منابعُ العلم عند الإمام المعصوم ll مقال لسماحة الشيخ مهدي صالح الجمري

بواسطة Admin
0 تعليق

إنّ موضوع علم المعصوم (ع) موضوعٌ واسعٌ وعميق قد تعرضت له الأحاديث الشريفة وتناوله العلماء بتفصيلاتٍ مطوّلة، ونطلُّ في هذا المقال إطلالةً على ذلك، لكي نزيد معرفتنا، وانزداد بصيرةً بديننا الحنيف، ويقوى اعتقادنا بالإمام وتسليمنا له.

المقدمة:

قد ورد في الأحاديث الشريفة أنّ الإمام (ع) يعلم ما كان وما يكون وما هو كائن، ويعلم خبر السماء وخبر الأرض، ويعلمُ ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى وهو في بيته مرخىً عليه الستر، ويعلم باسم الله الأعظم، ويعلم بالبلايا والمنايا، ولا يجهل شيئًا مما يحتاج إليه ويحتاج إليه الناس، وغير ذلك مما نصت عليه الأحاديث الشريفة، وعللت بعض الأحاديث ذلك بأنّ الحجة لا تُقام، ولا يكون المعصومُ حجة إلا إذا كان عالمًا بالوجه الذي ذكرنا.

وبعض هذه الأحاديث الشريفة تحتاج إلى معالجاتٍ علمية وجمعٍ دلالي، ولا نتعرض لذلك في المقام، لخروجه عن المقصد.

ولعلمه (ع) هذا جهاتٌ متعددة ومناشئ ومنابع بينتها الأحاديث الشريفة، ونتعرض هنا لذلك في نقاط:

أولاً: العقل

من الواضح أنّ العقل هو محلُّ الإدراك، وقد ورد في الأحاديث الشريفة أنّ العقل دليل الإنسان ومبصره ومفتاح أمره، ومنه الفطنة والفهم والحفظ والعلم، وورد فيها أيضًا أنّ الله قد أكمل العقل فيمن يُحب، ولا ريب أنّ الله سبحانه يُحبُّ وليّه وخليفته والإمام المنصب من قبله، فلذا كان عقله عقلاً كاملاً، كما أنّه قد جاء في الأخبار أنّ الله قد أكمل جنود العقل في أوصيائه، فلِما ذكرنا ولغيره ثبت أنّ عقل المعصوم هو أكمل العقول، وهو من منابع علمه (ع).

ثانيًا: روح القدس

إنّ الله سبحانه وتعالى أيّد الإمام المعصوم بروح القدس، وروح القدس خَلْقٌ من عالم الملكوت أعظم من جبرائيل وميكائيل، وليس هو بملكٍ من الملائكة، بل هو من أمرِ الله سبحانه لقوله تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)، وقوله تعالى: (تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر)، والآية الشريفة قد فرّقت بين الملائكة والروح مما يدلُّ على المغايرة، والأحاديث الشريفة قد نصت على ذلك. وتنَزُّلُ الملائكة والروح المذكور في الآية الكريمة إنما هو على الإمام المعصوم.

وروح القدس روحٌ من أرواح الإمام (ع)، فالتأييد به يكون على وجهٍ يتلبس به، فكما أنّ العقل خلقٌ نوريٌّ من خلق الله سبحانه، وقد أودعه الله في الإمام وأكمله فيه، فكذلك روح القدس خلقٌ أيّد الله به المعصوم فكان روحًا من أرواحه، فلذا ورد في الحديث أنّ الإمام يرى الأشياء بواسطته، ويعلم بسببه.

وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو، ويؤيد الإمام به وقت إمامته لا قبل ذلك.

فقد روى الكليني بسنده عن المفضل بن عمر، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: « سألته عن علم الامام بما في أقطار الارض وهو في بيته مرخى عليه ستره.

فقال: يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي صلى الله عليه وآله خمسة أرواح: روح الحياة فبه دب ودرج، وروح القوة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الايمان فبه آمن وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوة فإذا قبض النبي صلى الله عليه وآله انتقل روح القدس فصار إلى الامام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو، وروح القدس كان يرى به » .

وروى أيضًا بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: « سألته عن علم العالم. فقال لي: يا جابر إن في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح: روح القدس وروح الايمان وروح الحياة وروح القوة وروح الشهوة، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى، ثم قال: يا جابر إن هذه الأربعة أرواح يصيبها الحدثان إلا روح القدس فإنها لا تلهو ولا تلعب ».

