرْآنُ الكَريِمُ يَحُثُّ عَلَى أنْ يَأمَلَ الإنْسَانُ أنْ يَكُونَ فِي الأرْضِ المُبَارَكَةِ وَأنْ تَكُونَ مَنْزِلًا لَهُ”.
كُنْتُ مُنْذُ مُدَّةٍ قَدْ كَتَبْتُ فِي مَسْأَلَةِ الإقَامَةِ فِي كَرْبَلَاءَ وَلَمْ أكُنْ حِينَهَا أنْوي النَّشْرَ، فَضَمَمْتُ مَا كَتَبتُهُ إلى مَلَفِّ المَحْفُوظَاتِ، وَلَكِنَّ أجْوَاءَ التَّوَارُدِ الكَثِيفِ لِلأفْكَارِ والمَعلُومَاتِ أدَّى إلى إثَارَةِ هَذِهِ المَسألَةِ فَذَكْرتُهَا في بَعْضِ المُنَاسَبَات، وأشَارَ إلَيْهَا أحَدُ فُضَلَاءِ المِنْبَرِ (أعَزَّ اللهُ كَلِمَتَهم) مُبَيِّنًا القَولَ بِكَرَاهَةِ الإقَامَةِ فِي كَرْبَلَاءَ المُقَدَّسةِ لِأكْثَر مِنْ ثَلَاثَةِ أيَّام، وعَلَى إثْرِ ذَلِكَ تَلَقَّى صَاحِبُ السَّمَاحَةِ والفَضْلِ أسْئِلَةً مِنْ بَعْضِ المُؤمِنِينَ مَا بَعَثَهُ عَلَى الإجَابَةِ بِمَا ذَكَرْنَاه وَنَشْرِ جَوَابِهِ الكَرِيمِ عَلَى صَفَحَاتِ الشَّبَكَةِ المَعْلُومَاتِيَّةِ (Internet)، وَحَقًّا هَذَا مَا نَحتَاجُهُ؛ فَعَلَى العَالِمِ أنْ يُظْهِرَ عِلمَهُ لِهِدَايَةِ المُؤمِنِينَ وَحِفْظِهِم عَنْ الزَّيْغِ وَالانْحِرَاف، فَجَزَاهُ اللهُ تَعَالَى خَيرًا وَكُلَّ عَامِلٍ مَنْ عُلَمَائِنَا الأجِلَّاء.
تَواصَلتُ مَعَ الفَاضِلِ المُكَرَمِ مُسْتَأذِنًا إيَّاهُ فِي نَشْرِ مَا كُنْتُ قَدْ كَتَبْتُهُ فِي المَسْألَةِ مَحَلِّ الكَلَامِ وَلَكِنْ بَعْدَ انْقِضَاءِ زِيَارَةِ الأربعِيِنَ تَجَنُّبًا لأيِّ إرْبَاكٍ يَهْجُمُ عَلَى قَارِئٍ مِنَ الزوَّار الكِرَام (رَعَتْهُم عَيْنُ اللهِ تَعَالَى)، غَيرَ أنَّ جَوَابَ الفَاضِلِ المُكَرَّمِ انْتَشَرَ -وَلِلهِ الحَمْدِ- فِي مَسَاحَاتٍ وَاسِعَةٍ بَينَ المُؤمِنِينَ، وَعَلَى إثْرِ ذَلِكَ وَرَدَتْ بَعْضُ الأسْئِلَةِ وَالاسْتِفْهَامَات مَا فَتَحَ خِيَارَ مُرَاجَعَةِ مَا كَتَبْتُهُ تَمْهِيدًا لِنَشْرِه، فَتَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ تَعَالَى وَهُوَ سُبْحَانَه المَسْؤولُ عَنْ التوفِيقِ لِمَا فِيه رِضَاه جَلَّ فِي عُلَاه.
تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ:
إنَّ مَحلَّ البُحُوثِ العِلمِيَّةِ الإسْلَامِيَّةِ هُوَ مِضْمَارُ البَحثِ وَالتَّدَاوُلِ والمُنَاقَشَاتِ بَيْنَ العُلَمَاءِ وَطَلَبَةِ العِلْمِ، وَلَا دَخْلَ لَهَا فِي مَا عَلَيْهِ عُمُومِ المُؤمِنِينَ مِنْ أفْعَالٍ يَرجَعُونَ فِيهَا كُلٌّ إلى الفَقِيهِ الَّذِي يُقَلِّدُهُ عَمَلًا بِقَولِ الإمَامِ العَسْكَرِيِّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): “فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ اَلْفُقَهَاءِ صَائِنًا لِنَفْسِهِ، حَافِظًا لِدِينِهِ، مُخَالِفًا لِهَوَاهُ، مُطِيعًا لِأَمْرِ مَوْلاَهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ”[1].
فَلَا يَنْبَغِي لِمُؤمِنٍ أنْ يتَأثُّرَ ويَضْطَرِبَ لِبَحْثٍ هُنَا وَأطْرُوحَةٍ هُنَاكَ مَا دَامَ مُلْتَزِمًا بِمَا عَلَيْهِ صَاحِبُهُ مِنَ الفُقَهَاءِ؛ وإنَّمَا التَزَمْتُ التَّنْبِيهَ طَالِبًا السَّلَامَةَ لِلمُؤمِنِينَ مِنَ الوُقُوعِ فِي إرْبَاكٍ لَا مُوجِبَ لَهُ، وَهُوَ مَا وَقَعَ فِيِهِ كَثِيرُونَ بِسَبَبِ عَدَمِ تَفْرِيقِهِم بَينَ مَا يَقِفُونَ عَلَيْهِ مِنْ بُحُوثٍ ومَا فِي حُكْمِهَا (وَمَا يَتَشَبَّهُ بِهَا) وَبَين مَا يَنْبَغِي التِزَامُهُ مِنْ بَيَانَاتِ الفُقَهاءِ العُدُولِ (أعْلَا اللهُ تَعَالى كَلِمَتَهم أحْيَاءً وأمْوَاتًا). فَتَنَبَّهُوا وَافْهَمُوا رَعَاكُمُ اللهُ.
