مراجعة كتاب الإيدلوجيّة المقارنة
هويّة الكتاب
عنوان الكتاب: الإيدلوجية المقارَنة
المؤلّف: محمد تقي مصباح اليزدي
المترجم: عبد المنعم الخاقاني
الصفحات: ١٥٩ صفحة
المطبعة: دار المحجّة البيضاء – لبنان
عدد الطبع: الأولى – ١٩٩٢م
الكتاب عبارة عن ستّة عشرَ محاضرة ألقاها الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي و الذي يظهر من مقدّمة الناشر أنّ هذه المحاضرات تحت رعاية أو طلب “مؤسسة: في طريق الحقّ” و كذلك الترجمة و يظهرُ منهاأنّها أُلقيَت بل نُشرت بالفارسيّة في حياة الإمام الخميني إذ ورد فيها ” إلى أن منّ الله العزيز بنصر الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني أطال الله بقاءه” يعني قبل يونيو ١٩٨٩م، و يظهر أنّها تُرجمتفي حياته أيضاً.
و قد وجدتُ في موقع الشيخ محمد تقي مصباح هذه المعلومات:
”صدرت الطبعة الأُولى من هذا الكتاب باللغة الفارسية بعدد
20000 نسخة من قبل دار النشر التابعة لمؤسسة “في طريق الحق”. في شهر شهريور من عام 13٦1هـ.ش (1٤03هـ/1983م). بينما كانت قد صدرت طبعة أُخرى من هذا الكتاب قبل هذا التاريخ؛ أي في13٥9هـ.ش (1٤01هـ/1981م). وتضم حتى الدرس الثامن منه، من قبل مؤسسة في طريق الحق وأُصول الدين، ولقي استقبالاً هائلاً. وبعد انتصار الثورة الإِسلامية وظهور أجواء سياسية وفكرية منفتحة فيالبلاد، استغلت الأحزاب والجماعات المناهضة للإسلام، والإلتقاطية الفرصة لشن هجمة إعلامية حزبية وفئوية لنشر أفكار مادية وانحرافية. وهكذا تجلت للجميع أكثر فأكثر ضرورة تبيين الفلسفة الإِسلامية، حيثأخذ الشباب يتوجّهون نحو المراكز العلمية أفواجاً.
استمرت هذه الدورة على مدى أربعين محاضرة أُلقيت على مسامع مائتي طالب ممن وقع الاختيار عليهم من بين المتقدّمين بطلب المشاركة فيها. وقد بادر الطلبة المشاركون في الدورة إلى إفراغ المحاضراتالمسجّلة على أشرطة التسجيل على الورق وتم إخراج هذه المحاضرات ـ بعد اطلاع الأُستاذ عليها ـ في قالب هذا الكتاب.“
http://mesbahyazdi.com/
القسم الأول: بحوث تمهيديّة
الفهرس الإجمالي
1. توطئة للبحوث التمهيديّة
2. الآيدلوجيّة و الرؤية الكونيّة
3. ألوان الرؤية الكونيّة من حيث المنهجيّة
4. مفهوم الميتافيزيقية
عرض المباحث
التوطئة
وطّأ الباحث لبحوثه التمهيديّة بتوطئةٍ و إن كانت تقع في أسطُر إلّا أنّها مهمّة من ناحية منهجيّة و تتلخّص في نقطتين :
الأولى: موضوع الدراسة : توضيح الإيدلوجيّة الإسلاميّة و موقفها من الماركسيّة؛ و بهذا الخصوص أشير إلى أنّ موضوع بحثه هو خصوص المسائل الأساسية في الإيدلوجيّة و الرؤية الكونيّة بحسب ما سيُبيّنبعد ذلك ، و لكن موضوع الدراسة يختلف عن موضوع الكتاب لأنّ موضوع الكتاب هو نظرية المعرفة الإسلامية بمقارنتها مع الماركسيّة و غيرها فالكتاب يمثّل مقدّمة لدراسة المؤلّف التي أستقربُ أنّها في كتاب”الذود عن حصون الإيديولوجيّة”
الثانيّة :نقطةٌ في منهجيّة الدراسة : و هي بيان المصطلحات و معانيها قبل الشروع في البحث و خاصّةً المصطلحات ذات المعاني المتعدّدة.
و لا بأس بالإشارة إلى أنّ الباحث في عموم الكتاب اعتمد على هذه النقطة فيُبيّن المعنى اللغوي للكلمة ثم المعنى الاصطلاحي سواءٌ كان واحداً أو متعدداً؛ و قد عَلّل ذلك بـأنّه لـ تجنُّب الوقوع في الخلط في الفهم،و هذه نقطة باعتقادي مهمة جدّاً.
و يتأسّفُ الباحث على الاضطرار لاستعمال المصطلحات الغربيّة كـ”الإيديولوجيّة” و سبب الاضطرار هو ضرورة توحيد لغة التفاهم.
و انتهج أيضاً في جُلّ الكتاب عرض الأفكار ثمّ ابداء الملاحظات عليها تأييداً أو تفنيداً
، ولكن لم يصرّح بأنّه سينتهج ذلك.
