نزل الأمين جبرائيل (عليه السلام) فألقى على الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قول الحق (تعالى): (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) فالذي ينتظرك يا محمد أمرٌ تعجز عن حمله الجبال الراسيات، ولا تطيقه البحار ولا المحيطات، فأنت مقبل على حمل حكمة الله (عز وجلَّ) وتبليغها للعالم انطلاقاً من مكة المكرمة ومروراً بمدينتك المنورة حتى ينتهي المطاف بدولة الحق الكبرى تحت راية حفيدك القائد المظفر الإمام المهدي (عجل اللهم فرجه الشريف)، وهذه الرحلة الرسالية المقدسة لا تحملها إلا روح قابلة، ولا تصنع فيها هذه القابلية إلا ناشئة الليل، فهي (أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا).
من هناك كان الانطلاق حيث وجدت القابلية فاستلهمت الروح الطاهرة رسالة السماء فيضاً زخاراً، ومنها صُنع الفعل فحلق محمد (صلى الله عليه وآله) في العلياء ونصب عينه قوله الله (سبحانه وتعالى): (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)، وقوله (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).
إنها قابلية الإيمان الرسالي التي يركز المفسدون على ضربها في العمق حتى لا يكون للخطاب الديني بين المسلمين أثرٌ تغييري يرجعنا حيث كنا (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، فكان أن فقدنا في جانب من جوانب وجودنا التديني روح (الفعل) ودوافع العمل، وليس هذا إلا لأننا أهملنا المحافظة على خصوبة الأرضية القابلة فانتهينا اليوم إلى (لاشيء) على خارطة الوجود العالمي، وهذا واضح عندما نراقب الإسلام وقد ذاب مسلموه في سوح العلمانية واليسارية من جهة، والجمود على الخرافات والأوهام الأساطيرية من جهة أخرى، أما الجد والثبات على الطريقة كمصداق لقوله (تبارك ذكره): (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) فتغيبه هدف يسعى إليه المفسدون بكل جد وإخلاص.
لقد بدئوا عملهم بتمييع التدين كأن قللوا من أهمية إعمار المساجد بصلاة الجماعة، وكثفوا من عملهم الإعلامي لسلب الناس وسرقة الشباب من صلاة الفجر في أول وقتها فكان من الطبيعي أن تُهجر صلاة الليل، والنتيجة ضيق قابلية العمل والتبليغ لهذا الدين العظيم.
أما من قرر (الفعل) دون أن ينمي (القابلية) فلاشك في أنه يفقد التأثير فيكون عمله في مجمله هباء منثوراً، وهذا ما يشير إليه الكتاب العزيز في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).
إننا –أيها الأحبة- نحتاج إلى أن ندرك المعادلة جيداً فنعمل بشكل واضح على تقوية (القابل) في نفوسنا حتى نتمكن واقعاً وحقيقة من ممارسة الفعل على أساس البناء القابلي، وهذا طريقه تقوية الصلة وتمتينها فيما بيننا والثقلين، كتاب الله والعترة الطاهرة، وهنا أقول بأنه لا سبيل إلى ذلك إلا من خلال تفعيل الدور المسجدي بتقوية صلاة الجماعة وإنعاش الدروس القرآنية وخصوصاً التدبر في كتاب الله (عز وجل)
السيد محمد علي العلوي
غرة شعبان 1430هـ
24 يوليو 2009