وروى أيضًا بسنده عن أبي بصير قال: « سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل: ” يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ” قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الائمة، وهو من الملكوت ».

 

ومن خلال النقطتين السابقتين يمكن أن نقول:

للمعصوم نفسًا كبقية البشر، وأرواحًا كأرواحهم، وامتاز عنهم بكمال أرواحه، وروح زائدةٍ عليهم يؤيد بها عند إمامته لا قبل ذلك، وثبت أن للإمام المعصوم عقلاً أكمل من عقولهم، فقد استكمل الله عقله ولولا ذلك لما كان وصيًا وإمامًا.

فللإمام من جهة الإدراك قابليتان:

القابلية الأولى: القابلية العقلية: وهي قابلية كاملة، ولا فارق بينه وبين غيره من البشر إلا في الكمال.

القابلية الثانية: القابلية الملكوتية: وهي القابلية الناشئة عن روح القدس، ويمكن تسميتها بالملكوتية، نسبة إلى عالم الملكوت الذي منه روح القدس كما دلّ عليه حديث أبي بصير الذي مرّ ذكره.

ووظفية العقل هي غير وظيفة روح القدس، لأنّ التأييد المذكور في الحديث لا يصدق إلا إذا وجد فرق في الوظيفة بينهما، فلا يتحقق التأييد مادامت الوظيفة واحدة بلا أي ميزةٍ وفارق، وما يستفاد من الأحاديث أنّ روح القدس يضيف مزيد قابلية للإمام في جانب العلم والمعرفة لا تكون إلا به، ولا يقوم العقل بها، فروح القدس يفرقُ عن العقل من جهة أنّ العقل لا يدرك في الآن الواحد كل المادة الواقعية على نحو الاستحضار والتوجه، بخلاف روح القدس فهو يدرك على نحو الإحاطة متجاوزًا بعدي الزمان والمكان، فهو ليس كالعقل قائمٌ على الإعمال والتوجه واستحضار الصور الذهنية من الواقع على نحو التجزيء والاقتطاع، وغير ذلك مما هو من شؤون العقل وأحواله.

ثالثًا: العلم الحادث

قد ورد في الأحاديث الشريفة أنّ المعصوم (ع) يُنكتُ في قلبه ويسمّى بالإلهام، وينقر في سمعه، وهو أمر الملك، ويصطلح على ذلك بالعلم الحادث.  

فقد ورد في الكافي الشريف عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عمن حدثه، عن المفضل بن عمر قال: « قلت لأبي الحسن عليه السلام: روينا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إنّ علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الاسماع.

فقال: أمّا الغابر فما تقدم من علمنا، وأما المزبور فما يأتينا، وأمّا النكت في القلوب فإلهام وأمّا النقر في الأسماع فأمر الملك ».

ويقصد من العلم الغابر هو العلم الموروث الذي سيأتي الكلام عنه، ويقصد من العلم المزبور

وورد فيه أيضًا عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن عمه حمزة بن بزيع، عن علي السائي، عن أبي الحسن الأول موسى عليه السلام قال: قال: « مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماضٍ وغابر وحادث  فأمّا الماضي فمفسر، وأمّا الغابر فمزبور وأمّا الحادث فقذف في القلوب، ونقرٌ في الاسماع  وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا ».

وورد في أيضًا عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن علي بن موسى، عن صفوان بن يحيى، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله عليه السلام [قال] قلت: « أخبرني عن علم عالمكم؟ قال: وراثة من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن علي عليه السلام قال: قلت: إنّا نتحدث أنه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم قال: أو ذاك ».

وما دلَّت عليه مجموع هذه الأحاديث أنّ علم الأئمة (ع) باعتبار متعلقه على أقسامٍ ثلاثة:

القسم الأول: ما تعلق بالأمور الماضية.

القسم الثاني: ما تعلق بالأمور الآتية مما هو محتوم.

القسم الثالث: ما تعلق بالأمور المستجدة، ويسمّى بالعلم الحادث، وهو القذف في القلوب (الإلهام)، و النقر في الأسماع (تحديث الملك).

وسيأتي الكلام عن العلم المزبور والغابر والماضي، فما يبدو أن كلها إطلاقات لمعنىً واحد، وهو العلم الموروث.

