بدأ أحدُ الأساتذة الكرام -بشكلٍ يومي- بنشر صورةٍ تتضمن معلوماتٍ معيّنةٍ ترتبط باليوم، والمعلوماتِ عبارةٌ عن كون هذا اليوم صالحًا للتزويج أم لا، وكون قصّ الشعر والأظافر فيه مستحبًّا أو مكروها، وما هو الأثر المترتّب عليهما، وهذه المعلومات قائمةٌ على الروايات الواردة عن الرسول الأعظم (ص) والعترة الطاهرة (ع)، وهم دون شكٍّ الجهةُ المعصومة التي نرتبط بها ارتباطًا وثيقًا.
في بادئ الأمر لم أكنْ أتابع هذه المسألة بشكلً كبيرٍ، وباهتمامٍ بالغٍ، لكنّني مع مرورِ الأيام بدأت بمراعاتها، بل صِرتُ أنشرها كذلك، وبدأت أعتبرها بشكلً أكبر شيئًا فشيئًا.
في الواقع هنالك جهاتٌ كثيرةٌ تتعلّق بالموضوع المطروح، من أهمها الارتباط بأهلِ بيتَ العصمة وما يرد عنهم، أي أنّ المسألة لها بعدٌ عَقَديٌّ يجعل الإنسان يتمسّك بما يرِد من تلك الجهة المعصومة التي يلتزمها، بل أنّ المؤمن إذا وصله شيءٌ عنهم ولم يلتزم به -حتى لو كان مستحباً أو مكروهًا- فإنه يشعر بالتقصير وبالخجل لعدم التزامه.
أما الجهة الثانية وهي واضحةٌ كما أتصوّر، فهي مسألة الآثار التي يأخذُها المؤمن بالحسبان، سواء كانت دنيويةً أو أخرويةً، فالسعة في الرزق يطلبها الإنسان، ويبغض الفقر، وعندما يجد لذلك ارتباطًا بوقت قص الأظافر والشعر فإنه يراعيها بطبيعة الحال، فيجد نفسَه لا تتهاون في الأمر، فبالإضافة لمسألة العقيدة كما مرَّ -وهي المرتكز- فإن النفسَ أيضًا تتدخّل في المسألة، فقد تبتعد الطمأنينة عنّي بمخالفة ما جاء في التقويم المذكور، ويعود الاستقرار لنفسي مع الالتزام به.
الجهة الثالثة أمرٌ يترتب على مسألة الالتزام بما في هذا التقويم، قد يحتاج الفرد منّا للتأمل ليجده، فهو ليس بوضوح الجهة الثانية السابقة الذكر، وإن كانت العلاقةُ بين الوجوهِ جميعِها وطيدةً، والوجه فيها هو التدرّب والاعتياد على تطبيق ما جاء من جهة المعصوم حتى لو كان ظاهره بسيطًا وصغيرًا وليس ذي بال، فعندما ألتزم بهذا تعتاد نفسي على الامتثال لكلّ ما يثبت أنه جاء من جهة الشارع المقدس، مع إحرازي لشيءٍ ممّا يجعلني محبوبًا عند الله تعالى، وهو التسليم له حتى في هذه الصغائر من الأمور ظاهرًا، بينما قد تكون في ذاتها طريقًا لي للتسليم المطلق، ونيل الرضا المطلق، فاليوم آتي بهذا المستحب وأتركُ ذاك المكروه بشكلٍ يوميٍّ مستمر، وغدًا مع المرونة التي تتحقّق في النفس منه، ألتزم بغسلِ الجمعة، ودوامِ الطهارة، وغسلِ اليدين قبل وبعد الأكل، والبسملة قبله والحمد بعده، وهكذا حتى أترقَّى لما هو أكبر وأهم.
لكن ينبغي الالتفات إلى أنّ الأمر لا يتوقف ههنا، فقد تكون نفسُ العمليةِ حاصلةً في غير طريق الخير، فتكون عقيدتي هي حبّ المال، والمستحبّ اليومي هو الربا، والمكروه هو الصدق، وما يجره معه مع اعتياد النفس هو السرقة والخيانة والكذب، لذلك لا بدَّ من الحذر من متابعةِ أيّ أمرٍ وتطبيقه ما لم يكن يقودنا نحو الصراط المستقيم، فيجرنا ونحن في غفلةٍ نحو الجحيم ونحن نظنّ أننا نُحسن صنعا، والبداية لعلّها كانت بأمرٍ بسيطٍ جدًّا.
قال تعالى: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)[الكهف/١٠٤].
كما أنّه ينبغي الالتفاتُ أيضًا لأمرٍ غايةٍ في الخطورة، وهو ما أنبأ عنه رسولُ الله (ص) من التحولِ إلى رؤية المنكر معروفًا والمعروف منكرًا، وما أتعسه من حال، وما أشقى من يقترفه، فلن يقفَ في وجهه شيءٌ، ولن يردعَه رادعٌ إذا وصل لهذه الحالة.
قال رسول الله (ص): “فيكون عندَكُم المنكرُ معروفًا، والمعروفُ منكرًا”[مستدرك الوسائل/ج١١].
بالنتيجةِ فإنّه ينبغي التدقيق في كونِ الأمور صالحةً أم طالحةً، معروفًا أم منكرًا، ثم السعي لتطبيق الصالح منها حتى لو كان بسيطًا، وترك الطالح منها حتى لو كان حقيرًا، فإنه قد يكون بداية الطريق، وهو علّةٌ أو جزءُ علّةٍ دونَ شكٍّ أو ريبٍ لما تترتَّب من المعلولاتِ اللاحقة.
محمود سهلان
١٦ شعبان ١٤٣٩هـ
٢ مايو ٢٠١٨م