قد يتعرَّضُ عسكرٌ قويٌّ عظيمٌ إلى هزيمة صادمة إن لم تتوافق حماسته مع قدراته الفكرية والميدانية، فليس كل حماس واندفاع محمود.
هذا أمرٌ ينبغي للعاقل التفكير فيه جيِّدًا، وأخذه في الاعتبار دائمًا، فالكثير من الأخطاء، منها الهيِّنُ البسيط، ومنها الصعبُ المُعقَّد، تقع في معترك الحِراك العملي نتيجة لأسباب، منها: الحماس غير المتوافق مع القدرات الذهنية والفكرية والعملية الميدانية.
في العمل الإحيائي أيَّام عاشوراء يتحرَّك الشيعةُ على مستويات وأصعدة مختلفة بحماس منقطع النظير، فهناك من يسعى لتكثيف نتاجه الفِكري، فيكتب المقالات ويؤلِّفُ كتابًا ويشرع في بحوثٍ علمية ونصوص تمثيلية، وما نحو ذلك، وهناك من لا يدَّخر جهدًا في الإعداد لمظاهر الإحياء المعتادة من تركيب للسواد وتجهيز للمآتم والمطابخ والتشابيه. ويتفرَّغ الشعراء والشيَّالة للقصائد وتلحينها وحفظها.
ومن بين هؤلاء يبرز الناقدون والساعون لمراجعة كلِّ ما يُصاحب عاشوراء بغية صيانتها ودفع الأغلاط عنها.
ينبغي الانتِّباه إلى أنَّ كلَّ هؤلاء يلتمسون الإخلاص والصدق في مساعيهم، ولا يحقُّ لكائن من كان اتِّهام أي منهم بسوء السريرة وخبث الإضمار، أو ما شابه.
نعم، هناك أخطاء ترجع -في تصوري- إلى مجموعة عوامل، منها: نفس الصدق والإخلاص في المسعى بما يولِّدُ مستويات عالية من الغيرة على عاشوراء ومظاهر الإحياء، وبسبب بعض التقابلات المتوهمة نلاحِظُ ضعفًا في التقاء الجميع في حوارات ومناقشات مسؤولة حول التوجهات والمباني الإحيائية، ممَّا يُؤسِّسُ لمصادمات غير مُبرَّرة على الإطلاق!
تتعقد المشكلة عندما ينتقل الأمرُ من مجرَّد التباين في المباني والرؤى إلى الجرأة على الأكابر من العلماء والمراجع، فتتراجع الحرمات وتُعطى جرعات أكبر من الجرأة للمتربصين والأعداء، فنكون قد أعنَّا على أنفسنا من حيثُ لا نشعر.
هناك أخطاء، وهذا أمرٌ طبيعي جدًّا قد بينتُ شيئًا من أبعاده قبل قليل، ولكنَّ الخطأ الأكبر هو تكرار نفس نمط المعالجات بالرغم من نقض نتائجها لنفس غرض الإصلاح، وهذا ما يثير الاستغراب والعجب!
ماذا تتوقع ممَّن تنعته بالخَرَفِ؟ وممَّن ترمي مَرْجَعَهُ بالجهل؟ وممَّن تتهمه بالبدعة في الدين؟!
ماذا تنتظر ممَّن تساوي بينه وبين أعداء الإمام الحسين (عليه السلام) والمحاربين له، والحال أنَّه منغمس بكل اندفاع وحماس في إحياء أمره؟!
لسنا بحاجة إلى تكلُّف الإجابة؛ فالأمر واضحٌ جدًّا..
كلَّما اشتدت المواجهة بين هذا وذاك، كلَّما زادت المظاهر محل الكلام، ونبقى ندور في لا غاية غير الانفعال بالفعل وردِّ الفعل.. والضحية من؟
الضحيةُ أجيَالٌ تأتي من بعدِنَا لِتَرِث تضييعنا لمَنَصَّاتِ إنْهَاضِ أنْفُسِنَا بالحسين (عليه السلام).
انقضت عشرة محرَّم، وينقضي عن قريب باقيه ومن بعده صفر، لندخل في ربيع الأوَّل وما بعده من أيَّام وشهور إلى ذي الحجَّة، ليليه محرَّم القادم..
عشرة شهور.. لماذا لا نُحييها بعشرات الندوات وعشرات المناقشات وعشرات البحوث وعشرات الحوارات وعشرات اللقاءات على أسس علمية وأدبية وأخلاقية تُظهِرُ للعالم مدى رقينا الثقافي والتفافنا الصادق حول الحسين (عليه السلام)؟
عشرة شهور تكون فيها النفوس هادئة والأذهان صافية، فلماذا لا تُستثمر هذه الحالة في السعي للخروج بصياغة عامَّة تستوعب مختلف المباني والتوجهات في عاشوراء القادم؟
لا صعوبة في الأمر على الإطلاق، ولا موانع ولا عُقَد، فنحن هنا ننتمي إلى أرض طيبة سِمَتُها وطبيعتها العطاء بكلِّ كرمٍ وطيب نفسٍ، ويظهر كمالنا النفسي باعتناقنا التاريخي لمذهب الحقِّ تحت راية المعصومين (عليهم السلام)، وبهذين الأساسين نتمكَّن من تجاوز صعاب متوهمة نحو صناعة واقع حقيقي رائد.
فقط نحتاج إلى الخطوة…
همسة في قلوب الأحبة:
توقفوا عن كلمات جارحة، مثل: الخرافات.. البِدع.. محاربة الحسين (عليه السلام)؛ فهي موجعةٌ مُفَرِّقة. واحذروا الانجرار وراء مزالق شعارات شيطانية خبيثة، مثل: تسمية الأشياء بأسمائها، والشفافية، والصراحة، وما نحوها من هَادِمَاتٍ للقلوب ومُخَالِفَاتٍ للحكمة، ومُنْتَّهِكَاتٍ لأخلاقيات المداراة والرأفة.
السيد محمَّد علي العلوي
19 من المحرَّم 1439 هجرية
2 تعليقات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدنا مقالك عجيب … طبعا كالعاده علق لي ليت …
ان كل فعل الانسان يقوم فيه له فائده وكذلك اثر … اذا كانت الانا غالبه سوف يفكر الانسان في الفائده مهما كانت كبيرة او صغيرة معنويه او ماديه واذا كان على مبدأ ذوبان الانا في النحن اكيد سيفكر في الاثرز
مثال بسيط عشان اوصل لك اللي اقصده بالضبط ( مثلا في حالة المشادات الكلاميه اذا كان الشخص يفكر بالانا فقط فبيصارخ ويمكن يشتم ويهين الفائده عشان يشعر بلذة الانتصار الموقته فى حال ان هو ما فكر في الاثر اللي بيتركه على الطفر الاخر .. لو هو فكر في الاثر اللي بينعكس على الاخر وهذا الاثر يمكن ياثر على وايد شغلات ….
عددددل سيدنا ؟؟
وصلت الفكرة ؟؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أشكر لطفكم كثيرًا.
وصلت الفكرة، وهو نعم كما تفضلتم.