انْتِهَابُ رِدَاءِ الإمَامِ.. من أهم مُسبِّبَات الفِتَنِ والنِزَاعَاتِ

بواسطة Admin
0 تعليق

 

يَشْتَمِلُ التَوقيعُ الشَريفُ الذي حَظِيَ بِهِ الشَيخُ المفِيدُ (نوَّر اللهُ تَعَالى مًرْقَدَهُ) عن الناحيةِ المقدَّسَةِ على مضامين مُهِمَّة في ما يخُصُّ جوانب مهمَّة من حالنا كَشِيعَةٍ موالين لأهل بيت العِصمَةِ (عليهم السلام)، فممَّا جاء فيه:

“نحنُ وإنْ كُنَّا نَائينَ بِمَكَانِنَا النَائِي عَنْ مَسَاكِنِ الظَالِمِينَ حَسَب الذي أرَانَاهُ اللهُ تَعَالَى لنَا مِنَ الصَلَاحِ ولِشِيعَتِنَا المؤمنينَ في ذلك مَا دَامَتْ دَوْلَةُ الدُنيَا لِلفَاسِقَينَ. فإنَّا نُحيطُ عِلمًا بِأنْبَائِكُم، ولا يَعْزُبُ عَنَّا شَئٌ مِنْ أخْبَارِكُم، ومَعرِفَتُنَا بِالذُلِّ الذي أصَابَكم مُذْ جَنَحَ كَثيرٌ مِنْكُم إلى مَا كَانَ السَلَفُ الصَالِحُ عَنْهُ شَاسِعًا، ونَبَذُوا العَهْدَ المأخُوذَ ورَاءَ ظُهُورِهِم كَأنَّهُم لا يَعْلَمُونَ!

إنَّا غَير مُهْمِلينَ لِمُرَاعَاتِكُم، ولا نَاسِينَ لِذِكْرِكُم، ولولا ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُم الَّلأوَاءُ واصْطَلَمَكُم الأعْدَاءُ”[1].

يُوقِفُنَا هَذا المقْطَعُ على حَقَائِق، منها:

  • إنَّ في الغيبة صلاحٌ للإمام (عليه السلام) وللشيعة.
  • تكشف غيبةُ الإمام (عليه السلام) عن كون دولة الدُنيًا بيد الفاسقين.
  • الإمام (عليه السلام) على اطِّلاع تامٍّ بأحوالنا.
  • يتحمَّلُ الشيعةُ نسبةً مُهِمَّةً مِنْ مسؤولية ما وصل إليه حالُهُم مِنْ ذلٍّ وهوان.
  • إنَّ السلامَةَ في التزام ما كان عليه السلفُ الصَالِحُ من الأصحاب والمزامنين للغيبة الصغرى من علماء الطائفة.
  • يولي الإمامُ (عليه السلام) شِيعَتَهُ رِعَايَةً خَاصَّةً.
  • رعايةُ الإمامِ (عليه السلام) لشيعته عِلَّةُ بقائهم واستمرارِ وجودِهِم.

تتوافق هذه المضامين مع ضرورة اللطف الإلهي، وهي ضرورة يقتضيها عِلمُ الله تعالى بأحوال العِباد وشِدَّة ما يقعون تحت وطأتِه من أحابيل الشياطين؛ فالإنسان، في الغالب، أضعف من أن يواجه النشاط الهائل لإبليس بعد توعده في ما يحكيه عنه الكتاب العزيز، قال (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[2]، (وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)[3].

احتاج العبدُ؛ والحالُ هذه، إلى تأييد من الله تعالى يُخرِجُه من مزالق ومهاوي الشياطين. من تلك التأييدات عدم خلو الأرض من حجَّة يتمسَّك بها المؤمنون فتُنجيهم من حيثُ يعلمون ومن حيث لا يعلمون.

عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: “سمعتُ جابر بن عبد الله الأنصاري يقول:

لمَّا أنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ على نبيه محمَّد (صلَّى الله عليه وآله): (ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ)[4] قلتُ:

يا رسول الله، عَرَفْنَا اللهَ ورَسُولَه، فَمَن أُولو الأمر الذين قَرَنَ اللهُ طاعَتَهم بِطَاعَتِكَ؟

فقال (عليه السلام): هم خُلفَائِي يا جابر، وأئمَّةُ المسلمين من بعدي؛ أوَّلُهم علي بن أبي طالب، ثُمَّ الحسن والحسين، ثُمَّ علي بن الحسين، ثُمَّ محمَّد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، و سَتُدْرِكُهُ يا جابر، فإذا لقيتَه فأقرأه مِنِّي السلام، ثُمَّ الصادق جعفر بن محمَّد، ثُمَّ موسى بن جعفر، ثُمَّ علي بن موسى، ثُمَّ محمَّد بن علي، ثُمَّ علي بن محمَّد، ثُمَّ الحسن بن علي، ثُمَّ سَمِيي وكَنِيي حُجَّةُ اللهِ في أرضه، وبقيتُهُ في عِبَادِه، ابنُ الحسن بن علي، ذاك الذي يَفْتَحُ اللهُ تعالى ذكره على يَديه مَشَارِقَ الأرضَ ومغارِبَهَا، ذَاكَ الذي يَغيبُ عن شِيعَتِهِ وأوليائِه غَيبةً لا يَثبُتُ فِيها على القول بإمامته إلَّا من امْتَحَنَ اللهُ قلبَهُ للإيمان.

قال جابِرُ: فقلتُ له (صلَّى الله عليه وآله): يا رسول الله، فهل يَقَعُ لشيعتِهِ الانتِفَاعُ بِهِ في غَيبَتِهِ؟

فقال (عليه السلام): إي، والذي بعثني بالنبوَّةِ؛ إنَّهم يَسْتَضِيئُونَ بِنُورِهِ ويَنْتَفِعُونَ بِوَلايَتِهِ في غَيبَتِهِ كانْتِفَاعِ النَاسِ بالشَمْسِ وإنْ تَجَلَّلَهَا سَحَابٌ. يا جَابِر، هذا مِنْ مَكْنُونِ سِرِّ اللهِ، ومَخزُونِ عِلْمِهِ، فاكتُمْهُ إلَّا عن أهلِهِ”[5].

فالإمام المعصوم (عليه السلام) موجود بيننا في حضوره وغيبته، أمَّا الحضور فواضح، وأمَّا في الغيبة فبإحداث ما يكون فيه نفعٌ للشيعة ودفعٌ للضرر بحسب ما يرى (صلوات الله وسلامه عليه)، وهذا ما تبينه بوضوح جملةٌ من الأحاديث الشريفة[6].

منها ما عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: “إنَّ اللهَ لم يَدَعِ الأرضَ إلَّا وفيها عَالِمٌ يَعْلَمُ الزيَادَةَ والنقْصَانَ في الأرضِ، فإذا زَادَ المُؤمِنُونَ شَيئًا رَدَّهم، وإذا نَقَصُوا أكْمَلَهُ لهم، فَقَالَ خُذُوهُ كَامِلًا. ولولا ذَلَكَ لالتَبَسَ على المُؤمِنِينَ أمْرُهُم ولم يُفَرِّقُوا بين الحقِّ والبَاطِلِ”.

يظهر من هذا الحديث الشريف مناط التدخل المعصوم في حياة المؤمنين، وهو دفع الالتباسات عنهم، وهذا أمر مهمٌّ سوف نرجع إليه بعد قليل إن شاء الله تعالى.

ومنها ما عن إسحاق بن عمَّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعتُهُ يقولُ: “إنَّ الأرضَ لا تَخْلُو إلَّا وفيها عَالِمٌ؛ كُلَّمَا زَادَ المُؤمِنُونَ شيئًا رَدَّهم، وإنْ نَقَصُوا شيئًا تَمَّمَهُ لهم”.

ومنها ما عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إنَّ الأرضَ لا تَخلُو مِنْ أنْ يَكُونَ فيها مَنْ يعلم الزيادَةَ والنقصَانَ؛ فإذا جَاءَ المُسلِمُونَ بِزيَادَةٍ طَرَحَهَا، وإذا جَاؤوا بالنُقْصَانِ أكْمَلَهُ لهم، ولولا ذلك لاخْتَلَطَ على المُسلمينَ أمْرُهُم”.

