العنوان: بلا عنوان!!

بواسطة Admin
0 تعليق

التدين وصف جميل يسعد به المسجديون وغيرهم من المأتميين ومن على نسقهم في المرتكزات الثلاثة: (الأخلاق، العقائد، والفقه) فالمسلم يسمى متدينًا كلما تمكن من عقائده الدينية وأحكامه الشرعية متوجًا شخصيته بحسن الخُلق وحلو السيرة، ولذلك تجد الدعاة والمبلغين يركزون بقوة على بناء هذه الجوانب الثلاثة في الناس وتربية الصغار عليها، وهو عمل يشكرون عليه واقعًا بالرغم من أنني لا أراه الأصل في بناء الشخصية الإيمانية المؤثرة، وأقصد بالمؤثرة تلك القادرة على إحداث نقاط تحول وتغيير في المجتمع، بل وهي تلك التي تشكل روح الحركة الجوهرية في التاريخ.

أفتح قوس:

(لسائل أن يسأل: كثر كلامك يا سيد عن التغيير وصناعة التاريخ وإحداث نقاط التحول وما إلى ذلك من تعابير تريد منها إيصال فكرة ما تتعلق بضرورة تبديل شيء ما.. قل لنا بالله عليك: ماذا تريد؟؟

أقول لهذا السائل المحترم: قيمة الإنسان في قلمه الذي (ينحت) به تاريخه، والتاريخ عبارة عن حركة يتقادم عليها الزمن، وفيه إما أن تكون صانعًا وإلا فأنت مصنوع لا محالة، فإن كنت قابلًا بأن تكون مصنوعًا فنصيحتي أن لا تضيع وقتك بقراءة ما أكتب، فهو بالنسبة لك لن يكون أكثر من حروف مصاغة بشكل ربما اعتبرته جيدًا وربما كان عندك معقدًا، وفي الحالتين الأمر سيان.. أما إذا كنت من الرافضين للرضوخ تحت آلة الصناعة المستبدة التي يديرها آخرون فاهلًا وسهلًا بك معنا (ننحت) بأقلامنا خريطة الطريق). أقفلت القوس.

نرجع إلى موضوع الشخصية المتدينة والتي يصر الأفاضل على تشكيلها بهدي من المحاور الثلاثة المذكورة، هذا وهم يرون عمق المتكلمين في كلامهم، وإحاطة الفقهاء بفقههم، وتمسك الأخلاقيين بأخلاقهم، إلا أن التوفر على شريحة اجتماعية من هذا اللون لم يقدم الكثير على مستوى صناعة الحدث. نعم، قدم لنا أقلامًا جبارة في صياغة العبائر وسبكها، ونعم، قدم لنا أدمغة تجيد المناظرة والجدل والخطابة والشعر، وهي أربع من خمس الصناعات المذكورة في المنطق بإضافة صناعة البرهان، ولكن الذي لا ينكره ذو وجدان أن كل ذلك لم يرقى إلى إحداث نقطة تحول إيجابية واحدة فضلًا عن نقاط..

يبدو لي أن حالنا (التديني) كسيارة ألمانية في قمة الفخامة والحسن، إلا أنها من غير محرك!!

بلى، هو كذلك بالضبط، فنحن لا نحتاج إلى عمق عقائدي أكثر، كما وأننا قد استوفينا الأهم من أبواب الفقه إلى درجة أن فقهائنا الأعلام ذكروا في المسحدثات ما لا يخطر على البال، وبالمثل تجد الأخلاقيات واضحة المعالم محررة البحوث، فالمشكلة إذًا ليست هنا، ولكنها في المحرك والمدير لهذه المحاور الثلاثة.. إنه الفكر..

قد تكون متكلمًا فيلسوفًا متقدمًا جدًا على المستوى العقائدي، ولكنك لا شيء إن لم تتمكن من تحويل العقيدة إلى واقع تغييري تعيشه قولًا وفعلًا وتقريرًا، فالعقيدة المبتنية على (قل هو الله أحد) تبقى جامدة متهالكة الوجود العلمي إذا تأله حاملها لغير الله تعالى، والتأله هو السير بالنقص لمن يسده، فإذا قال القائل (قل هو الله أحد) صار من اللازم الفكري عليه الترفع في الطلب عن غير الإله سبحانه وتعالى..

وقد تكون فقيهًا لا يشق لك غبار في كتب الفقه وأبوابه، ولكنك لا شيء إذا لم تُقم سلوكك في هذه الحياة الدنيا على ملاكات الأحكام الشرعية ما استطعت، فالقضية ليست صلاة وحج وخمس، ولكنها في الملاكات، أي في المصالح ويقابلها المفاسد في النواهي، لذا لا يمكن للفقه أن يكون فكرًا إلا إذا تحول بصائر تخرق ظلمات العيش لترى الحرام قبيحًا حتى لو جملته الدنيا، والواجب جميلًا حتى لو قبحه الأخسرون..

وقد تكون في قمة درجات الأخلاق، ولكنك لا شيء إن لم تتمكن من الإبحار بخلقك في خلق الله تعالى وبالتالي تحويله إلى محيط من العطاء الوجداني الشامخ في تواضعه، الغني في زهده، القوي الرائد في تقواه، فالأخلاق آلة عمل ملؤها الحيوية والنشاط ما دامت الحياة..

فلتسمح لي أيها القارئ الكريم بالتقريب سريعًا قبل أن اغادرك بين السطور..

فلنتأمل قليلًا علاقتنا بأهل بيت العصمة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) من خلال قولنا في الزيارة الجامعة الصغيرة: السلام على الأدلاء على الله..

نقبل على أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) معظمين لهم مقاماتهم العالية مجلين ما هم فيه من قرب ودنو، ولا شك في أنهم (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) أكبر من تعظيمنا وإجلالنا، فيكفي أنهم نور الله سبحانه وتعالى، ولكن المشكلة الفكرية التي تخنق الإبداع الشيعي هي أننا نتوقف عندهم (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) غافلين أو مذهولين عن تجاوز التعظيم المجرد إلى التعظيم بالنظر والوصول من خلالهم إلى الله تعالى، وهذا التخلف الفكري حول الولاء الراقي لأهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) إلى جمود لا يقوى على صناعة واقعه فضلًا عن صياغة مستقبله، فخلق في عمق فكرنا حالة من الازدواجية الخطيرة جدًا والتي تتجلى بوضوح شديد في المخالفات الصارخة لسلوكياتنا والتزاماتنا الدينية لأبدى بديهيات السيرة النيرة للمعصومين (عليهم الصلاة والسلام) في الوقت الذي نصب فيه الدمع عقيانًا على ما نزل بهم من البلاء..!!

من هنا أقول قاطعًا بأن الذي نعانيه اليوم هو مشكلة فكرية متأزمة جدًا بعد أن استحكمت فيها نشوبًا مخالب المشهور والمألوف بقيادة عاطفية لا يؤنسها عقل ولا تعقل حتى قيل بأن الجنون في حب الحسين (عليه الصلاة والسلام) هو كمال العقل، بل ونظمت القصائد في هذه (….)، ولعمري كيف نجمع بين الغنى والفقر في آن واحد ومن جهة واحدة؟؟!!

إنه الفكر الذي ما إن نلقي عليه القبض متلبسًا بمحاولة التقرب منا حتى تتحول حياتنا إلى واقع مفاتيحه في أيدينا.. فهل نحتاج لغير قرار صائب تتبعه خطوة واثقة؟

السيد محمد علي العلوي

21 صفر 1432 هـ

27  يناير 2011

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.