رابعًا: العلم الموروث

قد دلت الأحاديث أنّه ما من علم أنزله الله قد رُفِع، فكل علم من لدن آدم إلى النبي الخاتم كان متوارثًا حتى جمع أمير المؤمنين (ع) سنن جميع الأنبياء وعلومهم، ولم يرفع هذا العلم بل هو من بعده في الأئمة من ولده واحدًا بعد واحد يتوارثونه وراثةً.

فقد ورد في الكافي الشريف عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة والفضيل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: « إنّ العلم الذي نزل مع آدم عليه السلام لم يرفع، والعلم يتوارث، وكان علي عليه السلام عالم هذه الأمة، وإنّه لم يهلك منا عالم قط إلا خلفه من أهله مَنْ عَلِم مِثْل علمه، أو ما شاء الله ».

وورد في الكافي أيضًا عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن شعيب الحداد، عن ضريس الكناسي قال: « كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده أبو بصير، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنّ داوود ورث علم الأنبياء، وإنّ سليمان ورث داوود، وإنّ محمدًا صلى الله عليه وآله ورث سليمان، وإنّا ورثنا محمدًا صلى الله عليه وآله، وإنّ عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى.
فقال أبو بصير: إنّ هذا لهو العلم.
فقال: يا أبا محمد ليس هذا هو العلم، إنّما العلم ما يحدث بالليل والنهار، يومًا بيوم وساعة بساعة » .

وكما ورثوا علمهم وسننهم وراثةً كذلك ورثوا كتبهم، والأئمة (ع) يقرؤونها كما قرؤوها، فعندهم الجَفْر الأبيض، وهو جلد ثور أو وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، ففيه زبور داوود وتوراة موسى وإنجيل عيسى ومصحف إبراهيم والحلال والحرام (الجامعة) ومصحف فاطمة.

والأخيران من مواريث أهل بيت العصمة خاصة، وهما الجامعة ومصحف فاطمة.

أمّا الجامعة: فهي صحيفة طولها سبعون ذراعًا بذراع رسول الله (ص) وإملائه من فَلْق فيه وخط علي بيمينه، فيها كلُّ حلالٍ وحرام، وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش، وما من قضية إلا فيها مما يتعلق بالحلال والحرام.

أمّا مصحف فاطمة: فهو مصحف فيه مثل القرآن ثلاث مرات وما فيه حرف واحد منه، وليس فيه شيء من الحلال والحرام، وإنما فيه علم ما يكون، وما يجري على ذرية فاطمة (ع)، وفيه وصيتها.

وهذا المصحف كتبه أمير المؤمنين (ع) سماعًا من جبرائيل حيث كان يأتي فاطمة (ع) يحسن عزاءها على أبيها ويطيّب نفسها ويخبرها عنه وعن مكانه، ويخبرها بما يكون بعدها.

فقد روى الكليني في الكافي عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الحسين ابن أبي العلاء قال: « سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنّ عندي الجفر الأبيض.

قال: قلت: فأي شيء فيه؟

قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم عليهم السلام والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآنًا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة، ونصف الجلدة، وربع الجلدة وأرش الخدش».

وروى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة قال: « سأل أبا عبد الله عليه السلام بعضُ أصحابنا عن الجفر.

فقال: هو جلد ثور مملوء علمًا.

قال: له فالجامعة؟

قال: تلك صحيفة طولها سبعون ذراعًا في عرض الأديم مثل فخذ الفالج، فيها كل ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلا وهي فيها، حتى أرش الخدش.

قال: فمصحف فاطمة عليها السلام؟

قال: فسكت طويلًا ثم قال: إنكم لتبحثون عمّا تريدون وعما لا تريدون إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يومًا وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاء ها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة عليها السلام » .

وروى الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن صالح بن سعيد، عن أحمد بن أبي بشر، عن بكر بن كرب الصيرفي قال: « سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنّ عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس، وإنّ الناس ليحتاجون إلينا، وإنّ عندنا كتابًا إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام، صحيفة فيها كل حلال وحرام، وإنّكم لتأتونا بالأمر فنعرف إذا أخذتم به ونعرف إذا تركتموه ».

وقد اصطلحت الأحاديث على هذا العلم بالعلم الموروث.

