يمُرُّ الإنسان في نموه ونشوئه بمراحل خاصَّة منذ اللحظة التي تنعقد فيها نطفته، ونحن نؤمن بأنَّ هذا الإنسان تنعكس فيه روح والديه بسلوكياتهما، ولذلك نتساءل دائمًا، فنقول:
من هي أمُّه؟ ومن هي مرضعته؟ كيف كانت أخلاقها وما هي عقائدها؟
ومثل هذه التساؤلات تكون عن صاحب النطفةَ.
الكثير من الأمور تنعكس في الجنين وتلعب دورًا كبيرًا في تحديد خارطة حياته، وفيها يكون التحدي منه لتطوير الحسن وتغيير السيء.
بعد أن يتجاوز الإنسان مرحلة الطفولة ويصل إلى عمر المراهقة تبقى هذه الآثار مالم يتخلص منها بمجوعة من الطرق التي بينها القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام)، ومنها الصيام الذي جعله الله سبحانه طريقًا للتقوى، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
ولكن إن لم يسعى الإنسان لإزالة الآثار السيئة من روحه ونفسه فإنَّها تبقى وتُساعدُ الشيطان بشكلٍ كبير في القيام بدوره في الإغواء والإضلال، وتسهل مهمته في القضاء على هذا الانسان، فإنّ الشيطان لن يجد صدًّا قويًا في الإنسان الملوث عندما يوسوس في صدره لتعطيله عن أداء الصلاة في أول وقتها وبكامل شروطها مثلًا؛ فهو يعلم بأنَّ الصلاةَ معراجٌ للمؤمن إن أداها بشروطها لتكون في حياته ناهية عن الفحشاء والمنكر (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
من هنا نتمكن من التعرف على بعض من أسباب وقوع البعض في مستنقعات الجحود والإلحاد، لأنَّ الجحود والإلحاد من أعظم المنكرات، ومادامت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فلا يكون لهما طريق له، ولكن إذا جحد وألحد فهذا دليل على أنَّه لم يكن من المصلين أو لم تكن صلاته صلاة صحيحة بحيث تنهاه عن الفحشاء والمنكر.
عندنا من العبادات واجباتٌ ينبغي على المؤمن الحرص والاهتمام بأدائها في أوقاتها، وهذا بالدرجة الأولى يرجع إلى التربية الصحيحة، فإذا وجد الطفل أبويه يتركان كل شيء قبيل وقت الصلاة ويراهما يستعدان لها بشكل خاص، فهو يتأثر بهما ويتعلم منهما. وعلى الآباء تشجيع الولاد من صغرهم إقامة العبادات على أكمل وجه حتى تكون في نفوسهم شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
من الأحاديث الرائعة والواضحة في تبين موقف وحالة الشيطان من المصلين هي قوله عليه السلام: “لا يزال الشيطان ذعرًا خائفًا ما دامَ -العبدُ- محافظًا على صلواته).
نعم إذا حافظ الانسان على صلاته بكامل شروطها فالشيطان يكون خائفًا مذعورًا منه، بمعنى أنه يعيش حالة صعبة جدًا في مواجهاته مع هذا الانسان المؤمن، فالشيطان الملعون يريد جرَّ كل بني البشر معه إلى النار بحرفهم عن الصراط المستقيم كما في الآية المباركة : (لأقعدنّ لهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم)، فاحذر منه أيها المؤمن ومن همزاته ووساوسه، فهو لا يتركك حتى لو صَعُبَ عليه الأمر، سيحاول ويحاول، فتزود بالتقوى فإنها سلاحُك القوي (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ)، وقد قال عليه السلام: “المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف”، فلا تقُل أيُّها المؤمن بأنَّك اكتفيت من التقوى والإيمان، بل اسعى دائمًا للمزيد لما فيه الفوز والسعادة بعينها في دنياك وآخرتك.
هذا بالنسبة للواجبات وهو أن تهتم وتحرص عليها كما أُمِرْتَ بها، أمّا بالنسبة للمندوبات فأكثر منها فإنّها تُقوي اليقين ولا تتركه عرضة للتأثر بشبهات الملحدين وغيرهم، وكلما زاد اهتمامك بعبادتك قويَ يقينك، وينبغي عند حضور اليقين المحافظة عليه بالعلم، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: “أوّلُ الدين معرفته” ولذلك فإن العبادة عن معرفة هي ما يريده منا الله سبحانه.
أوصيكم ونفسي بعدم ترك دعاء العديلة، فهو حِصْنٌ لنا، ومن المهم ان نحافظ على أبداننا طاهرة من النجاسات وان نبقى دائمًا على وضوء، فلذلك الأثر الكبير على روحياتنا وانشراح صدورنا.
والحمدلله ربّ العالمين ..
دمتم في رعاية الله سبحانه وتعالى ..
علي منصور الحايكي
٣ من شهر رمضان المبارك ١٤٣٨