فَوَائِدُ:
فَائِدَةٌ فِي التَّعَدُّديَّةِ العِلمِيَّةِ:
مِنَ الأهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ وَعيُ المُؤمِنِينَ بِطَبِيعَةِ وُجُودِ مَسَالِكَ عِلمِيَّةٍ تَتَقَرَّرُ عِنْدَ البَاحِثِينَ وَالعُلَمَاءَ وَالمُفَكِّرِينَ بَعْدَ بَحثٍ وَتَحْقِيقٍ، والاخْتِلَافُ بَينَهَا لَيسَ مِن ذَاكَ المُخرِج عَنْ جَادَّةِ الحَقِّ مَا لَمْ يَكُنْ للأهْوَاءِ دَخْلٌ فِي البَينِ، فَالأفْهَامُ مُتَفَاوِتَةٌ وَمَا يَظْهَرُ لِبَاحِثٍ قَدْ لَا يَظْهَرُ لِغَيرِه. لِذا فَمِنَ الحِكْمَةِ فِعْلًا أنْ يَهنَأ المُؤمِنُ بِالهُدُوءِ فِي مَوارِدِ الاخْتِلَاف مُحْسِنًا الظنَّ باللهِ تَعالى أنْ يَعْذرَهُ فِي الخطأ مَا دَامَ مُلْتَزِمًا بِجادَّة العِلْم وَأدَواتِهِ.
ثُمَّ إنَّ فِي نَفسِ الاخْتِلَافَاتِ العِلمِيَّة آفَاقًا للتدَاوُلِ وَالمُنَاقَشَاتِ الَّتِي طَالَمَا وَقَعَتْ لِقَاحًا لِلمَعَارِفِ، فَأهْلًا وَمَرْحَبًا بِكُلِّ مَا يُسَاهِمُ فِي تَكويِنِ الأجْوَاءِ العِلمِيَّةِ وَتَنْمِيَتِهَا عَلَى طَريقِ الخَيرِ وَالصَّلَاحِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
فَائِدَةٌ فِي حَديِثِ أهْلِ بَيتِ العِصْمَةِ (عَلَيهِمُ السَّلَامُ):
رَوَىَ فِي مَعَانِي الأخْبَارِ بِسَنَدِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ اَلْكَرْخِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أَنَّهُ قَالَ: “حَدِيثٌ تَدْرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ حَدِيثٍ تَرْوِيهِ، وَلاَ يَكُونُ اَلرَّجُلُ مِنْكُمْ فَقِيهًا حَتَّى يَعْرِفَ مَعَارِيضَ كَلاَمِنَا، وَإِنَّ اَلْكَلِمَةَ مِنْ كَلاَمِنَا لَتَنْصَرِفُ عَلَى سَبْعِينَ وَجْهًا لَنَا مِنْ جَمِيعِهَا اَلْمَخْرَجُ”[2].
وَفِي كَلَامِ أمِيِرِ المُؤمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِسُلَيمِ بنِ قَيس، قَالَ: “إِنَّ فِي أَيْدِي اَلنَّاسِ (مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ- حَقًّا وَبَاطِلاً، وَصِدْقًا وَكَذِبًا، وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا، وَخَاصًّا وَعَامًّا، وَمُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا، وَحِفْظًا وَوَهَمًا”، وَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): “وَإِنَّ أَمْرَ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَنَهْيَهُ مِثْلُ اَلْقُرْآنِ؛ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ، وَعَامٌّ وَخَاصٌّ، وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ”[3].
إنَّ مِنْ أكْثَرِ مَا نَسْمَعُهُ فِي أيَّامِ عَصْرِنَا كَلِمَةَ (يَشْمَلُهُ عُمُومُ الدَّلِيل) وَمَا نَحوِهَا مِنْ إرْجَاعَات إلى عُمُومَات دُونَ تأنٍّ وَلَا حَتَّى أخْذِ نَفَسٍ فِي تَأمُّلٍ عِلْمِيٍّ مُعْتَبَرٍ، وَكأنَّ إثْبَاتَ العُمُومِ كَلِمَةٌ تُقَالُ، وَالحَالُ أنَّهَ مِنْ عَلَامَاتِ الفَقَاهَةِ وَدِقَّةِ النَّظَرِ؛ وَإلَّا لَمَا ذَكَرَهُ أمِيِرُ المُؤمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) سَبَبًا لِوقُوعِ الاِشْتِبَاهَاتِ وَالاخْتِلَافَاتِ وَاحْتِيَاجِهِ لِمَنْ يَمْتَلِكُ القُدْرَةَ العِلمِيَّةَ عَلَى تَخليصِ مَقَامِ الاسْتِدْلَالِ مِنْ تَعَارُضِ الأدِلَّةِ وإجْمَالِهَا وَمَا نَحو ذَلِكَ مِمَّا لَا يَفهَمُهُ غَيرُ مَنْ جَاسَ خِلَالَ الدِّيَارِ وَسَبَرَ الأخْبَارِ، وَهُوَ مَسْلَكُ طَلَبَةِ العِلْمِ مِمَّنْ حَازُوا قَصَبَ السَّبْقِ فِي مَيَادِينِ التَّحصِيِلِ وَمَضَامِيِرِ البَحْثِ وَالتَّحْقِيِقِ.. نَسْألُهُ تَعَالى التَّوفِيقَ للاقْتِدَاءِ بأمْثَالِهِم وَاقْتِفَاءِ آثَارِهِم.
أمَّا مَعَارِيضُ الكَلَامِ فَإيِمَاءَاتُهُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ إلى مَعَانِيهَا وَمَا يُرَادُ مِنْهَا بِوسَائِلَ تَخْفَى عَلَى غَيرِ الخَبِيرِ وَتَتَوَارَى لِتَسْتَتِرَ عَنْ كُلِّ مُتَجَرِّئٍ مُتطَفِّلٍ وَمُتَجَاسِرٍ مَفْتُونٍ، وَلَنْ تَسْتَقِرَّ الفَقَاهَةَ فِي رَجُلٍ مَا لَمْ يَعْرِفْ مَعَارِيضَ كَلَامِهِم (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ).
فاِئِدَةٌ فِي الظهُورِ وَالانْصِرَافِ:
لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيِمُ بِالحُجِّيَّةِ لِظُهُورٍ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَكَوَّنَ مِنْ تَمَكُّنِ صَاحِبِهِ وهَيمَنَتِهِ العِلميَّة عَلَى عُمُومِ النُّصُوصِ الشَّرِيفَةِ وَإلَّا فَمَا كَانَتْ فِي مَوضُعِ بَحْثِهِ، وَمِثْلُهُ الانْصِرَافُ إلى مَعْنىً دُونَ آخْرٍ مَعَ إمْكَانِ تَحَمُّلِ الآخَرِ لَه. أمَّا تِلْكَ الَّتِي تُكَوِّنُهَا الأعْرَافُ وَالثَّقَافَاتُ وَالوَاقِعُ القَائِمُ وَمَا فِي حُكْمِ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ لَهُ.