المباحث
الأول: الإيدلوجية و الرؤية الكونية
ما هي الإيديولوجيّة؟
أوضح أنّ للآيدلوجية اطلاقان :
الأوّل: النظام الفكري المحدّد لسلوك الإنسان
الثاني: النظام الفكري مطلقاً سواءٌ المحدّد لسلوك الإنسان أو المبيّن للواقعيّات الخارجيّة
و عرّف الرؤية الكونيّة بأنّها : النظرة الكليّة التي تدور حول ما هو موجود
فعلى ذلك تكون الإيديولوجيّة بالمعنى الثاني أعمّ من الرؤية الكونيّة فلذلك حنيما تذكر الرؤية الكونية في مقابل الإيديولوجية فيقصد بالإيديولوجيّة المعنى الأوّل.
لماذانبحث عن الإيديولوجية و الرؤية الكونية؟
يرجع الباحث سبب البحث عن الإيديولوجيّة إلى كونها مقوّماً من مقوّمات الإنسانيّة و ذلك أنّ الحيوانات تتحرّك وفق نظامها الغريزي -إن جاز التعبير- فإذا كان الإنسان مقتصراً على مجرّد الغريزة لم يخرُج منحدّ الحيوانيّة إلى الإنسانيّة و باعتبار أنّ الفكر هو المائز للإنسان عن الحيوان فلابُّد له من نظام فكري يكون هو المحرّك للإنسان في حياته و هذا النظام هو الإيديولوجيّة.
و باعتبار أنّ الرؤية الكونيّة هي المؤثّر في وجود الإيديولوجيّة المنسجمة منطقيّاً فلابّد أيضاً من البحث عن الرؤية الكونيّة.
ثمّ يعرُض الباحث جملةً من الآيات القرآنيّة مستنتجاً منها نتائجَ ترتبطُ بالإيديولوجية و الرؤية الكونيّة:
النصوص القرآنيّة :
١/ {إنّ شرّ الدّوابّ عند الله الصّمُّ البُكمُ الذينَ لا يعقلون}
٢/ {إنّ شرّ الدوابّ عند الله الذين كفروا فهُم لا يؤمنون}
٣/ {و لقد ذرأنا لجهنّم كثيراً من الجِنّ و الإنس، لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعينٌ لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك همُ الغافلون}
٤/ {إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَآءِ وَٱلْوِلْدٰنِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً }
٥/ جاء في الحديث: (رحمَ الله امرأىً عرفَ نفسه و علم من أين و في أين إلى أين)
النتائج :
1. أهميّة الرؤية الكونية و الإديولوجية في منظور القرآن و الحديث
2. قيمة الإنسان بالمنظور الإسلامي ترتبطُ ارتباطاً وثيقاً بإيديولوجيته و رؤيته الكونيّة.
و قد اعتبر الباحثُ أنّ القرآن قد قسّم الإنسان على ثلاث أقسام باعتبار إيديولوجيّته و منشئها
(١) المؤمن هو صاحب الإيديولوجيّة الصحيحة
(٢) الكافر وهو صاحب الإيديولوجية الخاطئة ناشئة من التعصُّب.
(٣) الغافل و هو صاحب الإيديولوجية الخاطئة الناشئة من كفّ النفس عن التفكير.
(٤) المستضعف وهو صاحب الإيديولوجيّة الخاطئة الناشئة من القصور سواءّ كان في قواه الإدراكيّة أو نتجَ لممانعة الطاغيين.
و من ثمَّ يبني الباحث على أنّ المؤمن ذا قيمة إيجابيّة و كلّ من الكافر و العافل ذا قيمة سلبيّة أمّا المستضعف فلا قيمة له
فالظاهر أنّ اكتساب القيمة سلبية أو إيجابية يكون بحسب الإيديولوجية الصحيحة و منشأ الإيديولوجيّة المنحرفة
ملاحظة:
أنَّ إيديولوجيّة الإنسان لها اعتباريّة عند الشارع المقدّس كما يظهر من آياتٍ كثيرة و روايات أهل العصمة لكن الذي يبدو من الآيات المسوقة و من غيرها أنّ الإسلام يجعل اعتباريّة للقلب في إدراك الإيديولوجيةفليس إدراك الإيديولوجية من عدمها كافٍ في اعتبار الأقسام بل صدق قلب الإنسان و استشعاره، له مدخليّة في تحديد من أيّ صنفٍ يكون عليه الإنسان؛ فليس مجرّد الإدراك الفكري و ما يمنع من تحقّقه هوالاعتبار في هذه الأقسام .
