سنُّ الرشد محور الحلّ ll سماحة الشيخ محمود سهلان

بواسطة Admin
0 تعليق

تحتل مشاكل الزواج القمةَ بين مشاكلنا الاجتماعية عادة، ومن أعقد تلك المشاكل هي تأخّر سن الزواج، بما يحمل من سلبياتٍ عديدةٍ نلاحظ بعضها، وقد نغفل عن بعضها، فلا يخلو الأمر من الآثار النفسية المعقَّدة، والتي يصعب اكتشافها وتعيينها أحيانًا.

 

عند الحديث عن هذه المسألة نواجه بُعدَين متباينين، عادةً ما ينطلق الحديث في هذه المشكلة منهما، حيث يتحدث طرفٌ عن مضارِّ ومخاطر تأخير الزواج، وهو من الواضحات، بينما يتحدث الآخر عن كثرة حالات الطلاق في الزيجات بين صغار السن، ومع تتبع الحالات والإحصائيات نجد كلَّ طرفٍ محقًّا في ما يذهب إليه ولو بنسبةٍ ما.

 

عند الحديث عن المشكلة الأساس وهي (تأخير سن الزواج) والذي وصل لما يتجاوز العشر سنواتٍ بعد البلوغ عند نسبةٍ كبيرةٍ جدًا، نجد الآثار الاجتماعية السلبية واضحةً أمامنا، فالجرائم الجنسية تتكثّر من جهة، والعانسات في تزايد، والعُزْب من الشباب كذلك، مما تترتب عليه أيضًا الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية.

 

فلنتحدث عن حالات الطلاق الكثيرة بين الأزواج من صغار السن -إن جاز التعبير بذلك- فالكثير من العلاقات الزوجية تنتهي بين طليقين لم يبلغا العشرين أو ما زالا في أوائل العقد الثالث من العمر، وهذا ما أُرجعه لتأخّر سن الرشد عمّا خططت المشيئة الإلهية إليه، حيث أنّ الطرفين أو أحدهما يعاني من مشكلة عدم بلوغ الرشد أو قلة التّعقل والحكمة، مما يؤدي لكثرة المشاكل بين الأزواج وارتفاع معدلات الطلاق المبكر، فيتقرّر لدينا مشكلةٌ ينبغي أن نجد لها حلًا للتخلص ممّا ينتج عنها كعدم القدرة على الزواج أو التصرف في الأموال وغيرها.

 

أما تأخّر سن الزواج فله مضار من نوع آخر، تتنوع بين مشاكل نفسيةٍ واجتماعيةٍ كما أسلفنا، فما بين البلوغ التكويني المبكر، الذي يترتب عليه التكليف بأوامر الشارع ونواهيه، وما بين الزواج تقع عدّة سنواتٍ لا تخلوا من المصاعب والمشكلات، فهذه مشكلةٌ أخرى.

 

يتّضح عمقُ هذه المعضلة بالجمع بين أمرين؛ بين البلوغ التكويني المبكر وتأخّر سنّ الرشد، ممّا يجعلنا بين محذورين متفاوتين، يترتّب عليها الكثير من السلبيات في فترة فراغٍ واسعةٍ بين البلوغين.

 

لِحلّ هذه المعضلة ينبغي الرجوع بسن الرشدِ إلى ما ينبغي أن يكون عليه، وهذا ما لا يتحمّله الشبّان والفتيات منفردين، بل أن دورَ الآباء والأمهات وكافة المؤثِّرين في المجتمعات أكبر منهما، فكلُّ فئات المجتمع من رأسها لأقلها دورًا ينبغي أن تساهم في ذلك، وعلى مستوياتٍ عديدة، وخصوصًا في المسألة التربوية والثقافية التي ينشأ عليها الشبان والفتيات، وفي حال استطعنا ذلك سيكون سن الرشد مبكّرًا وقريبًا من سن البلوغ التكويني، مما يُساعد على التخلّص من مشاكل الزواج المبكر -كما يعبّرون- فتبقى أمورٌ أخرى نعمل عليها لنعود بالعوائل للحال الطيب الذي يجبُ أن تكون عليه.

 

في تحديد سنّ الرشد قال صاحبُ الميزان: “قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) النهي عن القرب للدلالة على التعميم فلا يحلُ أكلُ مالِه ولا استعماله ولا أيّ تصرفٍ فيه إلا بالطريقة التي هي أحسن الطرق المتصورة لحفظه، ويمتد هذا النهيُ وتدوم الحرمةُ إلى أن يبلغَ أشده [و] لم يكن يتيمًا قاصرًا عن إدارة ماله وكان هو المتصرف في مال نفسه من غير حاجةٍ بالطبع إلى تدبير الولي لماله. ومن هنا يظهر أن المرادَ ببلوغ أشده هو البلوغ والرشد كما يدل عليه أيضا قوله: (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ)” [تفسير الميزان ج٧/ ص٣٧٦].

 

ولعلّ كلام الشيخ الطوسي قدس سره في التبيان كان أوضح في المراد، قال: “وقال قوم: أنه لا حدّ له وإنما المراد به حتى يَكمُل عقله ولا يكون سفيهًا يُحجر عليه. والمعنى حتى يبلغ أشدّه فيُسلَّم إليه ماله أو يَأذَن في التصرف في ماله، وحُذف لدلالة الكلام عليه. هذا أقوى الوجوه” [التبيان/ج٤/ ص٣١٨].

 

بلوغ هذه المرحلة يسبقها الكثيرُ من الحواجز والعقبات، من أهمها مسألة الدراسة والنظام المتّبع فيها في شتّى البلدان، خصوصًا بملاحظة ما يحتاجه الفردُ الواحدُ من سنواتٍ حتى يُنهي مراحل الدراسة، مع ملاحظة الهدف من هذه الدراسة والدفع المتّجه نحو المادية، وهذا لوحده أمرٌ يحتاج لمناقشاتٍ ودراساتٍ جِدِّية.

 

هناك أمورٌ أخرى لست في وارد الكلام عنها، لا ينبغي تجاهل تأثيراتها السلبية على هذه العلاقة، أعني علاقة الزواج، سواء قبل أو أثناء الزواج، كالتكاليفِ الباهظة للزواج، والنظرة المادية الشاملة للحياة، وغيرها ممّا لا يتسع المجال للاسترسال فيها في هذا المقال.

 

ملاحظة: لو تعمّقنا وتأمّلنا أكثر بتجردٍ لوجدنا أننا نعاني مشكلةً في فهم الحياة، أسَّست لمثل هذه المشاكل وغيرها..

 

محمود سهلان

١٣ صفر ١٤٣٩هـ

٢ نوفمبر ٢٠١٧م

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.