نحن (الشيعةُ).. وغيرُنا

بواسطة Admin
0 تعليق

موازينُ الحقِّ واحدةٌ، وطرقُ الإثبات مضبوطةٌ بقوانين يعرفها أهل الاستدلال والبرهنة، فلو أردنا التحقيق في أمر شخص أدُّعي عليه جرمٌ ما، فالبرغم من وحدة الخطوات، إلَّا أنَّ المادة تتغير بتغير ظروف هذا الشخص عن غيره الذي يواجه نفس التهم، والمدار في الغالب هو جوابُ:

 لماذا ارتكب هذا الجرم؟

 ومن هذا الجواب تتشعَّب أسئلة أخرى تؤثِّر مباشرة في النتيجة النهائية، وفيها ليس من الصحيح الدوران بين كونه مذنبًا أو لا، فحتَّى لو وقع الجرم منه، فدرجة الإدانة تحدِّدها الظروف المحيطة بارتكاب الجريمة، وهي ظروف متقدِّمة ومواكبة لنفس فعل الجرم.

 يقوم الوعي الإسلامي على ركنين أساسيين، هما: القرآن الإلهي والحديث المعصومي.

 أمَّا القرآن الكريم فقد وصلنا بالتواتر، والتواتر منتِّج للقطع بالصدور، وهذا مضمونٌ تاليًا بضمانة الحفظ بقوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

 ولكِنَّ الحديث قد أوكِلَ حفظه وصيانته إلى موازين تناقل العلم التي يسلم بها العقل السليم، وتؤيِّدها النصوص المعصومة، كميزان التبين من حديث الفاسق (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، وكذلك طريقية الإصابة بالجهالة، وهي قد تكون بحديث غير الفاسق أيضًا، وبالتالي تتَّسع الدائرة بضابطة جديدة محورها نفس المتن المنقول من حيث خطورته وحساسيته المفضية إلى الإصابة بالجهالة، وهكذا يُبسط البحث في خدمة صيانة الثقافة العامة من الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على المعصوم (عليه السلام).

 هذا ميزانُ حقٍّ واضح، ولكن ظروف تحقيقه تختلف عندَّما يأتي البحث السندي وما يُشتَرطُ فيه من الاتِّصال والتزام آداب التحمُّل والنقل، وما شابه..

 

فلندقِّق جيِّدًا..

 عاشت بعض المذاهب الإسلامية دِعةً يثبتها التاريخ إثباتًا أنتَّج تسالمًا يستريح بثقة في أحضان الواقع المتَّصل منذ ذاك الصدر، وحتى يومنا هذا، فلا يخاف محَدِّثٌ على تلك المذاهب من حديث يرويه وبنسبه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهو لن يعارض به سلطة ولن يدَّعي به (خلافَةً) لغير من وصلت الخلافةُ منهم لغيرهم من (الولاة)!

 بل وأكثر من ذلك، أنَّ الحديث كان برعاية الدولة وتحت ظلِّ مؤسَّساتها الرسمية، فلا يخاف مُحدِّثُ من قول (حدَّثني)، ولا يخشى من أن ينسب الحدث إليه كواحد من أفراد سنده، ومن الطبيعي والحال هذه، أن لا تأخذ تلك المذاهب بالحديث المُرسل –مثلًا-، فليس من داع للإرسال غير كون المرسل كثير النسيان أو ربَّما وضَّاعًا!

 فلننتقل إلى الجهة الأخرى، وأرجو من القارئ تدبُّر هذه القصة، وهي واحدة من عشرات، كما وإنَّها تكشف عن لون من ألوان الجو السياسي والاجتماعي الذي كان يعيشه الشيعة الإمامية:

 فقد روي أن محمد بن أبي عمير “ضُرِبَ أسواطًا بلغت منه إلى حدٍّ كاد أن يُقرَّ لعظيم الألم. فسمِع محمَّدَ بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول: اتَّق الله يا محمد بن أبي عمير، فصبر، ففرج الله عنه” (كلِّيات في علم الرجال للشيخ السبحاني ص207).