و بصياغة توفّق بين هذه الملاحظة و قول الباحث أقول: اتفقُ مع أنّ الكافر ينشأ كفره (جحوده) من الغفلة و التعصّب و ذلك يكسبه قيمة سلبية
و أنّ من تأدلج بإيدلوجيّة خاطئة لممانعة الظروف الإجتماعية أو قصور في قواه الإدراكيّة لا يكتسب قيمة سلبيّة كالكافر لكن
اختلف في حدود الكفر و الاستضعاف و أرى أنّ مرجع تحديد كلّ واحد منهما إلى قلب الإنسان فلو كان قلبُ المستضعف التي منعته الظروف من تحمّل الحقّ ملوّثاً بالخُبث -مثلاً – فذلك يكسبه قيمة سلبيّة فحتى لولم تمنعه الظروف فالأغلب أنّه لن يؤمن إلا إذا انتفى تلوّث قلبه و ربّما يصلُ بحالة قلبية تمنعه عن الإيمان بشكل مطلق فيكون ممّن خُتم تلى قلبه، و أيضاً الغفلة و التعصّب يمثّلان مصداقاً لحالة قلب الإنسان
فلو لاحظنا الآيات المذكورة :
{إنّ شرّ الدّوابّ عند الله الصّمُّ البُكمُ الذينَ لا يعقلون}
فالصُمّ يُحتمل فيه احتمالات: الأول أن يُقصد به عدم السماع الناشئ من خلل فيسيولوجي
الثاني: عدم السماع الناشئ من الغفلة القلبيّة
الثالث: عدم السماع للحقّ لعدم توجّههم لذلك
و الفرق بين الثاني و الثالث أنّ الغفلة القلبيّة قد تكون لدرجة الختم فلا يلتفتُ أصلاً للحقّ أما الثالث فهو لم يتوجّه لسماع الحقّ مع إلتفاته للزوم ذلك، و يؤيّد هذا قوله تعالى: {و قالوا لو كُنّا نسمعُ أو نعقِل ما كُنّا فيأصحاب السعير} فالظاهر أن السماع و التعقّل يُقصد به لو كنا اخترنا السماع و العقل ما كُنّا في أصحاب السعير و نسبة الاحتمال الثاني للثالث نسبة العموم و الخصوص المطلق لأنّ الغفلة قد تكون منشأ لعدمالتوجُّه، فالاحتمالان الأخيران هما الراجحان و الثالث هو الأرجح بحسب ما يظهر لي.
و ربّما يُفهم من الآية أنّ منشأ وصفهم بـ الذينَ لا يعقلون هو الصمم و البكم.
و يمكن أيضاً الاستدلال بالآية
{إنّ شرّ الدوابّ عند الله الذين كفروا فهُم لا يؤمنون}
إن قلنا أن الفاء فيها للتفريع لا التعليل فيكون عدم الايمان مترتب على الكفر فلابُّد على ذلك من القول أنّ الكفر غير عدم الايمان و يمكن ذلك إن فسّرنا الكفر بالحالة القلبيّة الموجبة لعدم الإيمان أيّ أنّ القلبمتلبّس بحالة جحوديّة تستلزم عدم تقبّله للإيمان
و يكون الاستدلا على المدعى أوضح من هذه الآية:
{و لقد ذرأنا لجهنّم كثيراً من الجِنّ و الإنس، لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعينٌ لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك همُ الغافلون}
فقد قال تعالى: {لهم قلوب لا يفقهون بها } و اعتبار أنّ المعنى المستعمل للقلب هو العقل خلاف الأصل وهو الاستعمال الحقيقي للفظ فيحتاج لدليل لإثبات ذلك فعليه يكون المعنى بحسب الآية هو القلب الذي هوموطن الشعور للإنسان؛ فيصير المعنى أنّهم لا يفقهون -أي يفهمون فهماً دقيقاً- بقلوبهم فكأنّما هناك نحوٌ من الفهم ينشأ من شعور الإنسان فإمّا أنّ أولئك لا يشعرون فبالتالي لا يفهمون أو يشعرون لكن غافلين عنشعورهم فلا يفهمون
أو أنّهم يشعرون و ملتفتين لكن لا يعوّلون على ذلك الشعور في فهمهم.
ثمّ يبيّن أن مسائل الرؤية الكونيّة التي ستكون محور دراسته
ثلاثة :
معرفة الوجود ، معرفة السبيل ، معرفة الإنسان
ثمّ يطرح الباحث سؤالاً أو إشكالاً و يجيبُ عليه أعتقده جديراً بالنظر و هو: إنّ مسائل الرؤية الكونيّة لا تكون ذات قيمة رفيعة إلّا إذا كنّا منذ البدء مطمئنين إلى أننا سوف ننتهي إلى نتيجة إيجابيّة و أما مععدم الاطمئنان إلى حلّها فالأفضل أن نقتفي أثر علوم توفّر لنا نتائج يمكن الإطمئنان إليها.
فالإشكال واقع على نقطتين :
الأولى: القيمة العاليّة للمسائل تكتسب من الإطمئنان من التوصّل لحلّها
الثانيّة: أن الإطمئنان هو الدافع لحلّ و معرفة المسائل
فعلى ذلك لو جاء شخصٌ و قال بأنّه غير مطمئن لحلها فلا دافع عنده لمعرفتها و لا قيمة لتلك المسائل بالنسبة له.
و أجاب بأنّ: قيمة المسائل ترجع لأمرين :
قوّة الاحتمال و قوّة المحتمل فحتى لو كانت قوّة الاحتمال ضعيف فقوّة المحتمل قد ترفع من قيمة المسألة و يمثّل الباحث بمثال:
لو فرضنا أنّ قوّة احتمال الربح في مشروع معيّن ١٠٪ و في آخر ٢٠٪ لكن الربح من المشروع الأوّل بعشرة أضعاف المشروع الثاني (قوّة المحتمل أعلى في المشروع الأول) فسيكون المشروع الأول أعلىقيمةً من الثاني و سنندفع لتحقيقه.
معادلة المشروع الأوّل:
(قوة الاحتمال)١٠ ضرب (قوة المحتمل) ١٠ = ١٠٠
معادلة المشروع الثاني:
(قوة الاحتمال)٢٠ ضرب (قوة المحتمل) ١ = ٢٠
و من ثمّ قال أنّ قوّة الاحتمال بالنسبة لحلّ مسائل الرؤية الكونية مهما كان ضعيفاً فقوّة المحتمل التي هي لا متناهيّة فتكون قيمة المسائل لا متناهيّة.