انْتظَامُ المَقَالَةِ:
أنتَظِمُ فِي مَقَالَتِي مِنْ بَيَانِ مَا ذَهَبَ إلَيهِ جُمْلَةٌ مِنَ الأعْلَامِ بِالقَولِ بِوجٌوبِ زِيَارَةِ الإمَامِ الحُسينِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ)، ثُمَّ مِن بَعْدِ ذَاكَ أتَعَرَّضُ إلى حُكْمِ الإقَامَةِ فِي كَرْبَلَاءَ المُقَدَّسَةِ مُورِدًا النُّصُوص الشَّريفَة الَّتي تأمُرُ بالانصِرَافِ عَقبَ الانْتِّهَاءِ مِنَ الزِّيَارَةِ، والوَجْهُ فِي تَقدِيمِهَا هُوَ مِا انْتَّهَى إلَيهِ النَّظَرُ القَاصِرُ مِنْ ثُبُوتِ الحُكُومَةِ لَهَا بِمَا نُبَيِّنُهُ إنْ شاءَ اللهُ تَعَالَى.
مِنْ بَعدِ ذَلِكَ أحْتَكِمُ إلى التَّحدِيِدَاتِ فِي بَيَانَاتِ أهْلِ بَيتِ العِصْمَةِ (عَلَيهِمُ السَّلَام) قِبْلَ التَّعَرُّضِ إلى النَّظَرِ فِي مَسْألَةِ الثَّلَاثَةِ أيَّامٍ وَمَا زَادَ عَلَيهَا، وَاعْطِفُ بِبَيَانِ مَا جَاءَ فِي حَقِيقَةِ كَرْبَلَاء، وأخْتُمُ بِالرِّوَايَاتُ المُحَبِّبَةُ لِلإقَامَةِ عِندَ أبِي عَبدِ اللهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَمَا أفَادَهُ العَلَمَانِ المَجْلِسِيِّ وَحُرِّ الوَسَائِلِ، وَإنَّمَا أخَّرْتُهَا لِجِهَةِ تَغَيُّرِ الظُّهُورِ بِمَا تُكَوِّنُهُ روَايَات الانْصِرَاف.
القَولُ بِوجٌوبِ زِيَارَةِ الإمَامِ الحُسينِ (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ):
ذَهَبَ أو مَالَ جُمْلَةٌ مِنَ أعْلَامِ الطَّائِفَةِ إلى القَولِ بِوجُوبِ زِيَارَةِ الإمَامِ أبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَينِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ومِنْهُم عَلَّامَةُ البَحرَينِ (قَدَّسَ الله نفسَه) إذْ قَالَ: “وَتَجِبُ زِياَرَةُ الحُسَينِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَلَى الرِّجَاِل وَالنِّسَاءِ مِنَ القَادِريِنَ عَلَى ذَلِكَ”[4].
وَقَالَ المُحَدِّثُ البَحْرَانِيُّ: “وَالأخْبَارُ فِي فَضْلِ زِيَارَتِهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مُسْتَفِيضَةٌ وَالظَّاهِرُ فِي كَثيرٍ مِنْهَا الوجُوبُ، وَإلَيهِ يَمِيلُ كَلَامُ بَعْضِ أصْحَابِنَا (رُضْوَانُ اللهِ عَليهِم) وَلَيسَ بِذَلِكَ البَعيِدِ؛ فَمِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّهَا فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُؤمِنٍ، وَأنَّ مَنْ تَرَكَهَا تَرَكَ حَقًّا لِلّهِ وَرَسُولِهِ، وَأنَّ تَرْكَهَا عُقُوقٌ لِرَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ)، …”[5].
وَقَالَ غَوَّاصُ البِحارِ (قَدَّسَ اللهُ نَفسَهُ): “ثُمَّ اعْلَمْ أنَّ ظَاهِرَ أكْثَرِ أخْبَارِ هَذَا البَابِ وَكَثيرٍ مِنْ أخْبَارِ الأبْوَابِ الآتِيَةِ وجُوبُ زِيَارَتِهِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ)، بَلْ كَونهَا مِنْ أعْظَمِ الفَرَايِضِ وَآكَدِهَا. وَلَا يَبْعُدُ القَولُ بِوجُوبِهَا فِي العُمُرِ مَرَّةً مَعَ القُدْرَةِ، وَإلَيهِ كَانَ يَميِلُ الوَالِدُ العَلَّامَةُ (نَوَّرَ اللهُ ضَريحَهُ)”[6].
الكَلَامُ فِي حُكْمِ الإقَامَةِ:
رَوَىَ الشَّيخُ ابنُ قولَوَيه بِسَنَدِه عَنْ عَلِيِّ بِنِ الحَكَمِ، عَنْ بَعْضِ أصْحَابِنَا، عَنْ أبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قَالَ: “إذَا أرَدْتَّ زِيَارَةَ الحُسَينِ (عَليهِ السَّلَامُ) فَزُرْهُ وَأنْتَ كَئِيبٌ حَزيِنٌ مَكْرُوبٌ، شَعِثٌ مُغْبِرٌ، جَائِعٌ عُطْشَانٌ؛ فَإنَّ الحُسَينَ قُتِلَ حَزيِنًا مَكْرُوبًا شَعِثًا مُغْبِرًا جَائِعًا عُطْشَانًا، وَسَلْهُ الحَوائِجَ، وَانْصَرِفْ عَنْهُ وَلَا تَتَّخِذْهُ وَطَنًا”[7].
وَرَوَىَ في المَزَارِ الكَبِيرِ عَن صَفوَانِ، قَالَ: قَالَ لِي مَولَايَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ (عَليهِمَا السَّلَامُ): “إذَا أرَدْتَّ زَيارَةَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ) فَصُمْ قَبْلَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ، وَاغْتَسِلْ فِي اليَومِ الرَّابِعِ، وَاجْمَعْ إلَيكَ أهْلُكَ وَوِلْدِكَ، وَقُلْ قَبْلَ مَسيرِكَ: اللهُمَّ إنِّي اسْتَودِعُكَ اليَومَ نَفْسِي وَأهْلِي وَمَالِي وَوِلْدِي …” إلى أنْ قَالَ: “فَتَرْجِعُ إلى قَبْرِ سَيِّدِنَا الحُسينِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَتُقيِم عِنْدَهُ مَا أحْبَبْتَ، وَلَا أُحِبُّ لَكَ أنْ تَجْعَلَهُ مَبِيتَكَ”[8].
