يهدد الحقُ الباطلَ بيوم هو آت لا محالة، يظهرُ فيه صاحبُ الرايةِ الغراء ليملئ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، وفي قبال هذا التهديد القوي لا نرى الباطلَ مكتوفَ الأيدي، ولكننا نَشْهَدُهُ وهو يُقاتلُ باحترافية عالية مهدداً مراكز القوى ومناطق الانطلاقات الرسالية عامداً إلى ضربها آملاً اقتلاعها دون تردد ولا توان. إنها معادلة الحياة منذ الخلق البشري الأول، فلا غرابة في الأمر وخصوصاً بعد عِلمِنا بالتحدي السافر الذي أعلنه رأسُ الباطلِ والفسادِ بِقولهِ: (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)، إلا أننا نتسائلُ في هذه السطورِ عن مدى (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)؟ وإلى أي حدٍّ يتمكنُ الشيطانُ وجنُودُهُ من بسطِ سيطرتِهم على الإنسان؟
ينبغي لنا –أيها الأحبة- الالتفات إلى قضية مهمة جداً، بل هي في غاية الأهمية، وأعني بها مركز وجود الإنسان وحقيقته، وهذا ما نحن في غياب عنه مما جعلنا نتراجع في وجودنا الحضاري بشكل كبير جداً منذ رحل عنا النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
إنك أيها الإنسان موجود، ووجودك الظاهر في هذه الدنيا متقوم بجانبين، الأول منهما هو ما تشخص به للآخرين فتُعرف به بتواصلك مع المحيطين بواسطة ظهوره، فهو اليد والرأس والرجل وكل ما يتمثل مادة أمام الآخرين، وهذا البعد الذي يتركب منه وجودك الظاهر في هذه الدنيا عرضة لتسلط الظلم والظالمين عليه، فكم يد قُطعت ورجل بُترت وعين فقئت وظهر كُسر وروح أُزهقت بسبب أحقاد الظلم وكرهه للحق والعدالة.
لكن وبالرغم من كل ما يمارسه الشيطان ويخطط له، لم ولن يتمكن من الوصول إلى الفكرة الأصيلة التي يحملها الصادقون في بعدهم الوجودي الثاني وهو بعد الروح والعقل والمعنى.
نعم، قد يتمكن الشيطان من تشويه الفكر والعبث بالثقافات، إلا أنه يعجز وجنوده بمختلف درجاتهم وأطيافهم من مجرد المساس بالفكرة المستقاة من روح هذا الوجود، القرآن العظيم والعترة الطاهرة، وهذا ما تحمله أنت أيها المؤمن الكريم، وأنتِ أيتها المؤمنة الجليلة.
إن الفكرة الأصيلة تخترق كل الحجب الدنيوية مهما اجتهد الظلم في قبالها فهي باقية تسري عبر الأيام والليالي وتجتاز أعظم المحيطات والقفار لتسكن في كل صدر قابل لاستيعابها حتى لو حُطمت أضلاعه بمعاول الشيطان ومطارق جنوده، بل وحتى لو نطق اللسان بما يخالف فكرة الحق فهذا لا يؤثر فيها ولا يطفئ شعلتها على الإطلاق، وقد قال المولى (عز وجل): (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ).
إنك أيها المؤمن الحق تحمل هذا السر العظيم فاحفظه واعمل بمقتضاه فأنت الأقوى دائماً وأنت الأعمق رسوخاً أبداً فكن كمن مدحه الله (سبحانه) حين قال: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).
السيد محمد علي العلوي
23 رجب الأصب 1430هـ
16 يوليو 2009