وكذا عنه (عليه السلام) أنَّه قال: “لن تَبْقَى الأرضُ إلَّا وفيها رَجُلٌ مِنَّا يَعرِفُ الحقَّ؛ فإذا زَادَ النَاسُ فِيهِ قَالَ: قد زادوا، وإذا نَقَصُوا مِنْهُ قال: قد نَقَصُوا، وإذا جاؤوا بِهِ صَدَّقَهُم؛ ولو لم يَكُن كذلك لم يُعْرَف الحقُّ مِنَ البَاطِلِ”.

وعن أبي جعفرٍ الباقر (عليه السلام)، قال: “إنَّ الأرضَ لا تَبْقَى إلَّا وفيها مِنَّا من يَعرِفُ الحقَّ، فإذا زَادَ النَاسُ قال: قد زادُوا، وإذا نَقَصُوا مِنْهُ قال: قد نَقَصُوا؛ ولولا ذلك كذلك لم يُعْرَفِ الحَقُّ مِنَ البَاطِلِ”.

وعنه (عليه السلام)، قال: إنَّ اللهَ لم يَدَعِ الأرضَ إلَّا وفيها عَالِمٌ يَعْلَمُ الزيادَةَ والنقصانَ مِنْ دينِ الله؛ فإذا زَادَ المؤمِنُونَ شيئًا رَدَّهم، وإذا نَقَصُوا شيئًا أكْمَلَهُ لهم؛ ولولا ذلك لالتَبَسَتْ على المؤمنين أُمُورُهم”.

وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: “إنَّ الأرضَ لن تخلو إلَّا وفيها عَالمٌ كلَّمَا زَادَ المؤمِنُونَ شيئًا رَدَّهم إلى الحَقِّ، وإنْ نَقَصُوا شيئًا أتَمَّهُ لهم”.

وعن أبي جعفرٍ الباقر (عليه السلام)، قال: “مَا تَرَكَ اللهُ الأرْضَ بغيرِ عَالمٍ؛ يُنْقِصُ ما زَادَ النَاسُ، ويَزيدُ ما نَقَصُوا؛ ولولا ذلك لاخْتَلَطَ على الناسِ أمُورُهُم”.

وعنه (عليه السلام)، قال: “لم تَخْلُ الأرضُ إلَّا وفيها مِنَّا رَجُلٌ يَعْرِفُ الحَقَّ؛ فإذا زَادَ النَاسُ فِيهِ شَيئًا، قال: فَقَدْ زَادُوا، وإذا نَقَصُوا مِنْهُ، قال: قَدْ نَقَصُوا”.

وبهذا تظهر استفاضة الأحاديث الشريفة في أمور، من أهمِّها ما تكرَّر على ألسنتهم الطاهرة (عليهم السلام) أنَّهم لا يتركون المؤمنين دون رعاية حاسِمَة تُنْجيهم من التباس واختلاط الأمور، وذلك بإجراءات تصحيحية من قبيل الردِّ والإكمال والتتمة والإنقاص والطرح، والقول الذي قد يُحمَلُ على الفعل التغييري كما في الردِّ والإكمال وما إلى ذلك، وقد يكون بمعنى التنبيه فيختصُّ بموارد لا تستعدي الحسم.

إذن، ليس أمرنا متروك على عواهنه دون رعاية ولا عناية، بل نحن تحت لمَّا كنَّا بتوفيقات الله تعالى على ولاية العِترَة الطاهرة أدخَلَنَا اللهُ عزَّ وجلَّ في رحمة عنايته ورعاية أوليائه من أهل بيت الرسالة (عليهم السلام)، فلا يستقرُّ فينا أمرٌ ذو بال إلَّا إذا كان غير مُعَارَضٍ منهم (عليهم السلام)، ولا نقول أنَّه مرضيٌّ عندهم، ولكن على أقل التقديرات أنَّهم لا يرون ما يدعو لردِّه أو إكماله أو إنقاص الدين منهم أو ما شابه. وفي المقابل فإنَّ ما لا يستقرُّ لن يستقرَّ وإنْ اجتَهَدَ الثَقَلانِ من أجْلِهِ؛ إلَّا أن يكون عندهم (عليهم السلام) مرضي الوقوع ذاتًا وظرفًا.

