الزوجة الثانية.. الثالثة.. الرابعة (2)

بواسطة Admin
0 تعليق

IMG_4819

بدأتُ هذه السلسلة بتأسيسٍ على أنَّ المرأة القرويَّة قديمًا كانت تقبل، أو تتقبل أن يتزوَّج زوجُها بثانية، أو أن تكون هي ثانيةً أو ثالثةً أو رابعةً، ولكنَّ هذا الوضع الثقافي تغيَّر إلى ضدِّه المباشر بعد انفتاح القرية على المدينة والتعليم في المدارس والجامعات، فطرحتُ سؤالًا حول العلاقة بين التعلُّم والموقف من تعدُّد الزوجات، وطلبًا لإجابةٍ ناضجةٍ ختمتُ المقال الأوَّل بسؤالِ:

لماذا نتعلَّم؟

لا أتصوَّرُ خلافًا في أنَّ المُرتكِز هو كون التعلُّم من متطلَّبات المعيشة، فمن لا يتعلَّم لا يمكنه الحصول على وظيفة تُمَكِّنُه من مواجهة تحدِّيات الحياة بمختلف أشكالها وأنماطها، ولذا فإنَّه لا مجال للتعليم خارج المنظومة الأكاديمية الرسمية أو المقبولة رسميًا حتَّى لو كان الناتج العلمي على أعلى وأرقى المستويات، فالعلم، وبحسب منطق الحياة العملية حاجةٌ معيشية ضاغطة، ومن هنا كان التركيز على الشهادة أكثر بكثير من التركيز على الإبداع، وعندَّما أرادوا تنشيط القوى الإبداعية في أذهان طلبة المدارس والجامعات حصروها في المواد التعليمية المفروضة.

إذًا، نحن نتعلَّم من أجل المعيشة في عنوانها الواسع أوَّلًا وبالذات، ومن أجل أيِّ شيءٍ آخر ثانيًا وبالعَرَضِ، فالغاية التي لا تُنكر هي الوظيفة، فالسيَّارة، فالبيت والزواج، ثُمَّ الإنجاب لتعود الدورة من جديد.. ولا نغفل اهتمامات البعض بوجاهة الشهادة والمنصب الوظيفي.

نعم، فإنَّ الواقع لا شأن له بدين الفرد ولا ما يحمل في ثقافات وفكر، ما دام يحمل شهادة عُليا، وهذا من نتاجات فصل (كلِّ) عقيدة دينية أو سياسية أو اجتماعية عن الحياة ما خلا تلك المتوافقة مع العقيدة السياسية العامَّة للدولة.

بعبارة أكثر عمقًا: نحن نتعلَّم من أجل أن (نملك)، فقيمة الإنسان اليوم بما يملك، ومن لا يملك يبقى حالة مثالية قد يُتبسَّمُ لها، ولكنَّها لا تنفع لمشاريع الحياة!

عندَّما جاء الشيوعيُّ في القرن التاسع عشر الميلادي، فإنَّه جاء محاربًا للملكية الخاصة، مطالبًا بشيوعية رأس المال، وبيَّن في أدبياته الانعكاسات المباشرة لثقافة رأس المال على فكر وسلوك الإنسان فردًا ومجتمعًا.

يقول الشيوعيُّ في بيانه: “أتأخذون علينا أنَّنا نُرِيدُ إلغاء استغلال الآباء لأبنائهم؟ هذه جريمة نعترف بها، لكن تقولون إنَّنا، بإحلال التربية المجتمعية محلّ التربية البيتية، نقضي على أكثر العلاقات حميمية”.

 ثم يقول: “أليس المجتمع هو الذي يحدِّدُ تربيتكم أنتُّم أيضًا؟ ألا تحدِّدُها العلاقات المجتمعية التي تُرَبَّونَ في إطارها؟ ألا يُحَدِّدُها تدخل المجتمع المباشر وغير المباشر بواسطة المدرسة، إلخ..؟ فالشيوعيون لا يبتدعون فعل المجتمع في التربية. إنَّهم فقط يُغَيِّرُون خاصيَّتَه وينتزعون التربية من تأثير الطبقة السائدة”.

يرى الشيوعيُّ أنَّ حصر التربية في الأبوين ناتج عن عقلية التملُّك التي أورثتها وتورِّثها الرأسمالية، وفي هذا التوجيه مغالطة كبيرة ما لم نفكِّك الحالة، فالتربية حقٌّ للولد على أبويه، وواجب على الأبوين، ولذا أعطي الأبُّ الولاية على أولاده في ضمن إطار شرعي معيَّن، ولكنَّ هذا الحق وهذه الولاية، وهذه العلاقة قد تحوَّلت بالفعل إلى طبيعة أخرى، هي في نظري كما يراها الشيوعي، والسبب هو النظام الثقافي العالمي القائم على عقيدة رأس المال.

أُلفتُ الانتباه إلى أنَّني في هذه السلسلة لا أروم التشجيع على تعدُّد الزوجات، فهذا أمر دونه اليوم خرط القتاد، وذاك لأنَّ القابليات لفهم مقاصد كون الإنسان في هذه الدنيا مفقودة، أو تكاد أن تكون.

ما أسعى إليه هو محاولة الكشف عن عمق ثقافي سيِّءٍ تعيشه مجتمعات الكرة الأرضية، وهو قياس قيمة الإنسان بما يملك، وبسعة سيطرته وبسط نفوذه.

أحتمل قويًّا أنَّ القارئ الكريم سيواجه هذا الطرح برفض مباشر؛ والسبب هو معرفته الوجدانية بأنَّ الثقافة المبنائية لرأس المال ثقافةٌ لا تليق بالإنسان، فهو لا يريد الاتِّصاف بها حتَّى لو كانت لباسه الذي يعجز عن التخلُّص من بعضه، فضلًا عن أن يتخلَّص منه كلِّه.

تقول إحدى النساء: لا أتصوَّر امرأةً أخرى (تشاركني) زوجي.

وتقول ثانية: أعي مشروعية، وربَّما الحكمة من تعدُّد الزوجات، كما وأعيه مما لا ينبغي معارضته عملًا، ولكنَّني لا أتمكَّن من قبوله تطبيقًا.

وتقول ثالثة: أعتبر الزوجة الثانية سارقة.

وغيرهنَّ أجمعنَ على أنَّ إقدام الزوج على الزواج الثاني خيانة منه للأولى ما لم تكن مصابة بمرض مؤثِّر أو حالة نفسية جادَّة تُبرِّر للزوج البحث عن زوجة أخرى.

رجائي من القرَّاء الأعزَّاء عدم الاستعجال في اتخاذ المواقف من هذه المقالات، وما أطلبه هو التفكير شيئًا فشيئًا حتَّى نصلَ إلى نتائج صائبة، أو أقرب إلى الصواب..

سؤال:

هل نجد روحًا تملُّكية في العلاقة الزوجية، وخصوصًا من جهة الزوجة؟

هل تشعر بأنَّ زوجها (ملكها)، أو (ملك) خاص لها؟

فلنفكر بهدوء وبموضوعية وصدق حتَّى نلتقي مجدَّدًا في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.

السيد محمَّد على العلوي

2 أكتوبر 2016 ميلادية

29 من ذي الحجّة 1437 هجرية

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.