التربية والنتيجة ll مقالة لسماحة الشيخ طلال عبد الحميد الجمري

بواسطة Admin
0 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على منبع العلم السليم ومنهاج التربية القويم محمد وآله الطاهرين

إنَّ في القرآن الكريم آيات كثيرة تضع أُسس المنهاج التربوي السليم.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) سورة لقمان.

ومن أقوال أهل بيت العلم (عليهم السلام) في هذا الشأن ما جاء في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: “… وإنك مسؤول عمَّا وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه عزَّ وجل والمعونة على طاعته”.

إنَّ منهج التربية الإسلامية الإيمانية يختلف إختلافاً جذرياً مع أي مدرسة تربوية أخرى؛ حيث إنه تنطلق من عدة مبادئ لا نجدها في غيره، منها:

أولاً: أن التربية وسيلة لا نتيجة:

لا تُطلب التربية لذاتها، وإنما هي وسيلة يُرتجى من خلالها تقويم سلوكيات الفرد بالمنظور الأخص توسعاً على الأهداف بالمنطور الأعم وصولاً للهدف الأسمى، وهو رضى الله والنجاة في الدارين.

ثانياً: إنَّ التربية ليست مقتصرة على الفرد وحده، بل مرتبطة بالمجتمع بل بالكون ككل:

لا يراد من التربية ضبط علاقة الفرد مع نفسه وما يحيطه فقط، بل هي مطلوبة لضبط علاقته بكل ما يتصل به من مخلوقات بشكل مباشر أو غير مباشر، فيتربى الإنسان مع نفسه وتنعكس على غيره من الحيوانات وحتى الجمادات، فهو ليس منفصل عنها، بل لكل ذرة في هذا الكوْن تأثير وتأثر، تأثيرٌ في الإنسان وتأثراً به قال الله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)) سورة الروم.

ثالثاً: هي في طريق الكمال الإنساني:

لا يكون الإنسانُ إنساناً حتى يحيى بإنسانيته، وإلَّا لما كان بينه وبين الحيوانات من فرق، وإنَّ طريق التكامل في الإنسانية يبدأ من أول لحظات التربية، فيكون الإنسان في طور التعلم والتربية حتَّى آخر يوم في حياته؛ فإنَّ طريق التكامل طريقٌ طويلٌ، وهو طريق ذات الشوكة، لتكون النتيجة الأولية استنقاذ الإنسان من براثن الانحراف الفكري والأخلاقي والاجتماعي وغيره حتَّى يصل لأعلى درجات الكمال الإنساني، وكم لنا في أهل البيت (عليهم السلام) من أسوة، وكم لنا في أصحابهم من نماذج يحتذي بها من كان له قلبٌ بصير.

رابعاً: الوصل للنتيجة الأسمى، وهي رضى الخالق سبحانه وتعالى:

لقد أنزل الله سبحانه وتعالى منهاج الصلاح للإنسان وطريقة حق في تربيته نفسه.. أنزل سبحانه أُسُسها – التربية – في القرآن الكريم وبيَّنت جُلَّ تفاصيلها العترةُ الطاهرة، فكانا الثقلين اللذين وصَّى بهما رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم)، ما إن تمسك بهما الإنسان أضحى صالحًا مُصلحًا في نفسه وفي مجتمعه وفي كلِّ ما يحيط به في هذا الكون.

قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.

إنَّ من ركائز الإيمان التربية السليمة، وليس أسلم من منهاج وضعه صانع الإنسان خصوصًا في زمننا اليوم؛ إذ للتربية أثار كبير في خلق حاجز بين الإنسان ومواقعة المعاصي والموبقات في ظل الحرب المعلنة شهارًا ظهارًا على الإسلام والمسلمين وعلى القيم والمبادئ وغيرها مما يحاربون به الإنسان في عمق إنسانيته، فالتردي في وضع المناهج التربوية هو ما أوصل الأمة الإسلامية لحالة التقهقر والانحراف والإلحاد.

للأسف الشديد نرى في مُجتمعنا اليوم حصر التربية في الجانب العقلي (وإن كان هناك تفريق لايتسع له المقام بين الجانب العقلي لنهج أهل البيت (عليهم السلام) والجانب العقلي المُتحصل في المدارس والجامعات) وأُهمل إهمالًا كبيرًا جانب التربية الروحية، ولم نجعل للتوازن بين هذا وذاك سبيلًا، فأنتجنا -ليس إطلاقاً- مهندسًا بلا عقائد، وطبيبًا بلا فقه، ومعلمًا بلا زاد ينجيه في يوم المعاد.. فتكالب علينا القاصي والداني وأصبحنا في تيه، إلَّا ما رحم ربي وهو أرحم الرحمين.

لنا دائمًا في كربلاء المُثُل العليا..

هذا حبيب بن مظاهر (سلام الله عليه) أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر، فقد تربَّى حبيب بن مظاهر (سلام الله عليه) على حبِّ أهل البيت (عليهم السلام) وعلى حبِّ الحسين (عليه السلام) والذي وُعِدَ من أمير المؤمنين بأن شهادته من أعظم الشهادات؛ كيف لا وهي شهادة بين يدي الحسين (عليه السلام) ناصرًا له في الوقت الذي عزَّ فيه الناصر!

أصبح حبيبُ ونصب عينيه الشهادة في سبيل الله من أول يوم جاهد فيه بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يطلب الشهادة.. وعى ذلك وتجسد وعيه في الحب الحقيقي للحسين (عليه السلام) حتَّى تَرجمه بالتضحية والفداء والصبر على البلاء، فكانت له النتيجة البينة في يوم كربلاء؛ إذ أنَّ النتيجة تتبع مقدماتها، فنال بها أعلى الدرجات.

ونحن نذكر حبيب بن مظاهر الأسدي دعونا نُترجم هذا الحب للحسين (عليه السلام) إلى سلوكيات تبقى معنا حتَّى نلقى الحسين (عليه السلام) في مقعد صدق عند مليك مقتدر، دعونا نُترجم كل هذه اللهفة لأيام الحسين وزيارة الحسين (عليه السلام) ونربي أنفسنا أولاً ثُمَّ نلتفت إلى تربية جيل واعٍ وعيًا  كاملاً تامًّا بالحسين (عليه السلام) وسر نهضته والهدف الذي من أجله ضحى هو وذاك الجمع المؤمن الذي تربَّى على منهاج تربية الله لرسوله (صلَّى الله عليه وآله)؛ حتَّى نكون ممن يأخذ بحجزتهم ويمكث في ظلهم والدئمين المسارعين إلى تأدية حقوقهم.

وصل حبيب بن مظاهر (عليه السلام) لما وصل إليه من المنزلة الرفيعة عند الله ورسوله وأهل البيت (عليهم السلام) نتيجةً للتربية الإيمانة المتوازنة بين التربية العقلية والتربية الروحية، ولا يجب علينا أن نوَّجه أقلامنا لتربية الصغار فقط، وإن كانوا هم البذرة الصالحة في كل مجتمع، بل ينبغي التوجه لتربية أنفسنا والمجتمع كبارًا وصغارًا؛ فالكل صغيرٌ في طريق السمو والتكامل، والكل تحت العلم صغير وإن كبر، والكل يتصغار أمام عظمة الحسين (عليه السلام).

والحمد لله رب العالمين

 

طلال عبد الحميد الجمري

6 من المحرَّم 1440 للهجرة

بني جمرة – البحرين

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.