وَرَوَىَ شَيخُ الطَّائِفَةِ بِسَنَدِهِ عَنْ أبِي بَصيِرٍ عَنْ أبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قَالَ: “إذَا أتَيتَ الحُسينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَمَا تَقُولُ؟
قُلْتُ: أشْيَاءَ أسْمَعُهَا مِنْ رُوَاةِ الحَديِثِ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْ أبِيكَ.
قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): أفَلَا أُخْبِرُكَ عَنْ أبِي عَنْ جَدِّي عَلِيِّ بِنِ الحُسينِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كَيفَ كَانَ يَصْنَعُ فِي ذَلِكَ؟
قَالَ: قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ.
قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): إذَا أرَدْتَّ الخُرُوجَ إلى أبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَصُمْ قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ؛ يَومَ الأرْبِعَاءَ وَيَومَ الخَمِيسِ وَيَومَ الجُمُعَةِ، فَإذَا أمْسَيتَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ فَصَلِّ صَلَاةَ الليلِ ثُمَّ قُمْ فَانْظُرْ فِي نَوَاحِيَ السَّمَاءِ، وَاغْتَسِلْ تِلْكَ الليلَةِ قَبْلَ المَغْرِبِ، ثُمَّ تَنَامُ عَلَى طُهْرٍ، فَإذَا أرَدْتَّ المَشْيَ إلَيهِ فَاغْتَسِلْ وَلَا تَطَيَّبْ وَلَا تَدَّهِنْ وَلَا تَكْتَحِلْ حَتَّى تَأتِيَ القَبْرَ”[9].
بِالرُغمِ مِنْ القَطْعِ بِمَا عَلَيهِ الزِّيارَةُ مِن خَطَرٍ عَظيِم وَقَعَ الكَلَامُ وَالنَّقْضُ وَالإبْرَامُ فِي حُكْمِ الإقَامَةِ عِندَ الإمَامِ الحُسينِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)؛ وَمِنْ مَنَاشِئِ البَحْثِ اخْتِتَامُهُ لِكَلَامِهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي الزِّيَارَة بِمِثْلِ “وَانْصَرِفْ عَنْهُ وَلَا تَتَّخِذْهُ وَطَنًا”، و”وَلَا أُحِبُّ لَكَ أنْ تَجْعَلَهُ مَبِيتَكَ”.
نُكْتَةٌ دَقِيقَةٌ:
نَرَىَ فِي هَذَا الاخْتِتَامِ عِنايَةً زَائِدَةً عَلَى مَوضُوعِ الخِطَابِ، وَالزَّائِدُ بَعْدَ امْتِنَاعِ كَونِهِ لَغْوًا فَهُوَ إمَّا قَيدٌ وإلَّا فَحُكْمٌ لِمَوضُوعٍ جَدِيدٍ، والأوَّلُ مَدْفُوعٌ بِعَدَمِ المُجَانَسَةِ بَينَ فِعْلِ الزِّيَارَةِ العِبادِيَّةِ مِنْ تِلاوَةٍ لِمَأثُورِ وصَلَاةٍ وَدُعَاءٍ، وَبَينَ عَدَمِ البَقَاء؛ أمَّا الأوَّل فَمَقُولٌ لِلفِعْلِ، بَينَمَا الثَّانِي فَمَقُولٌ لِلوَضْعِ، والأنْسَبُ أنْ يَكُونَ مَعْرُوضُهُ البَقَاءَ، وَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ افْتِقَارُ البَقَاءِ إلى ما يُسَوِّغُهُ، وَقَدْ تَعَيَّنَ فِي أفْعَالِ الزِّيَارَةِ، ولَا يَخْرُجُ شَيءٌ دُونَ دَلِيلٍ خَاصٍّ.
ثُمَّ إنَّ الزَّائِرَ مَأمُورٌ بالانْصِرَافِ ومَنْهِيٌّ عَن اتِّخَاذِ المَحَلِّ وَطَنًا، والمُنصَرَفُ إليِهِ هَلْ هُوَ خُصُوصُ الجَدَثِ، أو مِقدَارُ مَوضِعِ القَبْرِ، أو حُرمَتُهُ، أو حَرِيمُهُ، أو الحَائِرُ، أو عُمُومُ كَربَلَاء؟
التَّحدِيِدَاتُ فِي بَيَانَاتِ أهْلِ بَيتِ العِصْمَةِ (عَلَيهِمُ السَّلَام):
عَنِ ابْنِ سِنَان، عَنِ أبِي عَبْدِ اللهِ (عَليِهِ السَّلَامُ)، قَالَ: “سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَبْرُ الحُسينِ بِنِ عَلِيٍّ (عَليهِمَا السَّلَامُ) عشرُونَ ذِرَاعًا فِي عِشرينَ ذِرَاعًا مُكَسَّرًا رَوضَةٌ مِنْ ريَاضِ الجَنَّةِ، وَفِيهِ مِعْرَاجُ المَلَائِكَةِ إلى السَّمَاءِ، وَليسَ مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ إلَّا وهُوَ يَسْأَلُ اللهَ أنْ يَزُورَهُ، فَفَوجٌ يَهبِطُ وَفَوجٌ يَصْعَدُ”[10].
وَعَنْ إسْحَاق بِنِ عَمَّار، قَالَ: “سَمِعْتُ أبَا عَبْدِ اللهِ (عَليهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: إنَّ لِمَوضِعِ قَبْرِ الحُسينِ بِنِ عَلِيٍّ (عَليهِمَا السَّلَامُ) حُرْمَةً مَعْلُومَةً مَنْ عَرَفَهَا وَاسْتَجَارَ بِهَا أُجِيرَ.
قُلتُ: فَصِفْ لِي مَوضِعَهَا جُعِلْتُ فِدَاكَ.
قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): امْسَحْ مِنْ مَوضِعِ قَبْرِهِ اليَومَ، فَامْسَحْ خَمْسَةً وَعِشريِنَ ذِرَاعًا مِنْ نَاحِيَةِ رِجْلَيِهِ، وَخَمْسَةً وَعِشْريِنَ ذِرَاعًا مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ، وَخَمْسَةً وَعِشْريِنَ ذِرَاعًا مِنْ خَلْفِهِ، وَخَمْسَةً وَعِشْريِنَ ذِرَاعًا مِنْ نَاحِيَةِ رَأسِهِ، وَمَوضِعُ قَبْرِهِ مُنْذُ يَومَ دُفِنَ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْهُ مِعْرَاجٌ يُعْرَجُ فِيهِ بِأعْمَالِ زُوَّارِهِ إلى السَّمَاءِ، فَلَيسَ مَلَكٌ وَلَا نَبِيٌّ فِي السَّمَاوَاتِ إلَّا وَهُم يَسْأَلُونَ اللهَ أنْ يُأذَنَ لَهُم فِي زِيَارَةِ قَبْرِ الحُسينِ (عَليِهِ السَّلَامُ)، فَفَوجٌ يَنْزِلُ وَفَوجٌ يَعْرُجُ”[11].
وَعَنْ مُحَمَّدِ بِنِ إسْمَاعِيلَ البَصْرِيِّ، عَمَّنْ رَوَاهُ، عَنْ أبِي عَبْدِ اللهِ (عَليهِ السَّلَامُ)، قَالَ: “حُرْمَةُ قَبْرِ الحُسينِ فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ مِنْ أرْبَعَةِ جَوانِبِهِ”[12].
وَعَنْ مَنْصُورِ بنِ العَبَّاس، يَرْفَعُهُ إلى أبِي عَبْدِ اللهِ (عَليهِ السَّلَامُ)، قَالَ: “حَريِمُ قَبْرِ الحُسينِ (عَليهِ السَّلَامُ) خَمْسُ فَرَاسِخ مِنْ أرْبَعَةِ جَوانِبِ القَبْرِ”[13].
“وَالوَجْهُ فِي هَذِهِ الأخْبَارِ تَرَتُّبُ هَذِهِ المَواضِعِ فِي الفَضْلِ، فَالأقْصَرُ خَمْسُ فَرَاسِخَ، وَأدْنَاهُ فِي المَشْهَدِ فَرْسَخٌ، وَأشْرَفُ الفَرْسَخِ خَمْسٌ وَعشْرُونَ ذِرَاعًا، وَأشْرَفُ الخَمْسِ وَعشْرِينَ ذِرَاعًا عشْرُونَ ذِرَاعًا، وَأشْرَفُ العشْرِينَ مَا شَرُفَ بِهِ وَهُوَ الجَدَثُ نَفْسُهُ”[14].
أقُولُ:
يَظْهَرُ مِنَ التَّعْقِيبِ بِالنَّهيِّ عَنِ (اتِّخَاذِهِ وَطَنًا) حُكُومَتُهُ عَلَى غَيرِهِ مِنَ الأخْبَارِ الشَّرِيفَةِ؛ إذْ إنَّ وُقُوعَ البَقَاءِ مُجرَّدًا مُتَصَوَّرٌ عُرْفًا في كَافَّةِ المَوَاطِنِ، وَلَيسَ كَذَلِكَ في بَقَاءِ المَبيِتِ وَبَقَاءِ التَّوَطُّنِ لانصِرَافِهِ عَنْ الأوَّلَينِ الجَدَثِ وَمَوضِعِ القَبْرِ، وإنْ أمكَنَ فهُوَ لَيْسَ بِمَا يَسْتَدْعِيِ بَيَانًا.
بَقِيَ إذَنْ حَرِيمُ القَبْرِ، ومَا بَعْدَهُ مِنْ عُمُومِ كَربَلَاء، أمَّا حَرِيمُهُ وَهُوَ خَمْسَةُ فَرَاسِخ كَمَا بَيَّنَتْهُ مَرْفُوعَةُ مَنْصُورِ بنِ العَبَّاس فَهِي مَا يُتَصَوَّرُ أنْ تَكُونَ مَوضِعًا لِلتَوَطُّنِ، ومَا بَعْدَهَا مِمَّا كانَ قُرَىً مَأهُولَةً مُتَنَاثِرَةً تُعْرَفُ بِكَرْبَلَاء، فَمَعَ وجُودِهَا وَعَدَمِ تَنَاولِ البَيَانَات الشَّرعِيَّة لِحُكْمِ تَوطُّنِها فَلَا مَورِدَ لِلشَّكِّ، وإنْ طَرَأَ نُفِيَ بِالأصْلِ.
مَسْألَةُ الثَّلَاثَةِ أيَّامٍ وَمَا زَادَ عَلَيهَا:
إذَا عَرَفْتَ حُكْمَ بَقَاءِ المَبيِتِ والتَّوَطُّنِ اعْلَمْ أنَّهُم (عَلَيهِمُ السَّلَامِ) قَدْ رَخَّصُوا فِي البَقَاءِ ثَلاثَة أيَّامٍ لِمَن أرَادَ الصَّوَمَ الخَاصَّ كَمَا فِي رِوَايَتَي أبِي بَصِيرٍ وَصَفْوَان المُتَقَدِّمَتَينِ، فإنْ أتَىَ كَرْبَلَاء مِنْ خَارِجِهَا فَهُوَ لَيسَ مَوضِعَ كَلَامِنَا، وإنْ كَانَ فِيهَا فَليَصُمْ وَلَهُ أنْ يُقِيمَ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ كَمَا فِي الرِّوايَتَينِ الشَّرِيفَتَينِ، فَيكُونُ البَقَاءُ لِخُصُوصِ مَنْ أرَادَ الصَّومَ، وإلَّا فالانْصِرَافُ بَعدَ الزِّيَارَةِ وأعمَالِهَا، وإنْ بَقِيَ فَيَسِيِرًا، وإنْ امْتَدَّ فَلَيسَ إلى حَدِّ المَبِيتِ.
حَقِيقَةُ كَرْبَلَاءَ:
وَرَدَتْ نُصُوصٌ شَرِيفَةٌ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ، أو شَيءٍ مِنْ حَقِيقَةِ أرْضِ كَرْبَلَاء؛ وإنَّنَا نَتَوَقَّفُ عَندَ بَعْضٍ مِنْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَسِيِسِ فَائِدَةٍ بِمَسْألَةِ بَحْثِنَا.
مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ قولويه بِسَنَدِهِ عَنْ عَمْرو بِنْ ثَابِت، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قَالَ: “خَلَقَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أرْضَ كَرْبَلَاء قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الكَعْبَةَ بِأرْبَعَةٍ وَعِشْريِنَ ألْف عَامٍ وَقَدَّسَهَا وَبَارَكَ عَلَيهَا، فَمَا زَالَتْ قَبْلَ خَلْقِ اللهِ الخَلْقِ مُقَدَّسَةً مُبَارَكَةً وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَجْعَلُهَا اللهُ أفْضَلَ أرْضٍ فِي الجَنَّةِ وَأفْضَلَ مَنْزِلٍ وَمَسْكَنٍ يُسْكِنُ اللهُ فِيِهِ أولِيَاءَهُ فِي الجَنَّةِ”[15].
وَبِسَنَدِهِ عَنْ أبِي الجَارُودِ، قَالَ: قَالَ عَليُّ بنُ الحُسينِ (عَليهِمَا السَّلَامُ): “اتَّخَذَ اللهُ أرْضَ كَرْبَلَاء حَرَمًا آمِنًا مُبَارَكًا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ اللهُ أرْضَ الكَعْبَةِ وَيَتَّخِذَهَا حَرَمًا بِأرْبَعَةٍ وَعِشرِينَ ألْفَ عَامٍ، وَإنَّهُ إذَا زَلْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الأرْضَ وَسَيَّرَهَا رُفِعَتْ كَمَا هِيَ بِتُرْبَتِهَا نَورَانِيَّةً صَافِيَةً، فَجُعِلَتْ فِي أفْضَلِ رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ وَأفْضَلِ مَسْكَنٍ فِي الجَنَّةِ لَا يَسْكُنُهَا إلَّا النَّبِيُّونَ وُالمُرْسَلُونَ – أو قَالَ: أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ – وَإنَّهَا لَتُزْهِرُ بَينَ رِيَاضِ الجَنَّةِ كَمَا يُزْهِرُ الكَوكَبُ الدُّرِيُّ بَينَ الكَوَاكِبِ لِأهْلِ الأرْضِ، يُغْشِي نُورُهَا أبْصَارَ أهْلِ الجَنَّةِ جَميِعًا، وَهِيَ تُنَادِي: أنَا أرْضُ اللهِ المُقَدَّسَةِ الطَّيِّبَةِ المُبَارَكَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ وَسَيِّدَ شَبَابِ أهْلِ الجَنَّةِ”[16].
نَسْتَقْرِبُ أنَّ إنْسَانَ هَذِهِ الدُّنْيَا لا يُنَاسِبُ وَلا يَصْلُحُ لِلعَيشِ فِي البُقْعَةِ المُقَدَّسَةِ الخَاصَّةِ مِنْ كَرْبَلَاء، وَيَكْفِي بَيَانًا مَا وَرَدَ في الرِّوَايَاتِ الشَّرِيفَةِ مِنْ كَونِهَا مُقَدَّسَةً مُبَارَكَةً مِنَ اللهِ جَلَّ في عُلَاه وأنَّه سُبْحَانَهُ يَجْعَلُهَا أفْضَلَ أرْضٍ فِي الجَنَّةِ وَأفْضَلَ مَنْزِلٍ وَمَسْكَنٍ يُسْكِنُ اللهُ فِيِهِ أولِيَاءَهُ فِي الجَنَّةِ، وإلى جَانِبِ ذَلِكَ فَهَي مُختَلَفُ المَلائِكَةِ الَّذينَ لا يَفترُونَ نَازِلِينَ صَاعِدِينَ فِي أثْوَابِ العَزَاءِ بَاكِينَ نَائِحِينَ لِمَا جَرَى عَلَى أبِي عَبْدِ اللهِ الحُسينِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، كَمَا وأنَّهُم فِي شُغْلٍ بالتَّسبِيح والاسْتغْفَارِ لِزوَّارِه (أعَزَّ اللهُ كَلِمَتَهم وَرَصَّ فِي الخَيرِ وعَلَى الإِيمَانِ صُفُوفَهُم).
إنَّ لِكَرْبَلَاءَ حَقِيقَةً تَسْمُو عَنْ بَشَرِيَّةِ الإنْسَانِ فِي هَذِهِ الدُّنيَا، ولِذَا نَرَى يَرَاعَةَ المُحَدِّثِ البَحْرَانِي (نَوَّرَ اللهُ مَرقَدَهُ الشَّرِيفِ) وَقَد اسْتَفَزَّهَا وَاقِعُ الحَالِ فَحَبَّرَ للتَّاريِخِ قَولَهُ:
“هَذَا وَمِنَ العَجَبِ العُجَابِ عِنْدَ ذَويِ الألْبَابِ – وَإنْ كَانَ لَا عَجَبَ فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي عَظُمَ فِيهِ الانْقِلَابُ وَتَغَيَّرَتْ فِيهِ رُسُومُ السُّنَّةِ وَ(الكِتَابِ) – أنَّه قَدْ بَلَغَ بِالمُجَاورِينَ لِهَذَا المَشْهَدِ الشَّريفِ الكَريمِ مِنْ قِلَّةِ الاحْتِرَامِ لَهُ وَالتَّعْظِيمِ، وَالجُرْأةِ فِيهِ بِقِلَّةِ الكَمَالِ فِي حَقِّهِ وَالآدَابِ إلى مَا نَسْألُ اللهَ سُبْحَانَهُ العَفْوَ عَنِ المُؤَاخَذَةِ بِهِ فِي الأُولَى وَالمَآبِ. وَقَدِ اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ الرّعَاعُ مِنْهُم وَالعُلَمَاءُ الأعْلَامُ الَّذِينَ هُمُ المَرجِعُ فِي تَشْريِعِ الأحْكَامِ لِلأنَامِ، وَتَحْليِلِ الحَلَالِ وَتَحْريِمِ الحَرَامِ مِنَ التَّحَدُّثِ فِي الرَّوضَةِ المُقَدَّسِةِ بِالأحَادِيثِ الدُّنْيَويَّةِ، وَالجُلُوسِ حلَقًا مُجْتَمعِينَ عَلَى تِلْكَ العَادَاتِ الرَدِيَّةِ، وَالجُلُوسِ فِي وَقْتِ الحَرِّ مُكَشَّفِي الرُّؤوسِ مُحَلِّلِي الأزْرَارِ وَفِي أيَديهِمُ المَرَاوِح يُرَوِّحُونَ أنْفُسَهُم عَنِ الحَرِّ حَالَ الزِّيَارَةِ وَحَالَ الجُلُوسِ، وَرُبَّمَا تَرَى أحَدَهُم يَخْلَعُ ثِيَابَهُ كُمَّلًا وَيَبْقَى فِي قَمِيصٍ وَاحِدَةٍ مَكْشُوفَ الرَّأسِ كَأنَّهُ جَالِسٌ فِي بَيتِهِ مَعَ زَوجَتِهِ!”