(قوّة الاحتمال) ١ ضرب (قوّة المحتمل) لا متناهي= لا متناهي
ملاحظة:
إنّ الجواب الذي ذكره يمثّل ردّاً على الإشكال في شقّه الأوّل وهو قيمة المسائل الكونيّة أمّا في شقّه الثاني و هو الدافع لبحثها فلا يجيب عليه باعتبار أنّ دوافع الإنسان خاضعة لاعتبارات عقلائيّة لا عقليّة دقيقةفإنّ هذا الحساب الرياضي للقضيّة لا يخلق في نفس الإنسان عمليّاً الدافع نحو المعرفة إن كان الاحتمال ضعيفاً جدّاً مهما بلغت قوّة المحتمل، فالعقلاء لا يلتفتون عمليّاً للاحتمالات الضئيلة جدّاً في حياتهم و لايرتّبون عليها الأثر فتعامل معاملة العدم فالمحرّك للإنسان ليس مقتصراً على قوّة المحتمل بل قوّةُ الاحتمال لها الحظّ الأوفر في التحريك و يمكن القول أنّ دخول المحتمل في غرض الإنسان هو المقتضي للتحريكو شرط التحرُّك قوّة الاحتمال فلو كان ضعيفاً جدّاً فلا حركة، و في المقام أعتقد أنّ مسائل الرؤية الكونيّة لها قوّة احتمال يعتدّ بها بالنظر لتاريخ الإنسان معها.
الثاني: ألوان الرؤية الكونيّة
يقسّم الرؤية الكونيّة باعتبار المنهج الذي يمكن التوصّل به لها و يُسبقُ ذلك ببيان المفاهيم المتعلّقة بتلك المناهج كمقدّمة لتصوّر التقسيم بشكل دقيق:
فأولاًً: يوضح مجموعةً من المفاهيم بذكر معانيها لغةً و اصطلاحاً و نقتصر في المقام على المصطلح اختصاراً :
1. العلم و له عدّة اصطلاحات :
١/ الاعتقاد اليقيني .
٢/ مجموع المسائل التي لها موضوع عام .
٣/ مجموع المسائل التي يمكن إثباتها بالنهج التجريبي.
2. الفلسفة و لها اصطلاحين: قديم و حديث
١/ القديم : هو الشامل لكل العلوم الحقيقية.
٢/ الحديث : و المقابل للعلم التجريبي.
3. الدين: مجموعة من العقائد و المسائل الأخلاقيّة و الأحكام و القوانين الفرديّة و الإجتماعيّة.
4. العرفان: المعرفة الحاصلة عن الطريق المشاهدة القلبيّة.
ثانياً : أقسام الرؤية الكونيّة من حيث المنهجيّة:
1. الرؤية الكونيّة العلميّة: و هي الرؤية الكونيّة التي تستخرج من نتائج العلوم التجريبيّة.
2. الرؤية الكونيّة الفلسفيّة: و هي التي يتمّ إثباتها بالطريقية العقليّة.
3. الرؤيّة الكونيّة الدينيّة: هي التي يتم إثبات مسائلها بالوحي.
4. الرؤية الكونيّة العرفانيّة: هي التي يتم كشف مسائلها بالمعرفة القلبيّة.
ثالثاً: أيُّ المناهج هو الصحيح للوصول للرؤية الكونيّة؟
و أجاب الباحث بإجابة مفصّلة متعرضاً لكلّ رؤية كونيّة و قد أرجعَ فيها جميعَ الرؤى للرؤية الفلسفيّة و يمكن تلخيصها و بيانها في التالي:
هو أنّ مفهوم الرؤية الكونيّة كما تقرّر سابقاً : النظرة الكليّة التي تدور حول ما هو موجود، و الفلسفة هو العلم الباحث عن الموجود فالرؤية الكونيّة و الفلسفة متّحدان موضوعاً فلابّد لكلّ رؤية كونيّة مثبتة بنهجٍآخر أن ترجع إثباتاً للرؤية الفلسفيّة، فالدين و العرفان لا يكونان إلّا بالفلسفة إثباتاً- لا ثبوتاً- أمّا الرؤية العلميّة فليس للعلم أن يتحدّث عن الوجود لأنّه خارج نطاق موضوعه فلابُّد من توسُّط الفلسفة للإستفادة منالنتائج العلميّة.
الفلسفة العلميّة
و عرض الباحثُ للفلسفة العلميّة موضّحاً و ناقداً باعتبارها من مبتنيات المذهب الماركسي و أسبق ذلك ببيان جملة من المصطلحات المشابهة لها أو المتحدة معها و نعرض عنها اختصاراً
يوضحُ الباحث الفلسفة الماركسية بنحوٍ مختصر كالتالي: يزعم الماركسيون أنّ الفلسفة الصحيحة هي القائمة على دراسة نتائج العلوم التجريبيّة من خلال أخذ القوانين العلميّة و تعميمها على كلّ الطبيعة و المجتمعو التأريخ و الفكر الإنساني فيؤخذ جدول مندليف في الكيمياء و مراحل تطور الأنواع عند داروين و يُستنبط منهما قانون تكامل أو تحوُّل الطبيعة بصفته قانوناً فلسفيّاً عامّاً و يعمّم على المجتمع و التأريخ فيُتنبأبتحقّق المجتمع اللا طبقي الذي هو آخر مراحل تكامل المجتمع وفق النظريّة الماركسيّة.
