إسناد الفِعل في مظاهر الحزن على الإمام الحسين (عليه السلام)

بواسطة Admin
0 تعليق

(بكاءٌ.. ذرفٌ للدموع.. نَدْبٌ.. صراخٌ.. ضجيجٌ.. عجيجٌ)

طالما دار الحديث حول الثقافات ودورها في تحديد ذائقة وسلوك وفِكر الإنسان فردًا ومجتمعًا، ويلاحظ هذا الأمر بوضوح في مختلف مناحي الحياة، فهناك من يهوى الألوان الصاخبة، وآخر لا يرتاح لغير الهادئ منها. وهناك الاجتماعي، وآخر يُفضِّلُ الابتعاد عن الناس..

وهكذا تتعدَّد الأذواق والأمزجة والانفعالات بتعدُّدِ العقليات والثقافات، وهذا أمر مُعقَّدٌ جِدًّا، أُجريت عليه الكثير من الدراسات في بعض العلوم الإنسانية.

يبدو لي أنَّ الإمام (عليه السلام) يلاحظ هذا الجانب في فتحه لباب الحزن على الإمام الحسين (عليه السلام)، وذلك بتصريحه عن مظاهره وأنواعه..

جاء عن بقية الله (أرواحنا فداه) في دعاء النُدْبَة الشريف:

“فعلى الأطائب من أهل بيت مُحَمَّدٍ وعَلِيٍّ (صَلَّى اللهُ عليهِمَا وآلِهِمَا) فَليَبكِ البَاكُون، وإيَّاهُم فَليَنْدِّب النَادِبُون، ولِمِثْلِهِم فَلتُذرَف الدموع، وليَصْرَخ الصَارِخُون، ويَضِج الضَاجُّون، وَيَعِج العَاجُّون”.

لم يُسنِد الإمامُ (عليه السلام) واحِدًا من مظاهر الحزن التي ذكرها إلى الناس، ولكنَّه (عليه السلام) أسندها إلى فِئَةٍ منهم، فظهر أنَّ (مِنَ الناس) مَنْ يبكي حُزنًا، و(مِنهم) مَنْ يندب حًزنًا، و(منهم) من يذرف الدموع حزنًا، و(منهم) من يَصْرَخ حزنًا، و(منهم) مَنْ يضج حُزنًا، و(منهم) من يعج حزنًا.

كُلُّها ترجع إلى عوامل ثقافية غاية في التعقيد، ولكنَّ المهم هنا هو الإجازة الشرعية من الإمام (عليه السلام) لتعالي وتصاعد مظاهر الحزن على الإمام الحسين (عليه السلام) حتَّى لو وصل إلى مستوى الصراخ والضجيج والعجيج الذي هو -كما يبدو- الضجيج مع الحركة.

هنا أمران:

الأوَّل: نلاحظ نسبة وإسناد الفعل إلى فاعله، لا إلى مُتصَنِّعه، كما وأنَّها جميعًا من الأفعال الناتجة، لا الابتدائية، أي أنَّ البكاء والندب وذرف الدموع والصراخ والضجيج والعجيج، يُفتَرض أن تكون من الواقعيات التي تجِب لوجوب مقدِّماتها وعِلَلِها، فتفرض نفسها دون خيارٍ من فاعلها، وهذا أمر في غاية الأهمية، وينبغي الانتباه إليه جيِّدًا.

أمَّا (التباكي) فهو طلب البكاء، لا تَصَنُّعه، ويكون ذلك بمحاولة التعمق في تصور الفاجعة وأحوالها طلَبًا للانفعال النفسي الصحيح. وبالطبع فإنَّ ذلك لا يعني عدم جواز تصنع البكاء، ولكنَّ ما أحاوله هو جعل الأمور في سياقها الصحيح ما استطعتُ.

الثاني: لا ينبغي استسهال الإعابة على الآخرين، فمجرَّد البكاء مذكور، وذرف الدموع مذكور، والضجيج مذكور، والعجيج مذكور.. وبينها الندب مذكور.. ولا مفاضلة بين أحدها والآخر؛ إذ أنَّ الباكي قد يكون أكثر أجرًا من العاج، وقد يكون العاجُّ أكثر أجرًا من الباكي.. وكلاهما مذكور، والأمر في علم وإحاطة الله تعالى.

على نفس السياق، نلاحظ استناد بعض الشعراء في كتابتهم للقصائد إلى روايات أهل البيت (عليهم السلام)، ولكن منهم من يميل إلى الصياغة الهادئة والنبرة اللينة، ومنهم من يكتب استنادًا إلى نفس الروايات، ولكنَّ صياغته الشعرية صارخة ضاجَّة عاجَّة. هناك من يجد نفسه مع تلك، وآخرون مع هذه.

طالما أنَّ الأمور في أطرها الشرعية، خالية من الإفساد والإضلال والمخالفات العقائدية والأدبية، فهي مُحتَرَمة مُقدَّرة، خصوصًا إذا استندت إلى نصٍّ قرآني أو عِتروي.

 

السيد محمَّد علي العلوي

4 من المحرَّم 1438 هجرية

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.