كفى غرورًا أيُّها الإنسان ll سماحة الشيخ أحمد نصيف البحرانيّ

بواسطة Admin
0 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كفى غرورًا أيُّها الإنسان

 

يطلبُ زيدٌ من عمرٍو قضاءَ حاجته، فيكون زيدٌ شاكرًا ممتنًّا له بعد ذلك؛ لأنَّ مَن يساعد ويمتثل الطَّلب مع كونه غير ملزومٍ به يستحقُّ الشُّكر، فعمرٌو وزيدٌ متساويان ولا ميزة لأحدهما على الآخر.

وهذه هي الطَّبقة الغالبة بيننا، فكلُّنا متساوون متعادلون، سوى مَن هو عالٍ بالتَّخصيص أو بالتَّخصُّص، أو دانٍ بأحد الطَّريقَين كذلك.

وفي مثل الحالة السَّابقة ينبغي لعمرٍو أن يسأل عن مراد زيدٍ من الحاجة التي يريد أن تُقضى له، نعم لابُدَّ له أن يقتنع اقتناعًا جيِّدًا بكونها مفيدةً عقلائيَّة؛ كي يتحرَّك ويكون ممتثلاً لالتماسه وقاضيًا لحاجته.

هذا كلامٌ طبيعيٌّ مفهومٌ لا إخال أحدًا يختلف فيه، ولكنَّ الحديث ليس فيه، بل في تطبيقنا للحالة السَّالفة على معاملاتنا مع بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ربِّ الملائكة المقرَّبين، مالكِ يوم الدِّين، تبارك وتعالى في السَّماوات والأرضين.

جاءني الخطاب مقرِّرًا: ألستُ بربِّكم؟ قلتُ وقال الجميعُ: بلى، بعدئذ آمنَّا بوجوده (سبحانه وتعالى) وصفاته الجماليَّة والجلاليَّة، وبمَن أرسله لنا مبشِّرًا ونذيرًا، وبمَن خلَّفه لنا بعد خاتَم رسله (صلَّى الله عليه وآله)، وبوَعدِه ووعيده، وكلِّ عقيدةٍ حقَّة.

أبعد هذا أتوقَّف في امتثال هذا الأمر أو ذاك؟ يقولها الإنسان بكُلِّ غرورٍ: لم أقتنع بهذا الحكم، فلن أفعل هذا الشَّيء إلاَّ أن أعرف السَّبب!.

توقَّف، وأوقف هذا الطُّغيان والجبروت، كيف لي ولأمثالي أن نتباطأ ولا نمتثل ما يأمرنا به ربُّنا (تبارك اسمُه) محتجِّين بأنَّا غيرُ مقتنعين؟ في أيِّ شيء لستَ مقتنعًا؟ أفي حكمة الله؟ أو في حكمه وتشريعه فتكون مزاحمًا لمقام الرَّسول في بيان شرع الله تعالى؟ كفاك غرورًا أيُّها الإنسان.

هناك إيمانٌ أوَّل بما أسلفنا ذكرَه، وبعده يكون الامتثال في سائر الأوامر، والانزجار عن سائر النَّواهي.

نعم، عليَّ أن أصلِّي الفرائض الخمس في الأوقات المحدَّدة لها، عليَّ أن أصوم شهر رمضان كاملاً من أوَّله إلى آخره، عليَّ أن أخرج الحقوق من المال الذي أودعنيه ربِّي، من زكاةٍ وخمسٍ وغيرهما، عليَّ أن أرتدي الحجاب وأكون بكامل عفَّتي وطهراتي التي أرادها لي ربِّي، وعليَّ وعليَّ وعليَّ، كلُّ ذلك أفعله امتثالاً واستجابةً لأمره (سبحانه وتعالى) قائلاً: سمعًا وطاعةً، لا تكبُّرًا واستنكافًا.

ما أعظم وصف الملائكة {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

أيحسبُ الإنسان أنَّه يمنُّ على ربِّ العالمين بامتثاله لهذه الأوامر؟

وهل الذي وهبها لك مِنَّة ورحمةً ورأفة إلاَّ هو؟ فربُّنا الله تعالى ليس محتاجًا لنا، لا لقيامنا ولا لصيامنا، ولا يغيَّر ملكَه مقدار ذرَّةٍ المالُ الذي نخرجه في سبيله وامتثالاً لأوامره.

يقول الله تبارك وتعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، نعم عذابه شديدٌ لمن يكفر ب النِّعم ولا يشكرها حقَّ شكرها، ذاك الإنسان الذي لا يُخَمِّسُ أمواله أيحسب أنَّ سُبُلَ الله متوقِّفةٌ عليه؟ هيهات هيهات لما يحسب، فالحقُّ (تبارك اسمُه) ليس محتاجًا للدِّرهمين الذين ستخرجهما من الحقوق، فلتُبقِها في جُعبتك، ولْتَنتظِر مصيرك المحتوم.

نحنُ من يتشرَّف بامتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه، نحنُ من يلتذُّ بالمسارعة لما حبَّب إليه وندب، نحن من يزكو بالترفُّع عمَّا جلَّلنا عنه من الموبقات والسيِّئات، فلْأُصْغِ لما يقوله سيِّدُ السَّاجدين في مناجاة الذَّاكرين: “إلهِي لَوْلا الْواجِبُ مِنْ قَبُولِ أمْرِكَ لَنَزَّهْتُكَ مِنْ ذِكْرِي إيَّاكَ، عَلى أَنَّ ذِكْرِي لَكَ بِقَدْرِي، لا بِقَدْرِكَ، وَما عَسى أَنْ يَبْلُغَ مِقْدارِي، حَتّى أُجْعَلَ مَحَلاًّ لِتَقْدِيسِكَ، وَمِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ عَلَيْنا جَرَيانُ ذِكْرِكَ عَلى أَلْسِنَتِنَا، وَإذْنُكَ لَنا بِدُعآئِكَ، وَتَنْزِيهِكَ وَتَسْبِيحِكَ”.

 هل نعي قدر الجريمة التي نرتكبها مع أحكام الله؟

يكفينا غرورًا.

 

أحمد نصيف البحرانيّ

27 من شهر رمضان 1438 هجرية

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.