مقالات عاشوراء
أطلق، في البحرين، علماءٌ ومتدينون تحت مظلَّة المجلس الإسلامي العلمائي وجمعية التوعية الإسلامية شعارَ عاشوراء لأوَّل مرَّة في عام 1430 للهجرة، وكان (الحُسين يُوحِّدُنا)، ثُمَّ توالى إطلاق شعار بين يدي كلِّ هلال لشهر الحسين (عليه السلام)، فكان الثاني: (نحو أخلاق الحسين)، ومن بعده (حسينون قرآنيون)، وتلاه (كربلاء.. للإصلاح والسلم)، ثُمَّ (عاشوراء.. الرؤية الفقهية)، وفي 1435 للهجرة كان (عاشوراء تراحم وتلاحم)، أعقبه (كربلاء ثورة.. ثورة دينٍ وعقلٍ وإرادةٍ)، وفي العام التالي (عاشوراء.. للإسلام، للإصلاح، للوحدة)، ومن بعده (إنِّي أحامي أبدًا عن ديني)، وفي العام الماضي (نُصرَتي لكم مُعَدَّة)، وجاء شعار هذا العام (آخِذٌ بِقَولِك)..
شعاراتٌ تتحرَّكُ في مداراتها الكثيرُ من العناوين ذات التفريعات الغنية في نفسها والمُغْنِيَة لما تَعْرُضُ عليه، فلو أنَّنا نتناول للدراسة شِعارَ (الحسينُ يُوَحِّدُنا) مثلًا، لفتحنا باب البحث والتباحث والمناقشة والمحاورة في مفاهيم على مستويات عالية من الأهمية، بل هي مفاهيم تزيل مجموعة من الاشتباهات التي اعتملت اعتمالًا طوفانيًا في المصادمة بين المؤمنين مصادمات ذات طبيعية تمزيقية!!
فلنقل:
ما الفرق بين (الوحدَةِ) و(الواحِدة) و(التوحد)؟
ما العلاقة بين شعار (يوحدنا) وشعار (التعددية)؟
كيف يمكننا تحقيق وحدة الصف مع المحافظة على التعددية المُثرية؟
ماذا لو كان المسلمون قد عملوا قبل كربلاء بمقتضيات (الحسينُ يُوَحِّدُنا)؟
وهكذا الكثير جدًّا من العناوين المهمَّة التي من شأنها صناعة واقع ثقافي وفكري وازن في مجتمع هو في أمسِّ الحاجة إلى منظومة عمل تثقيفي تحصنه من الهجمات المتوالية من عسلان ثقافات الضلال.
(آخِذٌ بِقَولِك)..
يُدرِكُ المؤمنون مدى خطر أعماق شعار عامنا هذا (آخِذٌ بِقَولِك)، لما يتداخل معه، في مقام الامتثال والعمل، من العناوين المُهِمَّة، منها الفقهي، كعنوان (التقية)، ومنها العقيدي، كعنوان (العِصمَة في مقام الإثبات)، ومنها الأخلاقي، وغير ذلك..
من المؤسف أن تفقد هذه الشعارات الرائدة دورها في إحداث التغييرات الثقافية والفكرية الصحيحة في المجتمع؛ بحصرها في الشعارية رسمًا وإبرازًا في بعض التصاميم الفنية وما شابه، في حين أنَّ شانها أكبر من ذلك بكثير.
من هنا، خطر ببالي أن أطرح على الأفاضل من المتصدين لمشروع (شعار عاشوراء) فكرةً تقوم على تحويل (شعار عاشوراء) لكلِّ سنة إلى مادَّة ثقافية تُطلق مداراتها قبل عاشوراء بستَّة أشهر مثلًا، ولا حاجة للإعلان عن الشعار، فالمطلوب هو تناول العناوين المدارية في ندوات ومقالات ومؤلفات وملتقيات ومؤتمرات، وما شابه، على طوال الشهور الستة قبل هلال المحرَّم الذي يُعلنُ بين يديه الشعار المحوري، فيكون فاعلًا في قوابِل مستعدَّة لاستقبال مضامينه بموضوعية وسلاسة.
كما أنَّ من شأن هذه الخطوة التأثير بشكل إيجابي مطلوب في ذائقة وخيارات الشعراء والخطباء، فتتقارب مواضيعهم تلقائيًا بما يحرِّك الشعار في الأذهان والنفوس بشكل أمْكَن وأكثر إحكامًا.
مشروع (شعار عاشوراء) مشروعٌ مهم، وفيه قوَّة الريادة، فليكن تطويره بما يناسب شأنه.
السيد محمَّد علي العلوي
الأوَّل من المحرَّم 1440 للهجرة
قرية عراد – البحرين