ثُمَّ أرْدَفَ (قَدَّسَ اللهُ نَفْسَهُ): “هَذِهِ عَادَاتُهُمُ القَبِيحَةِ لَا تَنَاكُرَ بَينَهُم فِي ذَلِكَ، وَلَا يُزْرِي أحَدٌ عَلَى أحَدٍ فِيمَا هُنَالِكَ؛ لاتِّفَاقِ الجَميعِ عَلَيهِ مِنْ جَاهِلٍ وَعَالِمٍ، وَصَالِحٍ وَظَالِمٍ، كَأنَّهُم لَمْ يَعُوا وَلَمْ يَسْمَعُوا مَا وَرَدَ فِي حَقِّ هَذَا المَقَامِ مِنْ مَزيدِ التَّعْظِيمِ لَهُ وَالإكْرَامِ. أو لَمْ يَسْمَعُوا.. وَيْحَهُم، مَا وَرَدَ عَنْهُم (عَليهِمُ السَّلَامُ) مِنْ أنَّ الزَّائِرِينَ لَهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِمَرْأى وَمَنْظَرٍ مِنَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) وَمِنْ عَلِيٍّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَفَاطِمَةَ (عَليهَا السَّلَامُ) وَمِنْهُ (عَليهِم جَميِعًا أفْضَلَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ)، وَأنَّهُم يُنَادُونَ زُوَّارَهُم وَيُخَاطِبُونَهُم وَيُبَشِّرُونَهُم بِمَا لَهُم عِنْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَعِنْدَهُم (صَلَواتُ اللهِ عَليهِم) مِنْ رَفِيعِ الدَّرَجَاتِ وَمَزيِدِ الأجْرِ فِي أعْلَى قُصُورِ الجَنَّاتِ”[17].
وَمِنْ هُنَا تَنْكَشِفُ لَنَا وَجَاهَةُ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لِمَن أرَادَ البَقَاءِ وَعَدَمِ الزِّيَادَة عَلَى ثَلَاثَةِ أيَّام.
الرِّوَايَاتُ المُحَبِّبَةُ لِلإقَامَةِ عِندَ أبِي عَبدِ اللهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَمَا أفَادَهُ العَلَمَانِ المَجْلِسِيِّ وَحُرِّ الوَسَائِلِ:
مِنْهَا مَا رَوَاهُ هشَامُ بنُ سَالِمٍ، عَنْ أبِي عَبْدِ اللهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي حَدِيثٍ طَويِلٍ، قَالَ: “أتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: فَمَا لِمَنْ أقَامَ عِنْدَهُ (يَقصُدُ الإمَامَ الحُسينَ عَلَيهِ السَّلَامُ).
قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): كُلُّ يَومٍ بِألْفِ شَهْرٍ”[18]. وَهَذِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ أيَّامٍ، أو عَلَى أنْ يَكُونَ المُقِيمُ أهْلًا للإقَامَةِ فِيهَا عَلَى فَرضِ كَونِ عَدَمِ الأهْلِيَّةِ عِلَةَ الأمْرِ بِالانْصِرَافِ وَالنَّهْي عَنِ اتِّخَاذِهِ وَطَنًا ، فَيَكُونُ إلقَاءُ الجَوَابِ مِنَ الإمَامِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَلَى نَحْوِ القَضِيَّةِ الحَقِيِقِيَّةِ لا الخَارِجِيَّة.
وَمِنْهَا مَا عَنْ أبِي الجَارُودِ، عَنْ أبِي جَعْفَرٍ (عَليهِ السَّلَاُم)، قَالَ: “قَالَ لِي: كَمْ بَينَكَ وَبَينَ قَبْرِ الحُسينِ (عَليهِ السَّلَاُم)؟
قُلْتُ: يَومٌ لِلرَّاكِبِ وَيَومٌ وَبَعْضُ يَومٍ لِلمَاشِي.
قال (عَليهِ السَّلَاُم): أَفَتَأتِيهِ كُلَّ جُمُعَةٍ؟
قُلْتُ: لَا، مَا آتِيهِ إلَّا فِي حِينٍ.
قال (عَليهِ السَّلَامُ): مَا أجْفَاكُم! أمَا لَو كَانَ قَريِبًا مِنَّا لَاتَّخَذْنَاُه هِجْرَةً”[19]. وَحَالُهَا حَالُ سَابِقَتِهَا، وَلَا يُقَاسُ عَلَى الإمَامِ المَعصُوُمِ (عَليهِ السَّلَامُ).
وَقَدْ تَنَقَحَ عِنْدَنَا أنَّ الإقَامَةَ عِنْدَ الإمَامِ الحُسينِ (عَليهِ السَّلَاُم) رَجَاءُ الطَّاهِرينَ (عَليهِمُ السَّلَامُ) لَو لَا مَوانِعُ الظُرُوفِ، وَمُنَى المُؤمِنِ لَو كَانَ أهْلًا وكُفُوًا لَهَا، غَيْرَ أنَّ الرِّوَايَات الشَّرِيفَةِ لَمْ تُصَرِّحْ بِعِلَّةِ الإبْعَادِ عَنْ المَبيتِ فِي كَرْبَلَاءَ أو اتِّخَاذِهَا وَطَنًا، واحْتِمَالُ كَونِ ذَلِكَ لِعَدَمِ مُواءَمَةِ الطَّبَائِعِ البَشَرَيَّةِ لِقَدَاسَتِهَا العَاليَة جَيِّدٌ، وَلَكِنَّهُ لا يَصُلُحُ أنْ يُسْتَنَد إلَيِهِ عِلَّةً دُونَ قَرَائِنَ أو مُؤَيِّدَاتٍ مُعْتَبَرَةٍ.