ثمّ وجّه نقداً حادّاً بعض الشيء لها و ملخّصه:
1. الفلسفة تتمايز عن العلم منهجاً و موضوعاً فلا وجه للتسميّة بالفلسفة العلميّة و إنّما يدّل ذلك على عجز مبتكريه و خداعهم.
2. باعتبار أنّ الطابع العلميّ اكتسب قيمة فائقة نتيجةً لهيمنة العلوم التجريبيّة و قد يوهم الاشتراكُ اللفظي بعض الناس بأنّ مالا ينطبع بهذا الطابع لا قيمة له لأنّه ينتسب للجهل.
3. أنّ تعميمَ قوانين العلم خداعٌ لا ينطلي على أصحاب النظر ؛ و ذلك لأنّ القوانين الفسيولوجيّة مثلاً لا يمكن تعميمها لتشمل المادّة و الطاقة و لا القوانين السيكولوجيّة لتشمل الموجودات غير الحيّة.
ملاحظة:
أولاً: عبّر الباحث بجملة من التعبيرات -كالخداع- أظنُّ التعبير بها مخالفاً للموضوعيّة، فكان حريّاً بالباحث التعبير بغيرها، و ربّما سبب ذلك أنّ هذه الدراسة عبارة عن محاضرات قرّرها الطلبة فلعلّ الباحث كانمراعياً للظروف في حينها و ما تستدعي من أساليب خطابيّة.
ثانياً: اتفقُ معه في النقطة الثانيّة و اعتقدها مهمّة كيّ يُتعامل مع الفلسفة بشكل موضوعي.
ثالثاً: لا أجدُ إشكالاً في دراسة القوانين الثابتة بالتجربة دراسةً فلسفيّة لاستنباط قانون عام يشمل التأريخ و غيرها إن فرضنا مثلاً ثبوتَ مقدّمة فلسفيّة تقضي بوجود ممثالة بين القوانين الطبيعيّة و التأريخيّة والوجوديّة، فلا إشكال على مستوى هذا الفرض، نعم قد يرد الإشكال على إثبات هذا الفرض.
فعدم الإمكان للتعميم -إن أُثبت- إنّما هو على مستوى الإثبات و الدليل لا على مستوى الثبوت و التصوّر.
الثالث: الميتافيزيقية
يدرُس الباحثُ هذا الموضوع من ناحية مفهومه و يظهر من توطئته للموضوع أنّ سبب البحث من كون الماركسيين قد اتخذوا آنذاك مصطلح الفلسفة الميتافيزيقيّة رمزاً للفلسفة الخالية من القيمة و المعنى مشنّعينبه على غيرهم فعرَض الباحثُ هذا المصطلح من عدّة أطراف :
أولاً: معناه لغةً و أصله التأريخي
ثانياً: معناه اصطلاحاً
ثالثاً: هل يقابل مفهومُه مفهومَ الدياليكتيك ؟
رابعاً: أسباب الريبة في النظر لهذا المصطلح أو لمَ يُعتبر هذا المفهوم عند بعض العلماء بلا قيمة ؟
خامساً: محاكمة موقف الماركسيين من الميتافيزيقيا
و أعُرضُ اختصاراً عن عَرْضِ الجهة الأولى.
• الميتافيزيقيا اصطلاحاً: هي العلم الباحث عن أحكام الوجود العامة كالعلة و المعلول و الوحدة و الكثرة و غيرها فهو يرادف الفلسفة بالمعنى الحديث
• و على ذلك لا يتعارض مفهوم الميتافيزيقيا مع الدياليكتيك، فإذا كانت قوانين الديالكتيك قوانين عامة للوجود فهي تندرج تحت الميتافيزيقيا
• أمّا سبب الارتياب من الميتافيزيقا من البعض فقد أرجع الباحث ذلك لتأثير فلسفتين الأولى فلسفة «كانت»النقديّة التي تؤكّد قصورَ العقل النظري عن إدراك القضايا الميتافيزيقية و تعتبرها مسائل جدلية والثانيةالفلسفة الوضعيّة لـ«أوجست كونت» التي تقضي بأنّ المفاهيم الميتافيزيقية ألفاظ فارغة من المعنى.
• يلاحِظُ الباحثُ على موقف الماركسية من الميتافيزيقا جملة من الملاحظات:
1. إنّ الاعتماد المنهج الحسي و الاقتصار عليه يعود بالإنسان إلى الحدود الحيوانيّة و استشهد أو قرّب ذلك بقضيّة موسى عليه السلام و القوم الذين أرادوا رؤية الله ثم عبدوا العجل.
2. اتخاذ المنهج التجريبي أساساً و رفض النهج التعقلي يقتضي السكوت و عدم ابداءِ موقفٍ نفياً أو إثباتاً في القضايا المجرّدة لأنها خارجة عن موضوع منهجهم.
3. هناك من القضايا التي هي غير قابلة للرفض كـاستحالة اجتماع النقيضين و هي لا تدرك بالحس فلا يمكن إثباتها به و لابّد من قبولها و استشهد بأمثلة على ذلك.
4. أنّ القوانين التجريبيّة و الرياضية التي هي كليّة و عامة لكل زمان و مكان لا يمكن أن تثبت عموميتها بمجرّد التجربة؛ لأنّ التجربة تثبت ما أثبته الحس أما ما سيكون و ما كان سابقاً كيف يمكن أن يّدرك بالحسّ.
