مؤامرةٌ، هي: “تواطؤٌ بحبكِ مكيدةٍ تُدبَّرُ في الخفاء للقيام بعمل معادٍ ضدَّ نظام حكمٍ أو شخصٍ، أو لارتكاب جريمةٍ”. (معجم الغني، لعبد الغني أبو العزم).
لا بد لي بدايةً من الإشارة إلى أنَّه لا يُعنينا مفهوم الآخرين لمصطلح (المؤامرة)؛ فما نذهب إلى نحن كمسلمين هو أنَّ قوَّةً عالمية تستفرغ جهدها للإطاحة بالإنسان وإبعاده عن طريق الخير، وهي قوَّة إبليس الذي توعد قائلًا: (قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ* قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)، وأيضًا: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)، وكذلك: (وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ).
إذًا، فهناك مخطَّطٌ حقيقي تحدَّى به إبليسُ الرجيمُ اللهَ سبحانه وتعالى، ومن أجله جندَ جِنًّا وإنسًا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ)، فكان لهم أتباع يتبعونهم ويشتغلون لهم ولأجل مشروعهم (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ)، فهل نعي الآن حجم المؤامرة التي تواجهها الإنسانية منذ الحلق الآدمي الأول؟ وهل نعي مدى الإنجازات التي حقَّقها إبليس وجنوده منذ البعث الأول؟
إنَّها مؤامرة كبرى تقوم على أسس أوضحها القرآن الكريم، وهي:
1- استهداف الناس على الصراط المستقيم لغرض حرفهم عنه بكل طريقة وسبيل.
2- الحصار المحكم ضد سلوك الإنسان للصراط المستقيم.
3- عزل الحياة الدنيا عن الغيب والآخرة (وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ).
4- إلصاق الإنسان بالأرض بتزيينها.
5- التأكيد على مبدأ الغواية.
6- طول الأمل في الدنيا.
7- العبث في خلق الله والنظم التكوينة.
لنا أن نسأل الآن:
من يُنكِرُ نظرية المؤامرة؟ ما هي طبيعة موقعه في المجتمع؟
يُنكرها -بحسب تتبعي- من لا يتمكن من التفكير خارج الإطار السياسي والاقتصادي لهذا العالم الدنيوي، وعندما أقول: السياسي والاقتصادي، أقصد بالتبع والاشتمال التصنيع والتكنلوجيا والترفيه وكل ما يخدم الرؤية القيادية العليا التي أشرتُ إلى بعض ملامحها في المقال السابق.
يُنكِرُها من ينادي ليل نهار بضرورة عزل الرؤية الإسلامية -خصوصًا- عن الدولة سياسةً واقتصادًا واجتماعًا وتربيةً وما نحو ذلك.
يُنكِرُها من لا يتمكن أن يرى التقدم والتطور في غير العقل المادي وما يُنتج.
يُنكِرُها من يعمل لدنياه كأنَّه يعيش أبدًا، ويؤمن بأنَّ عمله لدنياه هو عين عمله لآخرته.
يُنكِرُها من يدافع باستماتة عن الشك واستحالة اليقين، وبالتالي استمرار التغير والتبدل في كلِّ شيء.
يُنكِرُها من يُنكر كونه مُنكِرًا، ولكنَّه يعيش كلَّ مبادئ المؤامرة وينفذها في عناوين الحياة من آلفها إلى يائها.
نحتاج إلى تأمل هذا المقال بهدوء بعيدًا عن التساؤلات أو أي إثارات.. فقط نحتاج الآن إلى تأمله حتَّى الأسبوع القادم لنتحدث إن شاء الله تعالى حول مناشئ إنكار نظرية المؤامرة ودور الحداثة في هذا الإنكار.
السيد محمَّد علي العلوي
1 رجب 1437 هجريَّة
9 إبريل 2016 ميلادية