مراجعة لكتاب: ملاحظات علمية على أطروحة الشَّيخ اليوسفي الغروي حول البحارنة

بواسطة Admin
0 تعليق

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وآله الطاهرين

 

ألقى سماحةُ الشَّيخ محمَّد هادي اليوسفي الغروي (حفظه الله تعالى)[1] محاضرة بعنوان (النبي والوصي في آيات الغدير) كانت قد أُقيمت في مرافق العتبة العبَّاسية، وفيها تعرَّض الشَّيخ ببعض الدعاوى على البحارنة وعلمائهم تحديدًا، ما أثار حينها ضجَّة وردود أفعال واسعة لا سيَّما بين العلماء وطلبة العلم البحارنة[2].

من تلك الردود ردٌّ مُفصَّلٌ لسماحة الشَّيخ حسن بن علي آل سعيد البحراني (رعاه الله تعالى) قد صدر مؤخَّرًا في كتابٍ طبعته (مكتبة جلال العالي الخاصَّة – في مملكة البحرين) وفِّقتُ لقراءته ليلة البارحة وها أنا أكتب فيه مراجعة أبين، في ختامها إن شاء الله تعالى، ما بعثني عليها.

عنوان الكتاب: ملاحظات علمية على أطروحة الشَّيخ اليوسفي الغروي حول البحارنة.

عدد صفحاته: 40

الطبعة الأولى 1442 للهجرة – 2021 للميلاد

تعرَّض سماحةُ الشَّيخ آل سعيد للنظر في خمس أمور أثارها سماحة الشَّيخ اليوسفي ضد العلماء البحارنة لخصوص كونهم أخباريين، والعمدةُ في ذلك البناءُ على تساهلهم في قبول الأخبار.

الأمور الخمسة كما فهرسها الشَّيخ آل سعيد في كتابه:

  • خبر قصيدة دعبل وفعل الرضا (عليه السَّلام) عند ذكر القائم (عليه السَّلام).
  • الخرافات في مقتل الحسين (عليه السَّلام) أكثرها من البحارنة.
  • البحارنة أخباريون يتسامحون في قبول الأخبار.
  • القبح في الكذب ليس ذاتيًا عند الأخباريين البحارنة.
  • حديث الكساء المشهور مجعول البحارنة.

أمَّا في ما يخصُّ الأمر الأوَّل فدعوى الشَّيخ اليوسفي “أنَّ حديث قيام الإمام الرضا (عليه السَّلام) ووضعه يده على رأسه عند ذكر القائم في قصيدة دعبل من الخرافات، وهذا الحديث لم يُذكر إلَّا في رسالة من أحد علماء البحرين في القرن الثاني عشر”.

ذكر الشَّيخ آل سعيد مصدرين للخبر، أوَّلهما كتاب (وفاة الإمام الرضا عليه السَّلام) المعروف بـ(تأجيج نيران الأحزان) للشَّيخ عبد الرضا بن محمَّد المُكَتَّل الأوالي، والثاني كتاب (مشكاة الأنوار في إثبات رجعة محمَّد وآله الأطهار عليه السَّلام) للشَّيخ محمَّد بن عبد علي آل عبد الجبَّار البحراني.

بعد أن ناقش وأثبت سماحتُه نسبة الكتاب الأوَّل لابن المُكتَّل ووضح جهة الاشتباه التي وقع فيه من نفى النسبة، أفاد أمرين:

الأوَّل: نفى إمكان الجزم باتحاد المصدرين.

الثاني: نفى إمكان الجزم بالخرافية والجعل لمجرَّد “ورود الخبر في مصدر متأخِّر دون العثور عليه في مصدر متقدم ممَّا في أيدينا من مصادر”، وساق بعض الشواهد على ما يذهب إليه. ثُمَّ بيَّن ما تقتضيه الموضوعية والعلمية وهو أنَّ غاية ما يمكن أن يُقال سقوط الخبر عن الاعتبار، وهذا أعم من أن يكون لجعل أو غير ذلك.

