يعيشُ الإنسانُ في محيطٍ لا يخلو -مطلقًا- من النقائص، وينبعثُ فيه دائمًا بدافع الحاجة، بذلك تولَّدت العلوم والمعارف وكل البناءات الثقافيَّة والمعرفية بشتّى أبعادها، بدأ الإنسانُ من نقطةِ الحاجة حتَّى وصل إلى ما وَصَل إليه حسب ما يعبِّرون “بالتطور والتقدم”، وهكذا يستمر الإنسان في ساحات الإبداع حتَّى يَبْلُغ الكمال المنشود بترانيم الطرحة الإلهيَّة.
العبادةُ وتألُّق المؤمنين في ساحتها هي إحدى مصاديق {ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} المطففين ٢٦
فأين موقع التنافس في العبادة؟
الصيام، عبادةٌ وفريضةٌ عظيمة لها فلسفتها وغايتها، وكل فردٍ له تصورٌ ومدرَكات تُصاغ من خلالها فاعلية هذه العبادة مع ذاته وكيفيَّة ترجمتها إلى سلوك، ذلك كلُّه مبنيٌ على ركنٍ أصيل، هو (النيّة).. وفي طول خط البناء العبادي الراجع إلى النيّة يكمُن التنافس، أين تحديدًا؟
النيّة هي القصد والعزم، وفِي العبادة مشروطة -هذه النيّة- بالتقرّب إلى الله تعالى، وطريق تحقُّق النية الخالصة -بمعنى أن تكون متمحضةً لله تعالى- ليس معبّدًا بالورود وليس مفروشًا بالرياحين؛ لأنَّ الإحاطة الواسعة التي يتمتَّع بها المخلوق المُعادي للإنسان وَالَّذِي قال لله تعالى في آياتِ الكتاب العزيز: { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ *ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } الأعراف ١٦-١٧، يعرف أين يوجِّه الضربات المُخلّة في كل البناء! فيأتي ويعبث في هذا الطريق، ويحرف مسار البناء العبادي في اتجاهات منحرفة عن الغاية العظمى من العبادة.
قد يكون العمل من حيث التكليف ساقطٌ ولكن من حيث الكمال ليس راويًا لعطش الإنسان العاقل المؤمن؛ فالتنافس بين المؤمنين في التمكُّن من إبعاد الشيطان عن كل ما يُخل ويشوب النيّة التي تُبنى عليها العبادات المحقِّقة لغاية القُرب من الله تعالى.
الإنسانُ الوازِن يركّز على خلق أسسهِ بالصورة الصحيحة -بدافع الحاجة إلى التكامل- سواء في العبادة أم غيرها.
محمَّد مسلم الصائغ
٣ رمضان المبارك ١٤٣٨ هـ