الكلمةُ وخطرُ الخِطاب ll سماحة الشيخ أحمد القرين

بواسطة Admin
0 تعليق

كان للعرب قديمًا اعتمادٌ كبيرٌ في تحريك الجماهير على قوة الخطاب نثرًا وشعرًا، فيُحشدون للقتال وللأخذ بالثأر، أو في مواجهات التباهي بالأنساب والأحساب والكرم والبسالة بالخُطب التي تمتاز عادة بالسجع العذب والأشعار النافذة، وكانت تلقى على الناس مع شيءٍ من الإيحاءات كالاعتكاز على العصى والإشارة باليد والاعتلاء على الشُرَفِ والدواب، كما وكانت تمتاز بالبلاغة والإيجاز ودقة المعاني وإصابة الواقع، ويُعدُّ هذا النهج من أسس البناءات التي يُعْتَمد عليها لتحريك الساحة حسبما تقتضيه الحاجة.

استمرت قوة اللسان الخطابي بعد انتشار الإسلام كما كان قبله، فالشعراء والخطباء كان لهم دورا كبيرا في التأثير على الناس، وقد يعد الشاعر والخطيب آنذاك مصدر قوة عند القبيلة، بحيث يتغلغل إلى أعماق النفوس فيشحذ الهمم، ويؤثر بشكل كبير في ثقافات الناس.

إن قوة الخطاب والكلمة تصنع حركة تفاعلية في المجتمع قد تفوق العصا والدرهم!

يُحكى أنَّ الزعيم الألماني أدولف هتلر كان على درجة من القدرة الخطابية بحيث يتمكن من تحويل الشارع الانتخابي من جهة إلى جهة أخرى مقابلة تمامًا، ولا يأخذ الأمر منه أكثر من دقائق خطابية مركزة تظهر فيها شخصيته القوية لسانًا وإيحاءً ونظرات.. إنَّه الخطاب.

اعتمد القرآن الكريم القوة الخطابية في شحذ الهمم وتحريض المسلمين لمجاهدة الكفَّار، وفي الجانب الآخر يحرك عواطفهم للتراحم والعفو والتسامح، وقد أدت هذه الكلمات مؤداها واستحوذت على قلوب الناس وأخذت بتلابيب أفئدتهم وأرواحهم.

من هنا، تتطلع ميادين الإصلاح للخطابات قوية تساهم في إصلاح المجتمع، وتسير على الطريق لصياغة المناهج التربوية والعقائدية الصحيحة عند الناس، وهذا من أهم عوامل التماسك في المجتمع، ومن مقدماته الفاعلة قوة الخطاب والكلمة.

إنَّ هذا العامل المهم ينبغي توفره في كل خطيب ينتظر منه أن يكون محركًا فكريًا وروحيًا في المجتمع والمضي به نحو السعادة الأبدية.

إنَّه كُلَّمَا كان الخطيبُ متمكنًا من مبادئ العربية ومفرداتها، وبفنون الخطاب هيئةً ومادةً، كُلَّمَا تحرك المجتمع وتفاعل معه بشكل أكبر. أمَّا لو كان على خلاف ذلك، أو في مستوى أقل من المطلوب، فالمقابل، وهم الناس كذلك، لن يتفاعلوا معه إلَّا قليلًا، ولن يترك خطابه أثرًا يُرتجى.

الكلمة.. إنَّها قوة في القرآن الكريم وفي سياسات أهل البيت (عليهم السلام)، فعنِ الرِضا (عَلَيْهِ السلام) قال: “عَلِّموا الناسَ محاسنَ كلامِنا فلو علَموا محاسن كلامِنا لاتبعونا”. وكيف نعلم الناس محاسن كلام أهل البيت (عليهم السلام) دون أن نمتلك العلم والمعرفة والقوة الخطابية ليمتد جسر التواصل بيننا وبين بعضنا البعض؟

أوصي نفسي وكافة إخواني من المؤمنين والمؤمنات بالتدبر في آيات الله وكتابه وتعلم الحِكمة لنزكي أنفسنا ونقف على مشارف الكلمة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.

 

أحمد القرين

18 مايو 2017م

21 شعبان 1438 هـ

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.