 

وأمَّا الأمر الثاني فدعوى الشَّيخ اليوسفي أنَّ “كثير من الخرفات من الأخبار الخرافية في مقتل الإمام الحسين -الذي أنا ألفتُ كتابي (وقعة الطفِّ لأبي مِخنَف) تحقيقًا لهذه الأخبار – كثيرٌ منها من الإخوة البحارنة”.

قبل شروعه في مناقشة دعوى الشَّيخ اليوسفي قدَّم الشَّيخ آل سعيد تصحيحًا لخطئ عرض على بعض الأفاضل من علماء البحرين عندما أفاد في معرض ردِّه على الشَّيخ اليوسفي بأنَّه “لم يقف -حسب تتبعه- على مصنَّف مشهور معروف يتعلَّق بالمصيبة الكبرى لمقتل سيد الشهداء (عليه السَّلام) لعلماء البحرين، ومراده: كيف يصدق أنَّ كثيرًا من الخرافات من طرفهم وليس لهم في ذلك مصنَّف مشهور معروف؟!”.

بيَّن الشَّيخ آل سعيد عدم تمامية هذا الإيراد، وذكر مجموعةً من المقاتل البحرانية مع ذكر بعض الإفادات المهمَّة، ثُمَّ أوضح، بالدليل والشواهد، في مقام ردِّ دعوى الشيخ اليوسفي أنَّ هذه المقاتل تستند إلى مصادر معتبرة عند علماء الطائفة؛ قال: “فهذه مصنَّفات علماء البحرين ببابك، وهم أجلُّ من ان ينقلوا الخرفات، بل تميَّزوا بالنقل من المصادر المشهورة المعروفة، ولم ينفردوا في كتبهم بنقل ما لا أصل له كما عرفت!”

أمَّا الأمر الثالث فإنَّ الشَّيخ اليوسفي بنى فعلًا على انتاج علماء البحرين للخرفات، وعلَّل ذلك بقوله: “لماذا؟.. لأنَّهم شيعة، وأخباريون، يتسامحون في قبول الأخبار، في شروط قبول الأخبار، ويتقربون إلى الله بذكر أئمة أهل البيت (عليهم السَّلام) كيفما حصل، فهذه الحالة الأخبارية، أو الأخبارية المتسامحة في قبول الأخبار”.

استدل سماحة الشَّيخ آل سعيد على أنَّ الأخباريين ليسوا متساهلين أو متسامحين في قبول الأخبار، على خلاف ما يُشاع عنهم، فذكر مجموعة من الأقوال المعتمدة عندهم، ومنها ما عن غارس الحدائق (علا برهانه) من عدم قبوله لقاعدة التسامح في أدلة السنن، وهي من القواعد التي عليها جملة من لأصوليين فضلًا عن أن يكون متسامحًا في غيرها!

كما وقال الشَّيخ عبد علي بن أحمد آل عصفور البحراني في إحياء معالم الشيعة: “وبالجملة فالواجب على الفاضل المُتقِن والعالِم المُتديِّن أن يبذل جهده في نقد الأخبار، ويعمل على ما تطمئن نفسُه بوروده عن الأئمة الأطهار، ويتوقف فيما سوى ذلك، ولا يجوز له الاعتماد على غيره هنالك”.

ثُمَّ إنَّ الشَّيخ آل سعيد أرجع اشتباهات الشَّيخ اليوسفي الغروي إلى احتمال أنَّه “لم يكن مطَّلِعًا على كلام أخبارية البحرين، وإنَّما جرَّ عليهم ما عرفه من مذهب الأمين الاسترابادي”.

أمَّا رابع الأمور فحاصله “أنَّ الأخباريين يرون أنَّ الكذب ليس بذاته محرَّمًا، وإنَّما حرمة الكذب بقبحه، فالكذب ينقسم إلى قسمين، كذب قبيح، وتترتب عليه آثار قبيحة، وكذب ليس فيه قبح، ولا تترتب عليه آثار قبيحة”.

