لازلنا في مسألة (التعلم) وكيفية حصول الصورة العلمية في الذهن، وهنا ما أذهب إليه:
في الواقع أن العين الباصرة ليست إلا مرآة تنعكس فيها صور الموجودات المرئية، وهي صور مظلمة ميتة لا معنى لها بالنسبة للإنسان لو لا وجود علم يطابقها في داخل الذهن، وهذا ما يسميه المختصون بمركز النظر.
لو أننا لم نفترض وجود صورة (لمركب) الطاولة -مثلًا- في ذهن الإنسان تكوينًا لما كان من الممكن تصور حصول العلم بها عند الإنسان أصلًا، وبسبب البعد عن هذا الفرض بل والعمل البحثي على خلافه تمامًا فإن كيفية حصول الصورة العلمية في الذهن لا يزال مبهمًا.
لذا، فإن ما أذهب إليه هو أن الإنسان يحمل في داخله مخزونًا هائلًا من مركبات الصور العلمية لكل مُدْرَكٍ مطلقًا، وأما الحواس الخمس فوظيفتها (عكس) الصور الخارجية إلى مركز النظر في المخ وهو ما نسميه ذهنًا، ولا يحصل العلم إلا إذا تطابقت الخارجية المنعكسة مع الداخلية التكوينية.
ولذلك فإن الإنسان كلما تمكن من استحضار تلك الصور التكوينية إلى صفحة العقل الأمامية، كلما كان أكثر نباهة وأسرع فهمًا.
ولا يشتبه الأمر على البعض، فالصورة العلمية قد تتركب بشكل خاطئ في الذهن فيحصل الخطأ، ولا غرابة في ذلك؛ إذ أن الموجود الذهني هو الأجزاء التي لا تمتنع عن التركب بأي شكل يريده الإنسان، ولذلك كان الخيال الإنساني بهذه السعة العظيمة.
وما يؤيد هذه النظرية قول أمير المؤمنين (عليه السلام): “تحسب نفسك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر”
فكلنا ومنذ الولادة نحمل كل هذه الدنيا في أعماقنا العلمية، ثم نبدأ مسيرة (التعلم) وهي مسيرة (استثارة دفائن العقول).
وبعبارة أخرى، أقول: إن العمل العلمي للإنسان إنما هو تحفيز لما بالداخل، وكلما تحرك التحفيز بالقراءة والتلاوة والاستزادة من الكتاب والحكمة، كلما حصلت التزكية والزكاة فنمت الروح العلمية وكان المفيد والطوسي والصدوق والكليني والحدائقي والماحوزي والستري وغيرهم من أعمدة العلم وأوتاد المعرفة.
وهذا مختصر ما أفهمه من الآيتين الكريمتين:
الأولى: (اقْرَأْ).
الثانية: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ).
محمد علي العلوي
٢٥ جمادى الآخرة ١٤٣٥ هجرية