أمَّا حَمْلُ عَلَّامَةِ البِحَارِ (عَلَا بُرْهَانُهُ) فِي قَولِهِ: “لَعَلَّ النَّهيَ عَنِ اتِّخَاذِهِ وَطَنًا مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ التَّقْيَّةِ وَالخَوفِ كَمَا كَانَ الغَالِبُ فِي تِلْكَ الأعْصَارِ، أو عَلَى النَّهيِ عَنِ التَّوقُّفِ عِنْدَ القَبْرِ لَا عَنْ حَوَالَيْهِ وَجَوَانِبِهِ، لِئَلَّا يُنَافِي الأخْبَارَ السَّالِفَةِ وَمَا سَيَأتِي مِنَ الدُّعَاءِ لِلمَقَامِ عِنْدَهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي كَثِيرٍ مِنَ الزِّيَارَاتِ”[20] فاحْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ فِي قِبَالِ مَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ بَانَ ارْتِفَاعُ مَحْذُورِ التَّنَافِي.
وِأمَّا بَيَانُ فَقِيِهِ الوَسَائِلِ (طَابَ رَمْسُهُ)، حَيثُ قَالَ: “وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ سُكْنَى كَرْبَلَاءَ، فَإمَّا أنْ يُحْمَلَ ذَاكَ (ما تقدَّم) عَلَى الوجُوبِ كِفَايَةً، أو هَذَا (الأمْرُ بِالانْصِرَافِ وَالنَّهْيُ عَنِ اتِّخَاذِهِ وَطنًا) عَلَى أنَّه مَخْصُوصٌ بِنَفْسِ الحَائِرِ، أو عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّحَوُّلِ فِي أثْنَاءِ السَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي المُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ لِئَلَّا يَقْسُو قَلْبُهُ”[21] فَنَتَّفِقُ مَعَ الاخْتِصَاصِ وَنَخْتَلِفُ فِي تَعيِنِهِ؛ إذْ مَا انْتَهَيْنَا إلَيهِ هُوَ اخْتِصَاصُ حَرِيمِ القَبْرِ الشَّرِيفِ وَمِقْدَارُهُ خَمْسَةُ فَرَاسِخ، ونَرَاهُ مُتَعَيِّنًا كَمَا عَرِفْتَ بِمَا تَقَدَّمَ مِن بَيَانٍ.
مُحَصَّلُ الكَلَامِ:
إنَّ لِتَعَقُّبِ بَيَانِ الإمَامِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِالأمْرِ بِالانْصِرَافِ وَالنَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ مَوضُوعِ الرِّوَايَةِ الشَّرِيفَةِ وَطَنًا قُوَّةَ الحُكُومَةِ؛ لِمَا بَيَّانَّاهُ مِنْ لَغْويَّتِهِ مَا لَم يَكُن كَذَلِكَ، وَمُجَرَّدُ سَوقِ الاحْتِمَالَاتِ لَنْ يُؤَدِّيَ لِغَيرِ الجَدَلِ مَا لَمْ يُقْرَنْ الاحْتِمَالَ بِمَا لَهُ اعْتِبَارٌ عِلْميٌّ.
لِذَا؛ فَإنَّ المُتَحَصَّلَ عِنْدَ النَّظَرِ القَاصِرِ هُوَ:
أوَّلًا: تَحَقُّقُ تَمامِ امْتِثَالِ الأمْرِ بِالانْصِرَافِ بِتَجَاوزِ الفَرَاسِخ الخَمْسَةِ لِحَرِيِمِ القَبْرِ.
ثَانِيًا: المَنْهِيُّ عَنْ أنْ يُتَّخَذَ وَطَنًا هُوَ حَرِيمُ القَبْرِ وَمِقْدَارُه خَمْسَةُ فَرَاسِخَ.
ثَالِثًا: أقْصَى الإقَامَة ثَلَاثَةُ أيَّامٍ مَشْرُوطَةٌ بِالصَّومِ إذَا حَمَلْنَا مَحَلَّ الخُرُوجِ إلى الزِّيَارَةِ عَلَى كَونِهِ حَرِيمَ القَبْرِ الشَّرِيفِ.
وَكَتَبَهُ حَامِدًا شَاكِرًا
السَّيِّدُ مُحَمَّدُ بنُ السَّيِّدِ عَلِيٍّ العَلَويِّ
11 صَفَر 1445 لِلهِجْرَةِ
البَحْرَينِ المَحْرُوسَةِ
………………………………………..
[1] – الاحتجاج – الشَّيخ الطبرسي – ج 2 ص 263
[2] – مَعَاني الأخبار – الشَّيخ الصدوق – ص 2
[3] – كتاب سُلَيم بن قيس الهِلَالي، ص 181
[4] – سداد العِباد وَرشاد العباد – الشَّيخ حُسين آل عصفور – ص404
[5] – الحدائق الناضرة -المُحَدِّث البحراني – ج17 ص434
[6] – بِحارُ الأنْوَار -العلَّامة المجلسي- ج98 ص10
[7] – كامل الزيارات – جعفر بن محمد بن قولويه – ص 252
[8] – المزار – محمد بن جعفر المشهدي – ص 427 – 433
[9] – تهذيب الأحكام – الشيخ الطوسي – ج 6 – ص 76
[10] – كامل الزيارات – جعفر بن محمد بن قولويه – ص 222
[11] – كامل الزيارات – جعفر بن محمد بن قولويه – ص 457
[12] – كامل الزيارات – جعفر بن محمد بن قولويه – ص 456
[13] – كامل الزيارات – جعفر بن محمد بن قولويه – ص 456
[14] – مصباح المُتَهَجِّد – الشَّيخ الطُّوسِي – ص 732
[15] – كامل الزيارات – جعفر بن محمد بن قولويه – ص 450 – 451
[16] – المصدر السَّابِق
[17] – الدُّرر النَّجَفيَّة مِنَ المُلتَقَطَات اليُوسُفيَّة – الشَّيخ يوسُف البَحرَانِي – ج2 ص 303 – 304
[18] – كامل الزيارات – جعفر بن محمد بن قولويه – ص 239
[19] – كامل الزيارات – جعفر بن محمد بن قولويه – ص 489
[20] – بحار الأنوار – العلَّامة المجلسي – ج 98 ص 400
[21] – وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي – ج 14 – ص 540
1 تعليق
[…] لِفَهْمِ مَقَالَةِ الكَشْفِ وَالإجْلَاءِ الكَشْفُ وَالإجْلَاء عَنْ حُكْمِ المَقَامِ فِي كَرْبَ… المناقشة والنقد ومحاذير التحسُّس والرد بالإساءة […]