خامسًا: علم الكتاب

قد دلت الأحاديث على أنّ الأئمة (ع) يعلمون كل القرآن ظاهره وباطنه من أوله إلى آخر، ويعلمون تفسيره وأحكامه، ومنه يعلمون خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان وما يكون وما هو كائن.

فقد روى الكليني عن محمد بن الحسين، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان عن المنخل، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: « ما يستطيع أحد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء ».

وروى الكليني عن علي بن محمد ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن القاسم بن الربيع عن عبيد بن عبد الله بن أبي هاشم الصيرفي، عن عمرو بن مصعب، عن سلمة بن محرز قال:

« سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ من علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه، وعلم تغيير الزمان وحدثانه، إذا أراد الله بقوم خيرًا أسمعهم، ولو أسمع مَنْ لم يسمع لولّى معرضًا كأنْ لم يسمع.
ثمّ أمسك هنيئة، ثم قال: ولو وجدنا أوعية أو مستراحًا لقلنا والله المستعان ».

وروى الكليني عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عيسى، عن أبي عبد الله المؤمن عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: « سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: والله إنّي لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنّه في كفي فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن، قال الله عز وجل: ” فيه تبيان كل شئ” ».

 

الخاتمة

تحصل مما سبق أنّ علم الإمام (ع) على وجوهٍ وأنحاء، وأنّ منابع علمه متعددة، فمن هذه المنابع عقله الكامل، ومنها روح القدس الذي أُيّد به، ومنها نكت الملك وتحديثه، ومنها الإلهام، ومنها الكتب السماوية ومواريث الأنبياء، ومنها مصحف فاطمة (ع)، ومنها الجامعة، ومنها كتاب الله عز وجل.

ومن ذلك يتضح أيضًا أنّ علم ما كان وما يكون وما هو كائن الذي هو أعمّ علومهم (ع) قد يكون من وجوهٍ متعددة، فتارةً يكون من كتاب الله سبحانه، وأخرى من كتاب فاطمة، وثالثةً من تأييد الملك وهكذا…

وبمقتضى هذه الأحاديث لا يفتقر المعصوم في علمه إلى أحدٍ من الخلق، ولا يجهلُ شيئًا مما يحتاجه، وقد نصّت الأحاديث على ذلك.

نعم إنّ الإمام المعصوم في افتقارٍ دائمًا إلى الله سبحانه حتى في علمه، قال تعالى آمرًا نبيه الأكرم: (وقل ربِّ زدني علمًا)، وورد في الأخبار ما نصّه « لولا أنّنا نزداد لأنفدنا».

فائدة: هذه العقيدة التي نعتقدها في علم الإمام هي من أهم مرتكزاتنا التي نرتكزُ عليها للتأسيس إلى مبدأ التسليم للأئمة (ع)، لأنّه ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم، ولا حجة للجاهل، وإذا قيست منابع علمنا ومقدار عقولنا إلى الإمام المعصوم (ع) عرفنا حجمها وقدرها، وعرفنا أنّ نسبتنا له نسبة الجاهل إلى العالم.

وهذا المضمون مستفادٌ من محاورة الإمام الصادق (ع) للزنديق:

« … فقال أبو عبد الله عليه السلام للزنديق: أتعلم أنّ للأرض تحتًا وفوقًا ؟
قال: نعم.
قال فدخلت تحتها ؟
قال: لا.
قال: فما يدريك ما تحتها ؟
قال: لا أدري إلا أنّي أظن أنْ ليس تحتها شيء.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: فالظنّ عجز، لما لا تستيقن؟
ثمّ قال أبو عبد الله: أفصعدت السماء؟
قال: لا.
قال: أفتدري ما فيها؟
قال: لا.
قال: عجبًا لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل الأرض ولم تصعد السماء ولم تجز هناك فتعرف ما خلفهنّ وأنت جاحد بما فيهن وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟!
قال الزنديق: ما كلمني بهذا أحد غيرك.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: فأنت من ذلك في شك فلعله هو ولعله ليس هو؟
فقال الزنديق: ولعل ذلك.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم، ولا حجة للجاهل يا أخا أهل مصر ! » الحديث.

والحمدلله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين محمدٍ وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.

 

مهدي صالح الجمري

19 محرَّم 1440 للهجرة

بني جمرة – البحرين

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.