من اللافت للنظر في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي الرهيب، وتنوعها وتعددها حتى أصبحنا نسبح في دائرة مغلقة من تعقيدات ما أفرزته تطورات العالم التكنولوجي والرقمي في العصر الحاضر، بات اقتناء برامج التواصل الاجتماعي متاحًا وبكثرة للجميع بدءًا من الطفل الصغير إلى الكبير من الأفراد، فلم يعد هناك ما يمنع من ممارسة التفاعل مع تلك البرامج، فلا يوجد أي موانع طبقية أو عمرية خاصة مع إذابة الحواجز في الفضاء الالكتروني. هو نمط حياة فرضته متطلبات الحياة العصرية بحيث الفاقد لتلك المعرفة يوصم بالأمية التكنولوجية.
الكل يعلم بأن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يهدف إلى تحقيق المطالَب من نقل المعرفة وتداولها بين المشتركين، وتحقيق الأهداف والغايات الاجتماعية من صلة الأرحام وغيرها من الفضائل.
هناك الكثير من حلقات النقاش الدائرة في غرف التواصل الاجتماعي من وتساب وانستغرام وغيرها، هذه النقاشات قد تعمق وتبني العقائد وتثبتها، فعندما أنشر صورة ترمز ليوم عاشوراء فإن المتلقي من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي يتفاعلون معها، بأن هذه الصورة أو هذا المقطع المرئي أو الصوتي يعمق التواصل بيننا وبين هذا الحدث الكوني، ربما يحملنا على البكاء والجزع على سيد الشهداء (عليه السلام).
إن الصورة لها رمزية ربما أكثر من الكلمات والخطب الرنانة، فالكل متفق على مشروعية البكاء والحزن والجزع على سيد الشهداء (عليه السلام)، قال الصادق عليه السلام “اللهم أرحم تلك الصرخة التي كانت لنا”. كامل الزيارات.
مع دخول العالم الشيعي في الذكرى السنوية لعاشوراء الحسين (عليه السلام)، تترافق مع ذلك دعوات ونقاشات منها ما يكون علمي وأكثرها يكون اجتهادات نقاشية تزيد من حدة النزاع والتباغض، فما يثبت عندك يعتبر خرافة وأضحوكة تشوه المذهب، وبالتالي يجب تهذيب الشعائر العاشورائية وتنقيتها مما ألحق بها من تشويه وبدع خطيرة؟
كثير من القضايا والرويات التي تنشر في وسائل التواصل الاجتماعي تفقد المصداقية بل تعتبر في حقيقتها نقل بغير وعي، الغرض منها تشويه لحقائق دينية، وبالتالي المتلقي لهذه القضايا إما أن يكون جاهلًا بالحقيقة التاريخية، أو أن يكون نقلها من أجل إثارة الرأي العام حولها، أو أنه ناقل من جهة يعتبرها حجة علمية لا تحتمل الخطأ.
أنا هنا عندما أنقل صورة أو مقطعًا تصويريًا لحادثة معينة أو مقطعًا تصويريًا لمشاهد التشبيه في العزاء، وأعنون هذا المقطع أو الصورة بأنها خرافة وأضحوكة تشوه المذهب! وغيرها من عبارات الحط والتوهين للمشاركين فيها، فالسؤال هنا: هل إن برامج التواصل الاجتماعي قاعدةٌ صحيحة لإثبات شرعية عمل من عدمه؟ لو كان كذلك وأطلقت اليد في ذلك لأصبحنا نعيش في دائرة التخوين والرأي الواحد، وإن لم تكن معنا فكن ضدنا، فما وجدتُه خرافة يجب أن تخضعَ فيه لرأيي وتعترف بممارسة الخرافة في شعائرك الدينية!
ما هي الضابطة في تحديد ما هو شرعي وما هو خرافة وتشويه؟
المتفق عليه بأن ليس كل ما هو موجود في الكتب صحيح، ويحتاج بالطبع للبحث والتقصي، وربما وهذا الأهم ما لم يثبت عندك ربما ثبت عند غيرك، وهنا نرى البعض ينقل مقطع فيديو سواء على الواتساب او الانستغرام أو غيرها من الوسائل الالكترونية، ينقل لعالم دين يوصف بعض الروايات بأنها غير موجودة، وأنه (لا يوجد لدينا)، من أنتم؟ لا يوجد لدينا مثل هذه الروايات! وبمجرد أن يحصل عليها صاحب الحساب الشهير يقوم بنقلها بكل ما عرفته البشرية من برامج التواصل الاجتماعي ليؤكد كلام العالم الديني الشهير!
من جانب آخر وعلى النقيض من ذلك نجد أن مثل الرواية المختلف عليها صحيحة عند العالم الديني الشهير الأخر؟ بل يؤكد عليها، وبالتالي يقوم محبوه بنشرها بكل وسائل التواصل الاجتماعي، وهنا نسأل مرة أخرى ما هي الضابطة في عملية التحقيق في الروايات والممارسات؟ من له الحق في تحديد ما هو صحيح من غير الصحيح؟ هل يحق للعوام نشر كل ما يحلو لهم بعنوان تنقية المذهب من التشويه؟ أو تهذيب الشعائر الحسينية؟ هل وسائل التواصل الاجتماعي بيئة مناسبه لبحث القضايا المعقدة وحلها؟ إن النقاش من خلال هذه البرامج يعقد المسألة ويحول النقاش الى سفسطائية عقيمة، فبمجرد النظر في تعليقات المتابعين على أحد القضايا، تعكس مدى ضحالة التفكير من الطرفين وما يفرزه من صراع بينهم بين قائل بالخرافة وبين قائل بتقوية الدين.
محمَّد يوسف العرادي
5 من المحرَّم 1440 للهجرة