جامعة (ليلاند ستانفورد جونيور – Leland Stanford Junior University) “جامعة أمريكية بحثية خاصة تأسست الجامعة في عام 1885 على يد ليلاند ستانفورد، وافتتحت في 1 أكتوبر1891“[1]، كان من أساتذتها في علم النفس الأستاذ المحاضر فيليب زيمباردو (مواليد: 23 مارس 1933م).
قام هذا الأستاذ باختبار أراد منه استقصاء الآثار النفسية للسجناء، وقد موَّلتْ البحرية الأمريكية التجربة بغرض فهم الصراعات في نظام السجن عندها. ملخَّصُ الفِكرةِ إدخالُ متطوعين في حياةٍ خاصَّةٍ يحاكون فيها حياة السجين والسجَّان، ويقوم فريق البحث بمراقبة مجريات الأمور وتدوين الملاحظات على وفق الأسس العلمية.
اتخذ الباحثون قبوَ الجامعة سجنًا، وقسَّموا المتطوعين، عشوائيًا، إلى فريقين، وبدأت التجربة في تاريخ (14 أغسطس 1971)، إلَّا أنَّها سرعان ما خرجتْ عن السيطرة فأُوقِفَتْ بعد أن عانى السجناء واحتملوا ممارسات سادية ومهينة على أيدي السجَّانين!!
خلصَ الباحثون إلى أنَّ “الوضع أو الواقع هو الذي سَبَّبَ سُلُوكَ الأفراد في الاختبار أكثر من أيِّ شَيءٍ مَورُوث في شخصياتهم”.
ذهب البعضُ إلى الاستشهاد باختبار سجن ستانفورد على أصالة السادية في الإنسان، لظهورها بمجرَّد إعطائه السلطة في وضع وواقع معين، وهذا ما استهوى شريحةً تنزع إلى الدفاع المستميت عن شيطنة الإنسان وسوئه، فرفعت راية اختبار سجن ستانفورد شعارًا (علميًا) ترمي به الآخرين بالشرور والفساد، مُعضِّدةً مذهبها بقول الله جلَّ في علاه (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)[2]!
أقول: أمَّا اختبار سجن ستانفورد فمعيبٌ علميًا بعيبٍ ناقضٍ هادمٍ من رأس، وأمَّا الاستشهاد بالآيتين الكريمتين فاستشهاد فاقد للموضوعية. ولك البيان:
أوَّلًا: الاختبار:
إنَّ من أهم الشروط لسلامة النتائج العلمية من الخطأ، خلو ذهن الباحث ومادَّة البحث (إذا كانت بشرًا) من أي مسبقات قد تُؤثِّر في توجيه النتائج وقراءتها، ومن الواضح أنَّ تقمُّص الإنسان دور الشرطي يدفعه إلى التحول المباشر في مظهره إلى ما يوافق الصورة الموجودة في الأذهان فعلًا عن الشرطة، وسمتها الغالبة هي السلطة وعلو اليد وممارسة القوة، ومن الجهة الأخرى فتقمص دور السجين يعني التحول في المظهر إلى حالة المقهورية من جهات مختلفة، منها سلب الحرية والاختيار وما شابه.
تُحقِّقُ هذه المسبقات أجواءً خاصَّة تُؤثِّر بشكل مباشر في صياغة مُعيَّنة لعقلية وسلوك من يدخل في نطاقها الموضوعي، ولذلك فهي في حكم العقلية الجماهيرية التي يصعب الفرار من حدودها الحاكمة[3]، بل أنَّ الخارج عنها مُتَّهم بالشذوذ والغباء، ولذا، فالانخراط في السلوك السادي ليس بالضرورة أن يكون معلولًا لسادية في نفس الإنسان، بل ربَّما كان دفاعًا عن النفس ضد العزل والاتِّهام بالشذوذ.
من قرأ كتاب الأمير لميكافيلي يقف على مفاهيم العدالة والإنصاف، وحسن السياسة، التي ما إن يخرج عنها الحاكم اليوم حتّى أصبح بحسب الموازين الخاصَّة من البُله الشاذين، هذا وهي موازين خاطئة عوجاء، إلَّا أنَّها تُشكِّل جوًّا جماهيريًا ضاغطًا، يُجبِر الداخل في دائرته على الانصياع لأحكامه.
لذا، فإنَّ الاحتمال الأقوى هو إقبال الفريق الذي قام بدور السجَّانين على دوره محمَّلًا بتصورات مسبقة، فالواحد منهم يرى نفسه حاكمًا، يُحاسِبُ ولا يُحاسَب، وله السلطة الكبرى على مجموعة من الناس قد سُلِبَت الحرية والكثير من الخيارات، وإن لم يمارس عليهم الضغط والإذلال، كما هو معروف في عالم السجون، فإنَّه لا يكون حينها سجَّانًا، وسرعان ما يفقد السيطرة عليهم! كما ويُحتَمَلُ قويًّا أنَّ فريق المسجونين قد أقبَلَ بنفسيَّة مُهيَّئة للإذلال والإهانة. فتأمَّل جيِّدًا..
فرضٌ آخر:
لو كانت التجربة توجِّه إلى محاكاة المتطوعين من السجَّانين إلى سلطة تسعى إلى تحسين أحوال السجن وإعادة تأهيل السجناء بما يمكنهم من الانخراط في المجتمع، فهل سيمارس السجَّانون، حينها، العنف والسادية كما حدث في التجربة محل الكلام؟
الغالب، بل أكاد أقطع بأنَّ الفريق سوف يُبدِع في التعامل الحَسَن مع السجناء.