يذيّلُ الباحثُ بحوثه التمهيديّة بـ«تلخيصٍ و تعقيب»
تستوعبان محاضرةً كاملة؛ يلخّصُ فيها الباحثُ نتائج ماسبق في ثلاثِ نقاطٍ ثمّ يُتبعها بإشكالاتٍ حول البحث الفلسفي عن الإيديولوجيا و العمل بها و يجيبُ عليها بإجاباتٍ تعدّدت أسلوباً و كيفيّةً فبعضها كان نقضيّاو الآخر حليّاً و بعضها اتسّم بالخطابيّة و الآخر بالعلميّة.
النتائج:
١/ تتوقف قيمة الانسان على تمتعه بإيديولوجية صحيحة.
٢/ الإيديولوجية الصحيحة تحتاج لرؤية كونية واقعيّة.
٣/ أسس الرؤية الكونيّة منوطة إثباتاً بالمنهج الفلسفي العقلي.
بناءً على النتيجة الأولى تُطرح إشكالاتٌ على النتيجتين و حاصلها أننا نجد من يتسلحون بإيديولوجية صحيحة بلا رؤية كونية و لا بحث فلسفي و في المقابل نجد من له رؤية كونية و بحث عقلي قد ضلّ طريقه وأيضاً نجدُ من يعترفُ بإيديولوجيّة صحيحة و لا يعمل بها فعلى ذلك أليس خيراً بنا أن نبتعد عن الأبحاث النظرية و نركّز على الجانب العملي؟
أما الإجابات فيطول المقام في عرضها، فعلى من أحبّ أن يُراجع.
القسم الثاني: علم المعرفة
في هذا القسم من الكتاب سأسيرُ في عرضِ الكتاب بنمطٍ يختلف عن القسم الأوّل؛ إذ سيكون العرض عرضاً توصيفيّاً لسير الباحث في مباحث الكتاب.
يبرّر الباحثُ بدأً بحثه في نظرية المعرفة أولاً بكونها مقدّمة ضروريّة لخوض البحث في مسائل الرؤية الكونية
فهل للإنسان أن يُدرك الأشياء إدراكاً واقعيّاً ؟
و كيفَ يُدركُ ذلك؟
و قبل شروعه في الإجابة على هذه الأسئلة التي تمثّل اللبنات الأولى لعلم المعرفة و نظريّتها يقدّم بمجموعة من المقدّمات حول المعرفة فيشرحُ مفهوم المعرفة و يبيّنُ الدوافع الأولية للمعرفة بشكل العام و معرفةالمسائل الرؤية الكونية بشكل خاصّ و يعقّب ذلك بالحديث عن موضوع علم المعرفة و منشأ نشوءه و يضمّن ذلك بالإشارة لأنواع الإدراكات البشرية من إدراك حسّي ظاهري و إدارك باطني و إدراك عقلي كمقدّمة للأبحاث التالية في علم المعرفة ثمّ يفرّق بين البحث الفلسفي في المعارف و الإدراكات و البحث الفيسيولوجي و السيكلوجي لها خاتماً بها مقدّمته.
ثم يشرعُ في أولى مسائل المعرفة و هي هل هناك واقع وراء إدراكاتنا ؟ و في الإجابة عليه يعرض لمحة تاريخية عن مذهب الشكّ في ثلاث مراحل ثمّ يلاحظ ملاحظات على الشكّيّة و آراءهم.
يتحدّث بعدها عن المثالية و الواقعيّة و كان حديثه فيها -بحسب الظاهر- يستهدفُ أمران :
(١) الجهة المعرفيّة (الأبستومولوجية) و هي المثالية و الواقعية المرتبطة بإنكار الواقع أو الإقرار به.
(٢) الردّ على الماركسيّة في مقابلتهم بين الماديّة و المثالية.
ففرّق بين المثالية و الواقعية و عدّد معانيها فذكر إشارةً المعنى في الفنّ و الأدب ثمّ معانيها في الفلسفة شارحاً لما يتعلّق بفهمها و أعتقد أنه عموماً وفّق لشرحها شرحاً جيّداً فذكر مثالية أفلاطون وواقعيّة أرسطو،و مثالية باركلي، و مثالية هيجل و موضّحاً جانبها (الأبستمولوجي) المعرفي فيها. و ضمّنها ردوداً على بعض جهات تلك المثاليات.
بعدما بحثَ وجود الواقع الخارجي مثبتاً شرع في بحث العلم به فهل للإنسان أن يعرفَ الواقع الخارجي بحقيقته أولا؛ فيعرفَ الخارج من خلال رموزه و ظلاله فلا يدركه كما هو ؟
فذكرَ شارحاً المذاهب في ذلك: اللاأدريين، و المشككيين الدوجمائين، و اعتبر النسبيين الذاتيين من اللاأدريين؛ و لا يمكن عدّ شرحه لها شرحاً مستوعباً لأطرافها و ذلك لوجازة الدراسة التي ارتجاها فقد كانشرحاً يوضحُ الصورةَ إجمالاً، و عقّب بعدُ بـ موقع الشيوعية من بين هذه المذاهب و أيُّها تتبنى و ترفض، مُدرِجاً نصوصاً لأتباعها كـ «لينين» و «روجيه غارودي»
ثم أشار إلى أنّ النظرية الرمزية -التي اعتبرها من مباني اللاأدريين- لا تمثّل مُشكلاً مع أصالة العقل بل تكون كذلك مع أصالة الحسّ.
