ما بالكُنَّ -الآن- أيّها النِّسوة؟! ll سماحة الشيخ محمود سهلان

بواسطة Admin
0 تعليق
راودتْ يُوسُفَ عليه السلام التي هو في بيتها عن نفسه، وفعلتْ ما فعلتْ لكنه اعتصم والتزم بأمر الله تعالى، وأرادَ الله سبحانه وتعالى أن يكشف فِعلتها ويبرِّئ ساحة نبيه من هذه التهمة العظيمة والذنب الكبير، وكان ما أرادَ الله عز وجل.
قال تعالى: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)[يوسف/٣٠].
انتشر خبرُ زليخا وفتاها بين النساء، وأخذنَ في لومها واتهامها، وهو ما تسبَّبت له بنفسها كما هو ظاهر، فليس لها لوم أحد، وعليها أن تتحمل مسؤولية فِعلها وتبعاته، فلا تلوم أحدًا وقد جعلت نفسها في هذا الموقف، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فأقول أن النسوة -وإن كان فعلهنَّ غير مستغرب- كان من المُستحسن أن يسكتنَ مع عدم علمهنَّ التام بالفتى وبملابسات ما حدث.
لم تستطعْ امرأة العزيز أن تلتزمَ الصمت أمام لغط النساء واتهاماتهنّ القاسية، ما جعلها تفكّر في طريقةٍ تُسكت بها أفواههنّ، وتجعلهنّ في موقفٍ عمليًّ كي يرين ما رأت ويعشن ما عاشت ولو لدقائقَ معدودة..
قال عز وجل: (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ)[يوسف/٣١].
جمعتْ النّسوة ورتبتْ ترتيبا معيَّنا غير متوقعٍ من أحد، وما إن تهيأ الظرف أكملتْ خطتها وأمرتْ يوسف عليه السلام بالدخول عليهن، وكان من الأمر ما كان، فقطَّعن أيديهن ووصفن يوسف بالمَلكِ الكريم، فتمَّ ما أرادت وألقت عليهن حجتها، لكنها أصرت على ما تريد منه حتى بقيَ يوسف عليه السلام بالسجن بضع سنين لأنه لم ينزلْ عند رغبتها، ومعاذَ الله أن يفعل ما أمَرتْه.
أردتُ الخروج بأمرين مهمَّين من هذا المشهد، وهما:
الأول: أن الإنسان عليه أن لا يلوم الناس عندما يجعل نفسه في موضع التّهمة، وهذا كان حال زُليخا، فكم كانت فعلتها سيئةً وعظيمة، وإن كانت في حضرةِ جمال النبي يوسف عليه السلام، وهو ما كان خافيا على غيرها ممّن هم خارج محيطها، ولأمير المؤمنين عليه السلام حديثٌ يناسب ما نحن فيه، قال: “مَنْ وَضع نفسه مواضعَ التّهمة فلا يلومنَّ من أساء الظنّ به”، وقال عليه السلام في وصيةٍ لابنه الإمام الحسن عليه السلام: “إيّاك ومواطِن التّهمة والمجلس المظنون به السّوء”، والحديثان مذكوران في وسائل الشيعة للحر العاملي قدس سره.
الثاني: عندما يصدر فعلٌ من أحدٍ فإننا قاصرون كبشرٍ عن الإحاطة بكلّ ظروفِ الحادثة، لذلك ينبغي التروي في الحديث بالسّوء عن أيّ أحد، فإن لك الظاهر فقط، وأحيانا ليس أكثر من السّماع، وعليه فإن الصمت ينبغي أن يكون أوّلَ خيارتنا، خصوصا وأنّ أغلبَ الأحداث لسنا مضطرينَ للحديث عنها والخوض فيها، حتى لو كان الجرمُ بمستوى ما فعلت زليخا، وقد تمكَّنت من جعل النّسوة في موقفٍ حرجٍ جدا عندما جعلتهن لدقائقَ معدودةٍ في جزءِ الظّرف الذي تعيشه فقط، فجعلت يوسف يمرّ أمامَهن وجرى ما جرى، فكيف بها وهي سيّدته الذي يخدمها ويأتَمر بأمرها، ويعيش معها طوال الوقت، وتَراهُ في عِدّة أوضاع وغير ذلك، فيكون ظرفها مغايرا جدا لهن، وإن كنت لست في وارد الاستهانة بما فعلت قطعا.
ينبغي لنا أنْ نقولَ أنّ على الإنسان أنْ يسعى للابتعاد عن مواضِع التهمة من جهة، وأن لا يتحدّث في كلّ شيءٍ لا يعرفُ ظروفَه، فقد يفعلُ أكثر مما فعلَ غيره عند الاختبار، حتى لو كانت ظروف اختباره هيّنةً جدا مقارنة بغيره.
محمود سهلان
الإثنين ١٩ شعبان ١٤٣٨هـ
الموافق ١٥ مايو ٢٠١٧م

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.