المُحصلة:
هذا النوع من التجارب فَاقِدٌ لأهم شروط البحث العلمي، فسواء كانت كما أرادها فيليب زيمباردو، أو كما يريدها الحقوقيون، أو الإنسانيون، فهي لن تكون موضوعيةً على الإطلاق.
ثَمَّة مشكلة تصعب معالجتها، فقد كُتِبَت الكثير من الدراسات والبحوث استنادًا إلى اختبار سجن ستانفورد، وبالبناء عليها تشكلت ثقافات وصيغت عقليات بعد تحول الاختبار إلى مادَّة لأفلام سينمائية وقصص روائية، ونظريات في النفس والاجتماع، بل ونجد بعض الدراسات لباحثين ومفكرين إسلاميين متأثرة بالنظرية المستخلصة من اختبار سجن ستانفورد، ولم تنفع، للأسف، البحوث والدراسات الناقدة للتجربة!
ثانيًا: الآيتان الكريمتان:
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)[4]، وقال تعالى (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)[5]، ما يدل على أنَّ الإنسان متعادل القوى النفسية، دون طغيانٍ لقوَّة على أخرى، وإنَّما جُعِل الأمر بيد العقل الذي قسمه الله تعالى على العباد.
عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: “لمَّا خَلَقَ اللهُ العقلَ استَنْطَقَهُ، ثُمَّ قال له: أقْبِلْ فأقْبَلَ، ثُمَّ قال له: أدْبِرْ فأدْبَرَ، ثُمَّ قال: وعِزَّتِي وجَلالي ما خَلقتُ خَلقًا هو أحَبُّ إليَّ منك، ولا أكملتُك إلَّا في مَنْ أُحِبُّ، أمَا إنِّي إيَّاكَ آمُرُ، وإيَّاكَ أنهى، وإيَّاكَ أُعَاقِبُ، وإيَّاكً أُثِيبُ”[6].
وقال رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآله): “ما قسم اللهُ للعِبَادِ شَيئًا أفضل مِنَ العَقْلِ”[7].
أمَّا قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)، فَيَظْهَرُ جَانِبٌ من معناه في الآية التالية، وهي: (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، وهو انحصار طريق الهداية في الإيمان وعمل الصالحات والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وما دون ذلك خسرانٌ وإن كان في أعراف العالمين من قِمَمِ الخير والصلاح؛ فموضوع السورة المباركة مصير الإنسان في الآخرة.
لذا، فلو أنَّ إنسانًا كان في أعلى مراتب الأخلاق والتسامح والإنصاف في هذه الدنيا، فهذا لا يعني خروجه من حدِّ الخسران في الآخرة، ما لم تكن أعماله على أسس الإيمان بالله تعالى وأنبيائه والعِترة الطاهرة من آل بيت محمَّد (صلَّى الله عليه وآله).
عن أبي جعفر (عليه السلام)، في حديثٍ، قال: “ذِرْوَةُ الأَمْرِ وسَنَامُه ومِفْتَاحُه وبَابُ الأَشْيَاءِ ورِضَا الرَّحْمَنِ الطَّاعَةُ لِلإِمَامِ بَعْدَ مَعْرِفَتِه؛ إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)[8]، أَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَامَ لَيْلَه وصَامَ نَهَارَه وتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِه وحَجَّ جَمِيعَ دَهْرِه ولَمْ يَعْرِفْ وَلَايَةَ وَلِيِّ اللَّه فَيُوَالِيَه ويَكُونَ جَمِيعُ أَعْمَالِه بِدَلَالَتِه إِلَيْه مَا كَانَ لَه عَلَى اللَّه جَلَّ وعَزَّ حَقٌّ فِي ثَوَابِه ولَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ، ثُمَّ قَالَ: أُولَئِكَ الْمُحْسِنُ مِنْهُمْ يُدْخِلُه اللَّه الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِه”[9].
فالآيات الكريمة من سورة العصر أجنبية تمامًا عمَّا نحن فيه، ولا يمكن الاستشهاد بها على ادِّعاء أصالة الشر في الإنسان. وهنا أمر مهم ينبغي التنبه إليه، خصوصًا لمحاسبة النفس وردعها عن الزيغ والضلال..
جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال: “شَرُّ النَاسِ مَنْ يَرَى أنَّهُ خَيْرهُم”[10]، والظاهر أنَّ من يحاول إظهار الناس في صور السوء، ويصر على نعتهم بما يعيبهم، هو في واقعه يعيش الدونية والعيب، فيعمد إلى إعابة الآخرين ليبدو أفضل منهم، أو لكي لا يشعر بالوحدة في سوئه!
أمَّا الآيات الشريفة من قبيل (وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)[11]، فقد كتبتُ حولها في مقال بعنوان: (الشيعة وقانون الكثرة والقلَّة)[12]، ومن أحبَّ فليُراجِع.
السيد محمَّد بن السيد علي العلوي
20 من ذي القعدة 1440 للهجرة
البحرين المحروسة
………………………………………….
[1] – الموسوعة الحرَّة: ويكيبيديا: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A9_%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86%D9%81%D9%88%D8%B1%D8%AF
[2] – الآيتان 1 – 2 من سورة العصر
[3] – راجع (سيكولوجية الجماهير) لغوستاف لوبون
[4] – الآيات من 7 إلى 10 من سورة الشمس
[5] – الآية 10 من سورة البلد
[6] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 10
[7] – الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 12
[8] – الآية 80 من سورة النساء
[9] – المحاسن – أحمد بن محمد بن خالد البرقي – ج 1 – ص 287
[10] – ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1421
[11] – الآية 110 من سورة آل عمران
[12] – موقع صوت الغدير: http://main.alghadeer-voice.com/archives/5408