و بعدما ناقشَ إمكان المعرفة مثبتاً لها عموماً شرع في بحثِ حدود هذه المعرفة الممكنة من جانبين:
الأوّل: الأفراد التي تشملها المعرفة الممكنة؛ فهل كل الواقعيات يمكن معرفتها أولا؟
الثاني: مستوى كشف الواقع؛ فهل المعرفة تطابق الواقع تماماً أولا؟
و قدّم ببحثِ وسائل المعرفة و النزاع في أصالة الحس و العقل
مبيّناً معاني الحس و العقل و التجربة -كما هو نهجه-
و قد بحث قبل بحثِ «أصالة الحس و العقل» في إدراك العقل للكليات مسجّلاً ملاحظاتٍ نقضية على الفلسفة الوضعية
و بسط البحثَ في الكلي فصنفه للمعقول المنطقي و الفلسفي و الماهوي و بيّن كيفيةَ إدراك العقل لها
ثمّ شرعَ في أصل المسألة فقسّم بحثها على قسمين:
الأصالة في التصورات و الأصالة في التصديقات
و ذكر أنّ في كلا البحثين عندنا حسّيين و عقليين
و عرض ثلاث نظريات للعقليين في أصالة في التصورات
«أفلاطون» و «ديكارت» و «كانت» مُبدِياً على الأول و الأخير نقدَه.
و يمكن القول: أنّ نظرية أفلاطون في إدراك الكليات بواسطة الاستذكار هي تفسير أنطلوجي أو نفسي فلسفي للمعرفة و ليس تفسيراً أبستمولوجيّاً في عمومها لذلك نجدُ أنّ نظرية أرسطو في التجريد و الانتزاع لاتنافي هذه النظرية لإمكان أنْ يكون التجريد و الانتزاع مُعدّاً أو سبباً للاستذكار الأفلاطوني، فنظرة أرسطو للمعرفة من حيث هي معرفة و إدراك، أمّا نظرة أفلاطون لها من حيث وجودها في نفس الإنسان أيّباعتبارها ظاهرةً موجودةً في نفس الإنسان فيبحثُ في وجود النفس و علاقته بوجود المعرفة فالبحثُ ذاتاً في المعرفة كموجود في النفس و تبعاً يُتعرّض لجهة خصائصها المعرفيّة من التصوّر و التصديق والاستذكار
و أنبّه بأنّي لا أعني الانفصال بين الجهات و عدم التداخل بينها بشكلٍ مطلق بل أُلفتُ إلى أنّ هذه الجهة -أي الأنطلوجيّة- تختلف عن جهة بحثنا فإنّ كان لها ثمرة كان بحثُها في محلّه و إلّا فلا داعي لإقحاماهالخروجها عن حيثية البحث -و إن اتّحدت موضوعاً-؛ إذ المسوّغ المنطقي لدخولها مع خروجها عن جهة البحث هو دخولها في غرضه و تُعدّ حينها من المبادئ التصديقية للعلم و ليس من مسائله.
و بعدُ عرض لأربع نظريات في أصالة الحسّ في التصورات لأربع من الفلاسفة الحسيين:
«جون لوك»، «كندياك»، «باركلي»، «هيوم» و قد سجّل على الجميع ملاحظاته تأييداً و تفنيداً و توفيقاً.
ثمّ عرض أصالة الحسّ عند الماركسيين واصفاً لها بأنها فاقدة للانسجام و الدّقة اللازمة و معتبراً أنّها فلسفة إسميّة هرب أصحابها من لوازم الاسميّة، و قد عرضها من خلال نصوص جملة من أعلامها منهم«لينين» و «ماركس» و «روجيه غارودي» و غيرهم، وبعده وجّه لهم نقداً مطوّلاً نسبياً.
و ختم بحثه في التصورات في محاضرةٍ كاملة بعنوان:
”إزالة إبهام عن موضوع البحث“
يستهدفُ منها الباحثُ تحديد محلّ النزاع بشكل دقيق متوسّلاً بطرحِ ثلاثِ أسئلة مختلفة في هذا الإطار :
الأول: هل يوجد إدراك عقلي؟
ثانياً: إذا ثبت الإدراك العقلي ما هي علاقته بالإدراك الحسّي هل هي كنسبة الخشب الكرسي أو كنسبة الكيفية الخارجيّة إلى الصورة الحسيّة في إدراكنا؟
ثالثاً: هل يحتاج الإدراك العقلي للحسي؟
و أرجع جواب الأوّل لما سبق و أعرضَ عن الثالث معيّناً الثاني هو محلُّ النزاع و مشكلُ البحث.
و بعدها أفرد عنواناً لتحقيق المسألة بحسب ما يرى مُتِمّاً بذلك بحثه في التصورات.
يشرعُ الباحث في بحثِ ما هو الأصل في التصديقات؟
مقدّماً مقدّمات منطقيّة(من علم المنطق) يبني عليها تحقيقه للمسألة و النتيجة التي يصلُ لها و معيّناً محلّ النزاع و موضوع البحث، غيرَ عارضٍ للنظريات الأخرى؛ فلا الماركسيين نالوا قسطاً من البحث و لاغيرهم، و به يختمُ البحث في وسائل المعرفة.
