تتمتع زيارةُ عاشوراء بخصائصَ ومميزاتٍ كثيرة، قد نجد بعضها في غيرها من الزيارات، لكننا لا نجدها في جميع الزيارات قطعًا، وأحاول في هذا المقال تسليط الضوء على بعض تلك الخصائص التي تجعل لهذه الزيارة خصوصيةً وقيمةً كبيرة في تراث الدعاء والزيارة في مذهب أهل البيت عليهم السلام..
قبل ذلك أُشير إلى العناية الكبرى التي تحظى بها قضية الإمام الحسين عليه السلام، وشخصه المقدّس كذلك، والقضيةُ بطبيعة الحال قضيةُ الإيمان مقابل الكفر، والعدل مقابل الجور، والإمام عليه السلام هو امتداد الخلافة الإلهية على وجه البسيطة، ومُوَّرِّثها لأبنائه حتى القائم عليهم صلوات الله وسلامه.
روى زيدُ الشَّحّام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “من زارَ قبرَ الحسين -عليه السلام- في يوم عاشوراء عارفًا بحقه كان كمَن زارَ اللهَ في عرشه” [مصباح المتهجد/ ص٧٧١].
وروى جابرُ الجُعفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “من بات عند قبر الحسين -عليه السلام- ليلةَ عاشوراء لقي الله يوم القيامة ملطَّخًا بدمه كأنما قُتل معه في عرصته” [مصباح المتهجد/ ص٧٧١].
وروى حَريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “من زار الحسين بن علي -عليهما السلام- يومَ عاشوراء وَجبت له الجنة” [مصباح المتهجد/ ص٧٧٢].
تُثبت هذه الروايات التي ينقلها الشيخ الطوسي قدّس سره في المصباح عِظم قدرِ زيارة الحسين عليه السلام خصوصًا في يوم عاشوراء، وغيرها في هذا الباب كثير، وإنما نقلتُ بعضَها لنتعرَّف على ما لزيارة الحسين عليه السلام من قيمة.
أمّا ما تتميز به زيارة عاشوراء -المشهورة- فهو كثير، أُشير إلى بعضه في هذا المقال، فإنها:
١- تُقرأ من قربٍ وبعد، وهذا ما يَثبت في رواية علقمة عن الإمام الباقر عليه السلام.
٢- وأنها وردت بثلاثِ طرق، بطريقين عن الإمام الباقر وطريقٍ عن الإمام الصادق عليهما السلام.
٣- وأنها رويت كحديثٍ قدسي؛ أي رواها الأئمة عليهم السلام عن الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه عن جبرئيل عليه السلام عن الله تعالى.
٤- وإنك تستطيعُ أن تزورَ الحسين عليه السلام بها في كلّ يوم، بخلاف بعض الروايات المخصوصة بأيامٍ وليالٍ معينة. روى ابن قَولويه في آخر رواية علقمة، عن علقمة أنّ الإمامَ الباقر -عليه السلام- قال: “إذا استطعتَ أنْ تزورَُه كلَّ يومٍ بهذه الزيارة من دهرك فافعل، فلكَ ثوابُ جميع ذلك إن شاء الله تعالى” [كامل الزيارات/ ب٧١، القسم الأخير، ح٩].
٥- [و] يبدو أنّ المداومة على هذه الزيارة لها آثارٌ وبركاتٌ خاصة، بحيث يشمل بهذه البركات والألطاف حتى أصحاب المؤمن وجيرانه [المفاتيح الجديدة/ ص٢٦٢].
٦- ويبدو لي أنّنا نتمكن من الزيارةِ بهذه الزيارة على أيّ حال، ولا نُخالف التقيّة المطلوبة في الأحوال الطبيعية، ومنها نتمكن من معرفةِ حدود التقية، إلا أنْ تكونَ هناك بعض الظروف الخاصة، مع الإشارةِ لأنّ الأئمة عليهم السلام لم يمنعوا من زيارة الحسين عليه السلام ولو كان سببًا للموت في سبيل ذلك!