حدود مسؤولية المؤمن:

تمرُّ علينا الكثير من الظواهر والمظاهر في ديننا العظيم، قد نرى الصلاح في بعضها والفساد في بعض آخر منها، فنسعى إلى دعم الأولى، والوقوف المجابِه ضدَّ الثانية، وهذا سلوك طبيعي لا يُنكِره عاقِلٌ على الإطلاق؛ فالإنسان ينفعل بشكل طبيعي مع ما يدور حوله من أحداث، إلَّا أنَّ نفس العاقل يضع حدود لانفعالاته وتدخلاته في البناء والإصلاح، والرد والصد، وما نقوله في مقامنا هذا هو أنَّ طبيعة وجود الحدث في نفسه وفي ظرفه هي التي ينبغي أن تكون المُحدِّدَ لانفعالات وتدخلات العاقل، فلا يزيد مع ما لا يتزلزل وجوده، ولا مع ما لم يظهر له استقرار. أمَّا الأوَّل فإنْ كان غيرَ مرضيٍّ عندهم (عليهم السلام) فإنَّهم سوف يتدخلون في الوقت المناسب وبالطريقة التي يرونها، ولن يبقى له استقرارُ، وأمَّا الثاني فإن كان مرضيًا عندهم فسوف يأذنون له بالوجود والاستقرار في الوقت المناسب وبالطريقة التي يرونها. والسرُّ في ذلك أنَّهم لا يتركون شيعتهم لملتبسات الأمور ومختلطاتها.

من المهمِّ التنبيه هنا إلى أنَّ ما لا يتدخل الإمام (عليه السلام) لإقراره أو لتغيره، فهذا لا يعني  بالضرورة حُسْنَ الأوَّل أو قُبْحَ الثاني، ولكن غاية ما يدلُّ عليه هو أنَّ وقته لم يحن بعد، أو أنَّ في وجوده بالرغم من قبحه أو عدم حسنه مصلحة تخفى على عقولنا القاصرة.

خطر التجاوز:

قد أجزم من غير تردُّد بأنَّ ما نعيشه من فِتنٍ ونزاعات يرجع بشكل كبير إلى إصرارنا، أو بعضنا، على التردِّي برداء الإمام (عليه السلام)، والعمل بكل قوَّة انطلاقًا من عقيدة ترفضها الأحاديث الشريفة، وهي البناء على أنَّ مسؤولية التغيير في زمن الغيبة حقٌّ من حقوق عامَّة الناس ما دام المعصوم (عليه السلام) مستتِرًا، ما أنتج في الواقع نزاعات مُعقَّدة، لو أنَّنا نحاول تحليلها وفهم مناشئها، لوجدناها ترجع إلى التنازع على قيادة التغيير، بناءً ووإصلاحًا.. إنقاصًا وإكمالًا.. إدخالًا وردًّا..!!

ما هو للمعصوم (عليهم السلام) جعلناها حقًا خالصًا لنا لا يُزحِمُه مُزاحِم، وكأنَّه (عليه السلام) لا وجود له في غير بعض أدعيتنا وزياراتنا، ولذلك لا نجِد له (عليه السلام) ظهورًا في واقع قراءاتنا وتحليلاتنا ورؤانا، وهو ما عمَّق ويُعمِّق المشاكل والأزمات التي نعانيها.

أشير هنا إلى أنَّ التضخيمَ والتهويلَ في إظهار التشخيصات الموضوعية بتصوير أمرها وكأنَّه الفاصِمة القاصِمة للمجتمعِ والإسلامِ والإيمانِ خُرُوجٌ عن الموضوعية وتعقيدٌ للأمور، لن يُؤِّثرَ ساعةً على ذي عقل.

