انتشر خلال اليومين الماضيين تسجيلٌ صوتي للخطيب الشيخ عبَّاس بن الملَّا عطية الجمري، تناول فيه مجموعةً من العناوين بالنقد الشديد، وبِلُغَةٍ وجَدَهَا كثيرٌ من الناس غيرَ لائقة، وإن اتفقوا مع موضوع الحديث.
لستُ بِصدَدِ مناقشة العناوين التي تناولها الشيخ في التسجيل، خصوصًا مع تصافق الأمواج بين مؤيِّدٍ ومعارضٍ، فالتداخل في مثل هذه الظروف من الصعب أن يُفهم ويُستوعب بشكل موضوعي؛ حيث جاهزية النفوس للفرز والمواجهة!
غير أنَّ الذي دعاني للكتابة هو ما وراء عبارةٍ ذكرها الشيخُ في بيانِ توضيحٍ وردٍّ أصدره اليوم (الأربعاء، 22 من ذي الحجَّة 1438 هجرية)..
قال الشيخ في البيان:
“وواضح أن الكلام كان بيني وبين صديق غير أني أذنت له بنشره في آخره لاهيا عن بعض الكلمات الغير لائقة المتقدمة . رغم أني متأكد أن لهذا الأسلوب الفضل الأكبر في تحريك المياه الراكدة التي تحتاج إلى أن تحرك ، إذ لو كان أسلوبا هادئا لبقي في ( الرف ) كأي مقال قُرء ونُسي ( ورب ضارة نافعة ) ، على الأقل سوء أدبي جعلكم تقرأون سطوري ، بينما نحن شعوب في الغالب لا نقرأ أكثر من عشرة أسطر ، وأنا واثق أنكم ستقرؤون اليوم كل حرف أكتبه راغبين أو مكرهين ..”.
أُكرِّرُ: لستُ بصدَدِ مناقشة ما أثاره الشيخ الجمري لا في التسجيل الصوتي ولا في البيان، ما عدا الفقرة التي نقلتها نصًّا دون أدنى تصرُّف على الإطلاق.
فهمتُ من كلام الشيخ أنَّ رسالته ما كانت لتصل، وما كانت المياه الراكدة لتتحرَّك لو كان أسلوبه النقدي هادِئًا، بل أنَّ (سوء الأدب) -أجِلُّ الشيخَ عن ذلك- سبَبٌ في قراءة الناس للبيان واستماعهم قبله للتسجيل الصوتي!
هل نحن بالفعل هكذا؟!
أصحيحٌ أنَّنا لا نقرأ إلَّا ما فيه استفزازٌ أو فِتنةٌ أو تراشقٌ أو ما شابه؟ هل هذا ما يستثير قوانا المَعرفية؟
نعم، قد تحتاج بعض المقامات إلى مقدمات ملفتة، ولكن لا يصل الأمر إلى حدِّ أن يكون ما ذكره الشيخ مصداقًا لمقولة (رُبَّ ضارة نافِعة). نحتاج، لا كأفراد، بل كمجتمع أن نتوقف طويلًا عند هذه الفقرة من بيان الشيخ عبَّاس الجمري. نحتاج إلى ذلك بشدَّة.
أعرِف أحِبَّة يخجلون من عدم قراءتهم لكلِّ الرسائل التي تصلهم عبر مختلف الوسائل التقنية، حتَّى التصبيحات وما شابه من رسائل يومية، ويذكرون أنَّ مجرَّد وضع المٌرسِل لأسمائنا في قائمة مراسلاته يكشف عن نوع تقدير خصَّنا به، فكيف لا نقرأ ما يُرسِل؟
على النقيض من هذا السمو الأخلاقي الرفيع، نجد من لا يقرأ ولا يسمع إلَّا أن يُستفز بموضوعِ فتنة أو سباب أو تهجم أو ما نحو ذلك. هو بالفعل إلفاتٌ خطير، ولا ينبغي لنا القبول بأن نكون على هذا المستوى (المُخزي) من التراجع الثقافي والأدبي.
أتساءلُ كثيرًا.. هل نجح الشيطان فعلًا في إلهائنا بالدنيا ومشاغلها وملاذها، عن تقوية قلوبنا وعقولنا بالعلم والمعرفة؟
ناقوس خطر عظيم دقَّته بقوة عبارةُ الشيخ عبَّاس بن الملَّا عطيَّة الجمري.. صمَّت آذان، وتصدَّعت من هولها قلوب..
هل نحن هكذا؟ ليت الإجابة بـ (لا) تملأ الخافقين.. ليتها.
وإن لم تكن كذلك، فليس بأقلِّ من حِراكٍ معرفي ناهض يُرجِعنا إلى أحضان ابن ميثم وابن سعادة والماحوزي والعصفوري وغيرهم من علماء هذه الأرض المباركة الطيبة، فنقوم ثانية تحت ظِلِّ قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ).
السيد محمَّد علي العلوي
22 من ذي الحجَّة 1438 هجرية