 ومحمَّدُ بن أبي عمير من أجِلَّة الرواة، قد اعتقلته السلطة العبَّاسية لشي على الشيعة وخصوصًا المحدِّثين منهم عن أئمة الهدى (عليهم السلام)، وهذا يكشف عن أنَّ الحديث الشيعي كان ملاحقًا من السلطات ومضيَّقًا منهم على حملته، وهذا كاشف بدوره عن عمل المتشرِّعة بالتقيَّة ما استطاعوا، فترد احتمالات معتبرة جِدًّا، ومنها أنَّ العنعنة –مثلًا- قد تكون مقصودة لحفظ المُحدِّث عندما تُخفى طريقة الأخذ منه، قد يكون الراوي قد حُدِّث، ولكن لطمس حقيقة الالتقاء العلمي بينه وبين الآخذ منه، يقول: (عن)، بل وقد يتجاوز الأمر حدَّ العنعنة إلى الإرسال؛ إخفاء لاسم المُحدِّث أصلًا!

ولكِنَّه ومن جهة أخرى، فقد حذَّر، بل بالغ أهلُ البيت (عليهم السلام) في التحذير من الوضَّاعين والكذَّابين، مما يجعل الحاجة لموازين الرجال والدراية أكثر أهمِّية.

هذا كلام صحيح، ولا يمكن إنكار الحاجة لعلمي الرجال والدراية، ولكنِّني أقف عند نقطتين:

 الأولى: إحكام العمل الروائي في زمن المعصومين (عليهم السلام):

 لم يكن الحديث عن أهل البيت (عليهم السلام) متاحًا للجميع هكذا وبلا رقابة، بل كانت الرقابة شديدة من نفس الأئمة (عليهم السلام) ومن أجهزتهم المُنظَّمة تنظيمًا يليق بظروف تلك الحُقَب الزمنية، ويدل على ذلك البيانات العِتروية عن حجم الأحاديث الموضوعة والتحذير من بعض الرواة وما شابه، فالقضية لم تكن متروكة كما قد يخال للبعض.

لقد استمرَّ هذا الإحكام في مراحل كانت هي الأهم كمراحل تأسيس للتراث الحديثي المعصوم، حتَّى أنَّ مدينة قم في القرن الثاني الهجري قد اشتهرت بتشدُّد علمائها في الحديث، إلى درجة أن من يروي عن الضعفاء كان معرَّضًا للطَّرد منها!

 

الثانية: العلمان بحسب موضوعية الظرف الأول:

 نعم، نحن في حاجة إلى علمي الرجال والدراية، ولكن بحسب مقاييسنا نحن، وليس من الصحيح –في نظري- اعتماد نفس الموازين الأوَّلية والتي قد تكون نافعة لغيرنا، فهي، وبقليل تدبُّرٍ، ظالمة لنا.

 في تصوُّري أنَّ أكابر الطائفة وإن كانوا يستطردون في البحوث الرجالية والدرائية، إلَّا أنَّ الاستطراد منهم لم يخرج عن إطار النظر العلمي، فهم يراعون الظروف التي مرَّ بها التشيع مراعاة دقيقة تظهر في النتائج التطبيقية، ومن مواردها الرسائل العملية، التي لو وضعت تحت الجمود النظري لما كانت أصلًا.

 كما وأُشير، إلى أنَّ الكلام بين عامَّة الناس عن صحة وضعف الأحاديث، هو –في نظري- واقعٌ في كثير من الأحيان تحت تأثير تهجُّمات الآخرين وفرضهم لإيقاع معين على جولات الحوارات والمناظرات التي يخوضها معهم بعض الشيعة، ومن هنا تبدأ المشكلة..

نحن (الشيعة) مختلفون كثيرًا عن غيرنا، فالضيق يلاحقنا من زاوية إلى أخرى، ومن زقاق إلى زقاق، بل هو لم يتركنا حتى في غرف نومنا..

الكلمة علينا –على مرِّ التاريخ- ممنوعة، والرأي ممنوع.. بل وجودنا عندهم ممنوع، ثمَّ يأتي بعضُ الأحبَّةِ ويحاسب تاريخنا بموازين المرتاحين ممن تناغموا مع (ولاة الأمر).

 ليس في ذلك –كما أرى- أدنى درجات الإنصاف..

 

السيد محمد علي العلوي

15 أغسطس 2015 ميلادية

 

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.