من القصَصِ التي لا ينبغي تجاهلها ما نَقلَه الشيخ النوري في النجمِ الثاقب [ص٣٤٣]، والتي يَنقلُ الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان أنّها حدثت للسيد أحمد الرشتي رحمه الله والذي تشرَّف بلقاءِ صاحب العصر عجّل الله فرجه الشريف عندما ضلَّ طريقه، وأنقلُ منها هنا ما أُريد من شواهد.. حيث أمرَهُ أن يصلي النافلة [صلاة الليل]، ولمّا لم يجدْ ضالته أمره بقراءة الزيارة الجامعة، ولمّا لم يجدْ ضالته أمرَه بزيارة عاشوراء، وعندما انتهى ولم يجد ضالّته أوصله أرواحنا فداه بنفسه وقال له معاتبًا: “أنتم لماذا لا تُصلّون النافلة؟ النافلة، النافلة، النافلة.. كرَّرَها ثلاثَ مرات ثم قال: أنتم لماذا لا تَقرأون عاشوراء؟ عاشوراء، عاشوراء، عاشوراء.. كرّرها ثلاثًا ثم قال: أنتم لماذا لا تَقرأون الجامعة؟ الجامعة، الجامعة، الجامعة، ثلاث مرات”.
وقد وردَ أنّ قراءة هذه الزيارة المباركة طريقٌ لقضاء الحاجات، وذلك في ختامِ الرواية عن صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام: “يا صفوان إذا حدثَ لك إلى الله حاجةٌ فزُرْهُ بهذه الزيارة من حيث كنت وادعُ بهذا الدعاء وسلَ ربّك حاجتك تأتَكَ من الله، والله غيرُ مخلفٍ وعدَهُ رسولَه بجودهِ ويُمنهِ والحمد لله” [بحار الأنوار/ ج٩٨، ص٣٠٠].
* توخيًّا للأمانة ينبغي إلفاتُ القارئ الكريم أنني اعتمدت في الكثير مما نقلتُ على كتاب المفاتيح الجديدة للشيخ ناصر مكارم الشيرازي دام ظلّه الشريف، بل نقلتُ بعض كلامه نصًّا.
أمّا ما يتعلّق بالسند فلم أجد داعيًا يبعثني نحو البحثَ فيه، ووجدتُ كلَّ الطمأنينة خلال بحثي وتتبّعي البسيط، ولكن يكفي في المقام أنّ الزيارة وردتْ في كامل الزيارات، والذي يدخل رواته عند الكثيرِ من العلماء تحتَ عنوان التوثيقات العامة، ويقطعون بصحةِ كلّ ما ورد فيه.
“اللهم اجعلني عندَكَ وجيهًا بالحسين عليه السلام في الدنيا والآخرة”. [زيارة عاشوراء].
محمود سهلان
٢١ ذو الحجة ١٤٣٨هـ
١٢ سبتمبر ٢٠١٧م
2 تعليقات
أحسن فيما تفضَّل شيخنا الجليل آل سهلان..
وأمَّا بخصوص النقطة الثانية فإنَّ هذه الزيارة الشَّريفة وردت بخمسة طرقٍ، كلُّها -أو جُلُّها- صحيحةٌ معتبرة، وقد حقَّق أسانيدها الفقيه المحقِّقُ الفَذُّ سماحة الشيخ جعفر السُّبحاني(دام عمره الشريف) في رسالةٍ وسمها بـ( زيارة عاشوراء سندًا ومكانةً ).
أحسن الله إليكم شيخنا الفاضل..
أراجع المسألة إن شاء الله، لعل هناك لحاظا آخر لحظه الشيخ ناصر مكارم الشيرازي دام ظله، حيث نقلت هذه المعلومة عنه، وراجعت الروايات سريعا..
شكرا جزيلا لإضافتكم شيخنا العزيز