تنتشر بين الناسِ عبارة (لا حياء في الدين) فهل مضمون هذه العبارة صحيح؟ للإجابة على هذا السؤال فلنتوجَّه لِما يَعتمد عليه الدين الحقّ في تشريعاته لنرى إنْ كانت هذه العبارةُ صحيحة أم لا، ولِنعرف العلاقةَ بين الحياء والدين.
عن عليٍّ عليه السلام قال: (هبطَ جبرئيلُ على آدم عليه السلام فقال: يا آدمُ إني أُمرتُ أن أُخيرك واحدةً من ثلاثٍ فاخترها ودَع اثنتين فقال له آدم: يا جبرئيل وما الثلاث؟ فقال: العقل والحياء والدين، فقال آدم: إني قد اخترتُ العقل فقال جبرئيل للحياء والدين: انصِرفا ودعاه فقالا: يا جبرئيل إنا أُمرنا أن نكون مع العقل حيث كان، قال: فشأنكما وَعَرج)[أصول الكافي/ج١].
عن أبي عبدِ الله عليه السلام قال: (الحياءُ من الإيمان والإيمانُ في الجنة)[أصول الكافي/ج٢].
عن أحدِهما -أي عن أحدِ الصادِقَين عليهما السلام- قال: (الحياء والإيمان مقرونانِ في قرن، فإذا ذهبَ أحدهما تبعه صاحبه)[أصول الكافي/ج٢].
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا إيمانَ لِمَن لا حياءَ له)[أصول الكافي/ج٢].
قال رسولُ الله (ص): (أربعٌ مَنْ كُنَّ فيه، وكان من قرنه إلى قدمه ذنوبًا بدَّلها الله حسنات: الصدقُ والحياء وحسن الخلق والشكر)[أصول الكافي/ج٢].
الحياء كما نستفيده من الروايات السابقة وغيرها من الروايات مقترنٌ بالعقل والدين والإيمان والعلم، ويكفي أنه كان خيارًا في موازاةِِ العقل والدين لنعرف أهمّيته، وعلى ما مرَّ قد نفهم أن الحياءَ من أهم الخصال التي ينبغي أن يتحلّى بها المؤمن حيثُ أنه لا إيمان دونَ حياء، فالروايات واضحةٌ في طلب الحياء من المؤمنين.
فيما يلي مثالٌ قرآني أدَّعي أنه راعَى الحياءَ في خصوص إحدى المفردات التي عبَّر فيها عن مراده:
قال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ …)[البقرة/١٨٧].
الرَّفَث: الراء والفاء والثاء أصلٌ واحدٌ، وهو كلُّ كلام يُستَحْيا من إظهاره[مقاييس اللغة لابن فارس].
نلاحظ أنّه تعالى أشارَ لما يقعُ بين المرءِ وزوجِهِ إشارةً باستعمال كلمة (الرّفَث) ولم يصرِّح بالمراد، حيث أن لهذه الكلمة أكثرَ من معنى لكنّ المرادَ هو الحالةُ الخاصّة بين الزوجين، وهو أحد معاني الكلمة حسبَ بعض قواميس اللغة، فلم يعمد للتصريح بكلمةٍ واضحة..
هناك أمثلةٌ أخرى تتعلّقُ بذات الموضوع وبغيره، لا أجد داعٍ لذكرها فأكتفي بالمثالِ السابق.
على أيّ حال، بعد أن اتضحتْ أهميةُ الحياء كخصلةٍ مطلوبةٍ للمؤمن، أقول أن تناولَ بعض الكلماتِ والمسائلَ بين الناس هو ممّا ينبغي الترفعُ عنه، حتى لو كان من باب أنها مسألةٌ شرعيةٌ ما لم يكن لذلك حاجةٌ ملحة، وفي حدودها الخاصة، خصوصًا عندما ننمّي في أذهاننا أن الأحكامَ الشرعية في الأعمِّ الأغلب هي أقل المطلوب منّا، فالمؤمن ينبغي له أن يتجاوز ذلك ويرتقي لما هو أرفع، فلا يلقي بنفسه في أي شبهةٍ كانت إمّا بحُجّة الجواز من جهة الحكم، أو من جهة الحوار العلمي بالنقاش والخوض في بعض المسائل التي لا تتناسب والأجواء الإيمانية، فضلًا عن طرحها بينَ عموم الناس بحجة أنه (لا حياءَ في الدين) لأن (كلّ الحياء في الدين) كما نراه.
كذلك ينبغي مراعاة جانبي الأدب والحياء عند المُزاح أو التعامل مع الأصدقاء والمقرّبين، والنَّأي بالنفسِ عن كلّ ما تستقبِحُه النفوسُ السليمة من قولٍ أو فعلٍ مهما كان صغيرًا.
محمود سهلان
٢٥ جمادى الأولى ١٤٣٩ هـ
١٢ فبراير ٢٠١٨م