(النقد وموازين الفطرة)

بواسطة Admin
0 تعليق

كما أنَّ لشخصية الفرد فطرة جُبِلَ عليها، كذلك لشخصية المجتمع فطرة جُبِل عليها، ومن نتاج الفطرتين مجموعة من البديهيَّات أو المسلَّمات تحيط بالشخصيتين، يكون التعدِّي عليها مقدَمةً للتخاصم نظرًا ورؤى.

جُبِل الإنسان على درجة بديهية من حبِّ الذات، ولولاها لما أكل ولا شرب ولا سعى في معائشه، وكذلك المجتمع في محافظته على عاداته وتقاليده ومعتقداته وكلِّ ما يدخل في تشكيل هويَّته، ولذلك فإنَّ التعامل ما لم يلتزم ويراعي حدودَ مثل هذه الخطوط، فإنَّه يتحوَّل تلقائيًّا إلى تعامل جبهوي تستتبعه لوازمه بالضرورة، ومن هنا تنشب الخلافات ويؤصَّل للتنازعات.

يُسلِّم المجتمعُ بنظرية (الرمز)، فهو (المجتمع) بما هو هو، يحتاج إلى صدر ينتَّشِرُ من ورائه اتِّباعًا، عن قناعة تشكَّلتْ بطريقة ما، قد تكون سويَّةً وقد تكون كدِرة بشيءٍ من الكدورات، ولكنَّها في نهاية الأمر تشكَّلت وباتت واقعًا متحرِّكًا.

ربَّما، وفي مرحلة من المراحل، لا يكون (الرمز) شخصًا شاخصًا، ولكنَّه فكرة تتبنَّاها جِهَةٌ تتحرَّك في أطرها، وعادة ما تكون محكومة باستراتيجية اللين وحسن التعاطي مع الآخرين، ثمَّ إنَّها وفي مرحلة آتية تنتَّقل من كونها فكرة تتداولها جماعة، إلى فكرة يمثِّلها شخصٌأو أكثر، وفي مراحل اكتساب القوة ينتَّقل المُمَثِّل إلى عنوان آخر هو (الرمزية)، وهكذا يتقدَّم الصدر وتنتشر من ورائه الجماهير معتقدة راضية.

من هنا، أريد الإشارة إلى أنَّ توجيه النقد لأيِّ جهة في المجتمع، فردًا كان أو جماعة، فهو يختلف طبيعةً بحسب ما تقتضيه العناوين المكتسبة لتلك الجهة المُنتَّقدة؛ فهي كلَّما تقدَّمت في (رمزيتها) كلَّما دخلت في كيانها جماهير المجتمع، فانتِّقاد (الرمز) فردًا كان أو جماعة، هو في الواقع انتِّقاد لشريحة واسعة داخلة –بطبيعة الحال- في تكوينها (الرمزي)، وبالتالي هو انتِّقاد لنوعِ عقيدة يتحرَّك فيها ومن خلالها المجموع، وهذا أمر داخل تكوينًا في الفطرة البشرية، والمساس به خطأ وخطر، ما لم تُلتزم الموازين العلمية الصحيحة.

لا نَفْيَ لمبدأ النقد، ولكِنَّني أريد توجيهَه بحسب الموازين التي تُقرِّرها الفطرة، وفي تصوري أنَّ معاكستها والخروج عليها خطأ كبير قد يكون مقدَّمة لكارثة قيمية.

أُبَيِّنُ بعبارة أخصر:

للمواقع الاجتماعية مقتضيات لا يمكن تجاوزها، فـ(الرمز) يعني محلًّا يحتضن في داخله التكويني مجاميع جماهيرية، والنقد المتعدي لهذا الواقع هو في الحقيقة مواجهة تكوينية مباشرة مع تلك المجاميع الجماهيرية.

لذا، فإنَّ النقد من المفترض أن يُكيَّف بحسب الموازين الطبيعية التي تقتضيها المواقع الاجتماعية بشكل عام.

ثمَّة مشكلة أخرى تطرأ على معادلة النقد، وهي تجاوز النقد الموضوعي بالتسفيه والتقزيم والاستهزاء، والأنكى أنَّ هذا يُغلَف بعنوان النقد والرأي الآخر، مع الإشارة إلى أن التجاوز المشار إليه قد يكون صريحًا وقد يكون مضمرًا تكشفه صفحات الوجه وفلتات اللسان، وهو وإن كان كذلك فلن يتمكَّن من دفع آثاره عن نفسه.

خلاصة الكلام:

هناك نوع من التشديد تفرضه الفطرة الجماهيرية ضدَّ المساس بـ(الرموز) أفرادًا كانوا أو جماعات، وقد يتحوَّل هذا التشديد إلى (تقديس) بدرجة ما، أجِدُني أُبرِّرُه بمستوى الخوف من التحدِّيات التي تعيشها الجماهير، وكما أشرتُ، فإنَّ تزلزل (الرمز) يعني تزلزل (الجماهير) بالضرورة، ولِما مرَّت الإشارة إليه قبل قليل.

أقول: نتمكَّنُ من تجاوز هذه الإشكالات المتصلِّبة، وذلك بشيءٍ من اللين وطيب الكلمة وحسن الظن في الآخر، وهذا كلُّه ينبغي أن يكون مع نقد موضوعي يركِّز على الموضوع دون تجاوز لغيره لا صراحة ولا إضمارًا، وهو بالطبع رهين نيَّة البناء والتكامل مع الآخر قدر المستطاع.

قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمبِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُبِالْمُهْتَدِينَ).

وقال عزَّ وجلَّ: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِلاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَاعَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).

  • المشكلة أنَّ الفظَّ لا يرى نفسه فظًّا!!

السيد محمد علي العلوي
2 من ذي القعدة 1436 هجرية

17 أغسطس 2015 ميلادية

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.