ثمّ يرجعُ الباحثُ للموضوعه الرئيسي في حدود المعرفة فكلّ ما مرّ يمثّل مقدّمات و مبادئ للإجابة؛لكنه اقتصر على بعضِ الأسئلة التي طرحها سابقاً و لا يُجيب على الجميع و تركّز بحثه في اعتبار أنّ المعرفةالحسيّة لا يمكن من خلالها إدراك الواقع بشكل كامل بل إنّما ندرك جانباً منه مولياً المعرفة العقليّة قيمةً عُليا و معتبراً المعرفة الحسيّة محتاجةً للإدراك العقلي، و في الخِتام نبّه بملاحظتين مجيباً على إشكالاتٍ عنقيمة المعرفة العقلية و ارتباطها بالقرآن.
خلاصة النتائج في علم المعرفة:
• الواقع يمكن أن يُعرف.
• وسائل المعرفة غير منحصرة في الحسّ.
• الأصالة في التصورات للعقل بمعنى أنّ العقل مستقلّ عن الحسّ في الإدراك فليس نسبةُ الإدراكين كنسبة الخشب للكرسي فالعقل لا يغيّر الإدراك الحسيّ بل الحسّ يهيّء للإدراك العقلي لا أكثر.
• الأصالة في التصديقات للعقل بمعنى أنّ العقل أولاً يؤثر في التصديق بالحكم، ثانياً العقل مستقلٌّ في إثباته عن الحسّ، ثالثاً التجربة مفتقر للعقل لإثبات كلية القضايا و ضروريّتها.
• حدود المعرفة الحسيّة: أولاً الحسّ يدركُ مظاهر من الواقع المادّي و ليس كلّه، ثانياً كثير من الحقائق العلميّة تثبت بالحسّ و العقل لعدم إمكان الإدراك المباشر لها.
• مختصّات المعرفة العقليّة: أولاً إدراك القضايا المنطقيّة، ثانياً: إثبات القضايا الفلسفية، ثالثاً: إدراك غير الماديّات.
ملحوظات و تقييم
أولاً: يُلاحظُ على عنوان الكتاب هو ”الإيديولوجيّة المقارنة“ لكن الحديث عن الإيديولوجيّة لم يستغرق إلّا رُبعَ الكتاب هذا من جهةً و من جهةْ أخرى لم يُقارن بين الإيديولوجية الشيوعية و موقف الإسلام منها كمااعتبر كونه موضوعاً لهذه الدراسة، فأعتقد أنّه ينبغي ضمُّ الكتاب لحلقات أخرى لتتميم الدراسة.
ثانياً: من ناحية منهجيّةِ معالجة الباحث للمسائل هناك عدّة نقاط :
- أجدُه انتهاجه لتحديد المفاهيم قبل الخوض في الأبحاث نقطة موفّقة جدّاً
- وُفِق لحدّ ما في تصوير المسائل و شرحها؛ فهو يعرض المشكلة بأكثر من صياغة و يحاول تفكيك المسائل و مراحل البحث، وكذلك عرضه لبعض الجوانب التاريخية للمسألة أظنّه بمقدار مناسب.
- عرض النظريات لم يكن وفق منهجيّة واحدة كما رأينا في أصالة في التصورات فعرض ثمان نظريات غير ما يتبناه و في أصالة في التصديقات لم يتعرّض حتى للنظرية الماركسيّة، و من جانبٍ آخر لمأجد العرض لها وافياً -و إن كانت تعطي صورة إجماليّة- و من جانبٍ ثالث عرض الفلسفة الماركسيّة في عدّة مباحث من خلال نصوص أصحابها نقطةٌ تحسب له.
- لم أجد في عرضه عموماً للنظريات إظهار ميول لقبول أو رفض النظرية إلّا النظرية الشيوعية فربّما أظهر رفضه لها.
- هناك بعض التعبيرات كانت خارج نطاق الموضوعية خصوصاً بالنسبة لموقف الماركسية؛ و احتملتُ أن يكون من تأثيرات الظرف في تلك الفترة و ما تقتضي من أساليب خطابيّة.
- انتهج في عموم الكتاب منهج النقد و تسجيل لملاحظات على النظرية فلا يبدأ بطرح نظريته و مبناه، و لكن اتسمت جملة من ملاحظاته بالأسلوب الجدلي التبكيتي و قد يظهر منها انفعال الباحث فيمكنالقول أنّ معالجته لم تكن بالأسلوب الفلسفي، و من ناحية أخرى كانت تلك الملاحظات في الأغلب تفنيدية مع إمكان التوفيق أو محاولة إبراز الجانب الصحيح في النظرية المقابلة الذي اقتضى تصديق أهلهابها، و هذا يمكن إرجاعه لما ذكرناه سابقاً؛ إذ كان الانفعال يظهر عند مناقشة الشيوعيين خصوصاً.
ثالثاً: الكتاب لم يُجب على جميع ما طرحه من أسئلة لذلك أَعدّه حلقة أولى من حلقات سلسلة.
رابعاً: كانت المنهجيّة المنطقيّة و الاعتماد على علم المنطق الكلاسيكي بارزة في الكتاب بشكل واضح، فلذا ينبغي الاطلاع عليه لفهم الكتاب على أقلّ تقدير.
أقيِّم الكتاب بثلاث نجوم لما تقدّم.
أبو الحسن الجمري
الأربعاء، ٧ يونيو ٢٠١٧م
١٢ رمضان ١٤٣٨هـ