ردَّ الشَّيخ آل سعيد هذه الدعوى مستغربًا إلصاقها بالأخبارية وقد صرَّح العلَّامة الشَّيخ يوسف البحراني (علا رمسه) بما محصله “إنَّ قبح الكذب ذاتي أصلي لا يزول أبدًا، وإنَّا القول بحسن الكذب عند اشتماله على مصلحة عامَّة ليس لكونه كذبًا، بل لاشتماله على المصلحة العامَّة، فيكون الحُسن للمصلحة العامَّة لا للكذب”.

وأضاف الشَّيخ آل سعيد: “وأمَّا ما أفاده الشَّيخ اليوسفي (حفظه الله) فإنَّا لا نجد له أثرًا إلَّا في كتب الأشاعرة، وليس في كتب علمائنا الأخباريين ولا الأصوليين (رضوان لله تعالى عليهم”.

وتعرَّض الشَّيخ آل سعيد لردِّ أمرين آخرين، أوَّلهما حكاية نقلها الشَّيخ اليوسفي عن الفاضل الدربندي بعدم ذكر مصدر لها، ثُّمَّ فندها بنصٍّ لنفس الفاضل الدربندي. وثانيهما خبر الجصَّاص وفيه ضرب السَّيدة زينب (عليها السَّلام) رأسها بمقدم المحمل بأنَّ دعوى الشَّيخ المجلسي (طاب رمسه) روايته عن “بعض الكتب المعتبرة”.

أمَّا الأمر الخامس ففي حديث الكساء المشهور وقول الشَّيخ اليوسفي بأنَّه من مجعولات البحارنة واستدلاله على ذلك بنقل حكاية -لم يذكر مصدرها- عن الشَّيخ عبد الله بن نور الدين البحراني، وكذا إشارته لشيء من الضعف اللغوي في بعض ألفاظ الحديث.

وأجاب الشَّيخ آل سعيد:

أوَّلًا: إنَّ حديث الكساء المشهور ذُكِر في عدَّة مصادر، وقد ذكرها على الترتيب الزمني لها.

ثانيًا: إبطال الحكاية المذكورة بين صاحب العوالم وصاحب البحار بقرائن علمية واضحة.

ثالثًا: كان إشكال الشَّيخ اليوسفي بأنَّه كيف يكون قوله في الحديث “قال” للزهراء (عليها السَّلام) والحال أنَّها أنثى!

وأجاب الشَّيخ آل سعيد بأنَّ ذلك “يُعلم بالرجوع إلى مصادر الحديث التي ذكرناها ونقلنا منها مطلع الحديث، فإنَّ فيها “عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن فاطمة الزهراء (عليها السَّلام) بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، قال: سمعت فاطمة قالت: دخل عليَّ أبي…”، فإنَّ فاعل “قال” هو الراوي وهو جابر، وهو أمرٌ واضحٌ لا يخفى على مشتغل بالتحقيق والتدقيق والتتبع.

فرغ سماحة الشَّيخ حسن بن علي آل سعيد من تحبير ردِّه الكريم عشيَّة يوم الأحد الثاني من شهر صفر سنة 1442 هجرية.

نافلة عَلَويَّة:

ذكر الشَّيخ آل سعيد (حفظه الله تعالى) في مقدمة كتابه بأنَّه ليس “بداعي التحيُّز والقومية وشبهها، وإنَّما بداعي تبيان الحقائق ورد الشبهات”.

أقول: لا يخطر ببال عاقل منصف أن يتعصَّب بحرانيُّ يومًا لقومية أو ما نحوها، وليس ذاك لكونها ممقوتة، ولكن لأنَّ العقل لا يدعو إلى تحكيمها وتغليبها في أيِّ من ميادين الحياة، وإلَّا فهي في نفسها أمر طبيعي، بل هي من أهم عوامل العزَّة والكرامة بعد الدين والعقيدة.

