من الجَدَلِ.. إلى صدَّاميةِ البَعْثِ

بواسطة Admin
0 تعليق

يتمكَّن من الدفاع عن (…) وإسكات كلِّ من يخالفه، ويتمكَّن من الدفاع عن نقيض ما للتو دافع عنه، وأن يُسكِتَ أيضًا من يخالفه!

يعتمد الردود النقضية البائسة، والمسلمات المعلولة لضغوط ثقافية دون أن يكلِّف نفسه النظر فيها وفي أبعادها وحيثياتها، فالمهم عنده لا يتجاوز إسكات الآخر وأن يَشعرَ هو بنشوة نصر متوهم! وربَّما يستريح لإلحاقه الحرج بالغير المخالف له في رأي أو نظر أو تَوَجُّهٍ أو ما شابه!

تعالوا لنطرح هذا السؤال ونُفَكِّر في الإجابة عليه:

لماذا نتناقش ونتحاور ونتباحث ونتناظر؟

عندما ننظر إلى الإنسان ونفسه، فإنَّنا نجده ساعيًا لسدِّ حاجاته الأساسية من طعام وشراب وملبس ومنام وما نحو ذلك، ولتحصيل كمالاته الذاتية من خلال إدراك وتأمُّل وتدبُّر ما حوله من موجودات، فهو في الأصل ينطلق لذاته من خلال ذاته.

لكِنَّ هذا الإنسان الفرد يُزَاحَم بغيره من بني نوعه، فهناك من يرى وينظر ويحلِّل ويريد، كما هو حين كان وحيدًا، فتتعارض المصالح والمقاصد، وحينها لا يصحُّ حاكِمًا غير فهم واقع الحياة من خلال فهم قوانين الوجود، وهذا بحث جميل أنيق، ولكنَّه معقَّد طويل الذيول، ولذا أضرب في عنوانه مثلًا، ثُمَّ أُعرِضُ لتتمة الكلام..

من باب الفرض: لو تمكَّن الإنسانُ من ابتكار شيءٍ يمنع الموت والشيخوخة والعجز، فهل يُعدُّ هذا انجازًا علميًا؟

لو ابتكر الإنسان شيئًا يمنع الزلازل والبراكين والفيضانات، فهل ذلك من التقدم العلمي؟

عندما ينتهي موسم البرتقال، فالصحيح أن لا نطلبه بأي شكل من الأشكال، فهو لموسمه فقط. وإن جفَّ الماءُ عن منطقة معينة، فالصحيح أن ينزح أهلها إلى حيث الماء، لا أن يأتون به من مناطق أخرى!

لا أقول تخلُّفًا ولا جمودًا ولا تصنُّمًا، ولكنَّني أريد الإشارة إلى أهمية احترام معادلات الحياة، وأهمية المشي معها بهدوء وطمأنينة، دون تسارع وتوتر وفوضى.

نعود للموضوع..

أخطأ الإنسان أعظم أخطائه عندما توجه لمصارعة قوانين الوجود ونواميس الحياة، فأكبَّه اللهُ تعالى على وجهه في مشاكل وبلايا لا يستفيق من واحدة منها إلَّا وقد وقع قبل استفاقته في عشرات متعاقبة غيرها، وقد صاغته هذه العقلية في ثقافات معينة، سِمَتُهَا الخوف من الآخر، وتفعيل قانون (أتغدا به قبل أن يتعشَّا بي) بل (آكله قبل أن يجوع ويأكلني)!

استباقيات كريهة بائسة، يُصِرُّ عليها كثيرون، ويعاني من تَبِعَاتِهَا كثيرون، وهي التي أوجَدَتْ وجَذَّرَتْ لثقافة الجدلِ والإسْكَاتِ والإفحام؛ إذ أنَّ المسألة راجعة عندهم إلى (أنا وهو)، وإن لم (آكله) الآن، فسوف (يأكلني) بعد حين، وإن لم أضربه على (رأسه) اليوم، فسوف (يدوسني) في الغد! حتَّى أنَّ أحدهم قال: لقد تعلَّمتُ من (إبليس) كيف أقصف من يقف أمامي!!

هذا تطور طبيعي لثقافة الإسكات والإفحام والتبكيت، ولها تطورات أكبر قد تصل إلى مقامات ودرجات لينين وستالين وصدَّام التكريتي، وغيرهم من بني صنفهم؛ فإنَّ درجات الاستبداد العليا تبدأ في نُشُوئِهَا من ثقافة الاضطرابات النفسية من بينيات (أنا وهو)، ولذلك نرى على طول التاريخ تكاثر الحركات الانقسامية الداخلية التي لا تهدأ إلَّا في بعض حُقَب الدكتاتورية العنيفة جدًّا، وما أن تنكسر هذه الأخيرة حتَّى تظهر بقوة شديدة حركاتُ الانقسام بتعاقبات متسارعة. ولو أنَّ انقساميًا يصل إلى سدَّة الحكم، فإنَّه قد يَعدِلُ لبعض الوقت، ثُمَّ يدخل شيئًا فشيئًا في أجواءٍ ثقافية خاصَّة، يبتدع بعدها سياسات استبدادية دكتاتورية تارة عنفية كما كان حزب البعث مثلًا، أو سلمية كما هو الحال في الدول الرأسمالية.

لا يتصدَّى عاقِلٌ لقيادة (أُسْرَة)، بل ولا حتَّى لقيادة (نفسه)، ما لم يكن (إنسانًا)، والإنسان برهاني استدلالي منسجمٌ مع قوانين الحياة، لا مُقلِّدٌ لها، فهو يحافظ على نفسه بالابتعاد عن البركان انسجامًا مع القانون، لا أن يكون على الآخرين بركانًا تقليدًا له!

وأمَّا إذا كان إفحاميًّا إسكاتيًّا تبكيتيًّا، ومن حِزب: اقنعه.. أثر فيه.. برمجه.. لا يفلت من بين يديك.. فليلزم داره وليعمل على تربية نفسه وتهذيبها؛ فإنَّه ما إن (يصِل) فلن يكون بعيدًا حينها عن (برنو) صدَّام.. وقد دخل قبلها فيمن يحسبون كلَّ صيحةٍ عليهم!

للحديث بقية.. قد تكون غدًا.. وقد تكون من جَدَثِي تَحكِي واقعًا.

 

السيد محمَّد علي العلوي

25 من المحرَّم 1439 هجرية  

 

 

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.