لن نلتفت كثيرًا لمن يذهب بما في هذه المقالة منحرفًا ومُحرِّفًا، فما نقوله هو وجوب العمل على المؤمنين للبناء والتصحيح، ولكن مع ضبط من عدم تجاوز الحدود، فما يقبل الإقرار أو التغيير بحسب الجهود العقلانية الطبيعية فبها، وإلَّا فالأمر يُترك إلى ما يريده صاحب الأمر (أرواحنا فداه)، ولتكن منَّا المراقبة بعدئذ، فقد يتغير الواقع بتغير الظروف.

ضابطة واضحة:

إذا كان من هموم الإمام (عليه السلام) أن لا يترك شيعته في مشكلات الالتباسات والاختلاطات، فإنَّه من باب أولى يرفض أن نصل إلى الحدود التي تتعقبها نزاعات وخصومات، وبالتالي فإنَّ الجهود التي تُبذَل للبناء أو الإصلاح والتغيير تُحدُّ ضبطًا بما تبدأ عنده مظاهر النزاع، فعندها تتوقف.

هنا آيات أدعو القارئ الفاضل لتأمُّلِها، فقد يجدها مُؤيِّدَةً، وربَّما مُفَصِّلَةً لما تقدَّم..

يقول تعالى (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ * إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[7].

وضوح توجيهنا لحديث (لا تهجم عليه اللوابس):

قال الإمام الصادق (عليه السلام): “والعالم بِزَمَانِهِ لا تهجمُ عليه اللوابِسُ”.

كتبتُ مقالًا في تاريخ 27 من ربيع الأوَّل 1440 للهجرة، بعنوان: (هما زمانان.. رؤية في حديث ” والعالم بِزَمَانِهِ لا تهجمُ عليه اللوابِسُ”[8]، بينت فيه أنَّ الزمانَ زمانان، زمن الحضور وزمن الغيبة، والوظيفة في الأوَّل الاتِّباع المطلق للمعصوم (عليه السلام)، وفي الثاني الاحتياط، والحذر كل الحذر من ملاحقة الأحداث والتغيرات العالمية بحجَّة معرفة الزمان، إذ ليس في ذلك إلَّا البعد عن الحقيقة والاستقرارين الذهني والنفسي، وبالتالي الارتماء في أحضان اللوابس.

إضافة إلى ما مرَّ في المقال المشار إليه، نضمُّ نتيجة ما نفهمه من الأحاديث الشريفة التي يبتني عليها هذا المقال، فتنكشف لنا حدودٌ جديدةٌ للاحتياط، وهي الوقوف عند ما لا يتغير، وعند ما تبدأ معه النزاعات الداخلية، وحينها لا يكون التوقف لا جُبنًا ولا تهاونًا ولا تراجعًا عن تحمُّل المسؤولية، بل على العكس تمامًا، ولا أبالغ على الإطلاق لو قلتُ بأنَّ هذا التوقف لهو من أشدّ وأصعب مراتب جهاد النفس، كيف لا، وفي التصدِّي والتصدر وجاهة، بل وجاهات تُلاعِبُ النَفْسَ حتَّى في مواطن الشدَّة، بل هي أكثر حضورًا في مثل تلك المواطن!!

علينا أن نتوقَّف عن منازعة الإمام المعصوم (عليه السلام) رداءه، ولتكن رؤيتُنا في التصدِّي وتحمُّلِ المسؤولية مَبنيَّةً على الحدود التي حاولنا توضيحها في هذا المقال، وإلَّا فلن نذهب إلى أكثر من مضاعفة الإفساد..

 

السيد محمَّد بن السيد علي العلوي

23 من المحرَّم 1441 للهجرة

البحرين المحروسة

…………………………………………

[1] – الاحتجاج – الشيخ الطبرسي – ج 2 – ص 322 – 323

[2] – الآيتان 16 – 17 من سورة الأعراف

[3] – الآيتان 118 – 119 من سورة النساء

[4] – الآية 59 من سورة النساء

[5] – كمال الدين وتمام النعمة – الشيخ الصدوق – ص 253

[6] – بصائر الدرجات – محمد بن الحسن الصفار – ص 351 – 352

[7] – الآيات من 46 إلى 49 من سورة الأنفال

[8]http://main.alghadeer-voice.com/archives/5249

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.