نعم، هو كذلك، ولكنَّنا في بعض المواطن نحتاج إلى إبراز انتمائنا البحراني بشيء من الوضوح دون إساءة إلى أحد. لذا، فإنَّ ما كنتُ أرجوه من الأخ السند سماحة الفاضل آل سعيد أن لا يسعى لنفي الحيثية القومية عن دواعي الرد، لا سيَّما أنَّه من الممكن أن يكون الداعي هو تبيان الحقائق ورد الشبهات أوَّلًا وبالذات، وغير ذلك كالحمية للأصل والأرض ثانيًا وبالعرض.

قد يُقال: ولِمَ ذاك؟

فأقول: لم نكن يومًا محتاجين إلى بيان بحرانيتنا واعتزازنا بالأرض، غير أنَّنا اليوم أصبحنا من الكيانات المتغيرة بالتبع والفاقدة للاستقلال في هذا البُعد، ما يُحتِّم علينا الاهتمام، بل المبالغة في الاهتمام بإعادة التوازن من خصوص هذه الجهة.

أمَّا مسألة الأخبارية والأصولية فحقيقة الإشكال أنَّنا في طوفان من سلوكيات غير سوية من الطرفين، وأشدِّد على أنَّها سلوكية. أمَّا ما يخصُّ المناهج وطبيعة البحث والنظر عند المدرستين فنحن نعاني معاناة شديدة غياب البحث فيها بموضوعية وعلمية. لا نجد أكثر من تبادل الاتهامات والتوصيفات التصغيرية والذامَّة!

لذا، فإنَّ المتحاملين من الطرفين ليسوا أكثر من مُقلِّدة دون تحقيق أو فهم، فنرى أصوليًّا يتَّهم أخباريًّا بالجمود على ألفاظ النصوص، وأخباريًّا يتَّهِمُ أصوليًّا بالجمود على قواعد صمَّاء، وكلُّ واحد منهما يتَّهم الآخر بإلغاء عقله!

ليس لهذه الحالة منشأ غير التحشيد الإعلامي الذي يعمي العيون ويحجب عن الحقائق. ولا أطيل؛ فالمقام غير المقام.

ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم.

كيف كان، فإنَّ المُكنَة العلمية التي يتمتَّع بها سماحة الشَّيخ حسن بن علي آل سعيد البحراني (سلَّمه الله تعالى في الدارين) غير خافية، فهو متتبع مدقِّق محقِّق لا يتساهل في تحمُّل المسؤولية العلمية بأمانة وصدق تجاه بحوثه وتحقيقاته، ناهيك عن تميُّزه بشخصية قويَّة لها حضورها الخاص دائمًا. هذا ما يجده القارئُ بوضوح تام وهو يقرأ أيًّا من كتبه.

قرأتُ بتحقيق سماحة الشَّيخ آل سعيد كتاب سماحة العلَّامة الشَّيخ حسين آل عصفور (نوَّر الله مرقده الشريف): هداية القلوب والحواس في أحكام الزكاة والأخماس، فوجدتُ حاشيةَ تحقيقٍ تعليقٍ علميين وكأنَّها متنٌ قد أضيف لمتن الكتاب، بل هي كذلك، ما ضاعف الفائدة حقًّا.

أسأل الله تعالى جزيل الثواب للأخ الفاضل سماحة الشَّيخ حسن بن علي آل سعيد.

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وآله الطيبين الطاهرين.

 

السَّيد محمَّد بن السَّيد علي العلوي

23 رجب 1442 للهجرة

البحرين المحروسة

…………………………

[1] – ترجمة الشَّيخ اليوسفي الغروي: http://alyousofi.ir/ar/article_351.htm

[2] – كان ذلك في الشهر التاسع من شهور السنة الميلادية 2020

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.