مقالات عاشوراء
بسم الله الرحمن الرحيم
إن عصمة الأئمة عليهم السلام كعصمة جدهم المصطفى صلى الله عليه وآله حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)، بل وإن الروايات تذكر أيضاً أن الملائكة تتنزل عليهم، فعن أبي حمزة الثمالي قال: دخلت على علي بن الحسين عليهما السلام فاحتبست في الدار ساعة، ثم دخلت البيت وهو يلتقط شيئا وأدخل يده من وراء الستر فناوله من كان في البيت، فقلت: جعلت فداك هذا الذي أراك تلتقطه أي شيء هو؟ فقال عليه السلام: فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا خلونا، نجعله سيحا [سبحا] لأولادنا، فقلت: جعلت فداك وإنهم ليأتونكم؟ فقال عليه السلام : يا أبا حمزة إنهم ليزاحمونا على تكأتنا.
وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام عن أبيه عن جده قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله: (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)، سأله من كان في مجلسه: يا رسول الله هو التوراة؟ قال: لا، قيل: فهو الإنجيل؟ قال: لا، قيل: فهو القرآن؟ قال: لا. قال عليه السلام: فأقبل أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا هو، إنه الإمام الذي أحصى الله تبارك وتعالى فيه علم كل شيء).
ففعلُ الإمام وقولهُ لا يخرجُ من دائرة هذا العلم الذي أودعهُ الله فيه، فحينما يشربُ الإمام الماء جالساً، ليسَ لرغبةٍ منه في الجلوس، بل لعلمهِ بأهميةِ الشرب جالساً، وعندما يحب صلى الله عليه وآله أكل اللحم، فهذا الحبُ والرغبة فيه ليست كحبّنا ورغبتنا به، وإنما لعلمه بما لا نعلم حيثُ يقول صلى الله عليه وآله: هو يزيدُ في السمع والبصر.
إن الروايات والأحاديث الشريفة التي تذكر جزع وبكاء أئمة أهل البيت عليهم السلام على مقتل سبط رسول الله صلى الله عليه وآله كثيرة، وما روي حثّاً وترغيباً في ذلك أيضاً كثير، فبعضه يذكر الأجر العظيم للمبكي والباكي، وآخر يذكر غفران الذنوب، بل وبعضها يوجب الجنّة له. فما أعظم تلك الدمعة التي تترقرق حسرة وجزعاً على أبي عبد الله عليه السلام، وما أعظم السرّ الذي تحملهُ في طيّاتها، وأثرهُ على النفس والجسد، بل وعلى الكون بأسره، وما أعظمها من عبادة.
يروى عن عليِّ بن أسباط ، عن إسماعيلَ بن منصور ـ عن بعض أصحابنا ـ قال : أشرف مولى لعليِّ بن الحسين عليهما السلام وهو في سقيفة له ساجدٌ يبكي ، فقال له : يا مولاي يا عليَّ بن الحسين أما آن لِحُزنك أن ينقضي ؟ فرفع رأسَه إليه وقال: ويلك ـ أو ثَكَلَتك اُمُّك ـ [واللهِ] لقد شكى يعقوبُ إلى رَبّه في أقلّ ممّا رأيت حتى قال: «يا أسَفى عَلى يُوسُف، إنّه فَقَدَ ابْناً واحِداً ، وأنا رَأيت أبي وجماعة أهل بيتي يُذبَّحون حَولي.
يخرَّ سيد الساجدين وزين العابدين عليه السلام لله ساجداً، ويكون كما روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد)، ومع كل ذاك القرب، وكل ذاك الانقطاع إلى الله، يذكرُ الحسين عليه السلام وكيف قضى وحيداً غريباً عطشاناً، فيبكي في غمرةِ سجوده!! وحاشاه أن يهيمَ بفكره بعيداً ويسرحَ بتفكيرهِ وهو بين يدي الله عز وجل، لذا فلا منافاة بين العبادةِ وذكر الحسين عليه السلام والبكاء عليه، بل هي من صميم العبادةِ، بل وتزيدُ قربَ العبدِ من الله أكثر. كما وأن النهيَ عنها، أو الدعوة لتقنينها دعوةٌ نكراء، تشمئزُ منها قلوبُ الأولياء، لذا فحينما قال مولى الإمام زين العابدين عليه السلام: (أما آن لحزنكَ أن ينقضي)، وكأنما قالها مستنكراً طول بكاء الإمام على أبيه عليهما السلام، قطع الإمام السجاد صلوات الله عليه سجودهُ والتفت إلى مولاه ليقول له: ويلك (ثكلتك أمك!)، وهو الذي ما قطع صلاتهُ وسجودهُ لله قط. فتأملوا..
صادق جعفر
28 من ذي الحجَّة 1439 للهجرة
بني جمرة – البحرين