إرثٌ عظيمٌ ونِتاجٌ رفيعٌ، وتقريعُ النفسِ لا يتوقف

بواسطة Admin
0 تعليق

14 May 2016

تفتحُ حكوماتُ الدول المتقدمة في العلوم العصرية أبوابَ الدراسات والبحوث أمام الناس مطلقًا وبلا قيود، كما وتخصِّص ميزانيات كبرى لدعم الطاقات البحثية مع تسهيل وتذليل العقبات أمامها[1]، فمن الطبيعي أن تُحرز تلك الدول تقدمًا على صعيد النتاج العلمي والمعرفي بشكل عام، ولكنَّه من غير الطبيعي -ابتداءً- مقارنة شعوبٍ تُمنع من التفكير وتُخوَّف من الإبداع، ويُسجنُ منها من (يتجرَّأ) فيفكر!

شعوب لا تسمع عن مراكز للدراسات والبحوث إلَّا عبر بعض وسائل الإعلام.. كلُّ شيء محظور، وإن لم يكن محظورًا فهو مقهور بكمٍّ مُهلِكٍ من القوانين التي تنتهي به إلى الرفض أو (التقصيص)، وقد أفرزت هذه الحالة التضييقية ثقافات بينية ملؤها التثبيط وتكسير العزائم..

بالرغم من كلِّ ذلك، فإنَّي أقف على جريمة أخرى نرتكبها في حق أنفسنا فوق جريمة المقارنة، وهي أنّ هذه المقارنات تنظر إلى الدول المتقدمة من خلال نتاجها العلمي التنفيذي، فتقرأ من خلاله نتاجها العلمي التنظيري وتنفتح عليه، ثُمَّ إنَّها تنظر إلى مستوى النتاج العلمي والمعرفي عندنا من خلال الواقع العلمي التنفيذي، وهذا خطأ منهجي كبير؛ إذ أنَّ النتاج العلمي على مستوى التنفيذ يكشف عن مقدماته التنظيرية، ولكنَّ عدمه لا يعني عدم المقدمات.

على مدى أربعة عشر قرنًا والعطاء العلمي لعلمائنا ومفكرينا في الدول المتأخرة (بحسب الموازين المعاصرة) لم يتوقف أبدًا، وفيه من الغزارة والدقة ما لا يجده الباحثُ عند غيرهم، ولا أكاد أجزم، بل أجزم بضرس قاطع بأنَّ عندنا ما قد تجاوز عقولَ أكثر منظري الدول المتقدمة في العلوم العصرية عقلًا وفكرًا، ومن أوضح الدلائل ما نشهده اليوم من نتاجات علمية فاقت القدرة الفردية على التتبع والرصد المنهجي، وخصوصًا من جهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومحل الاستدلال الامتداد الذي تقع على خطِّه هذه النتاجات المعاصرة، وقد اطلعتُ على إحصائية رسمية لسنة 2004 ميلادية أفادت أنَّ عدد عناوين الكتب المطبوعة كان 41 ألف عنوان، وأمَّا عدد الكتب فقد كان في حدود 154 مليون مجلد، هذا ويبلغ عدد المكتبات العامة الرسمية 1580 مكتبة.

هذا نموذج فقط، وإلَّا فنحن نملك مفكرين في مختلف مناطقنا الجغرافية من العراق إلى المغرب ومصر ولبنان وسوريا وشبه الجزيرة العربية وغيرها، ولا أدري لِمَ الإصرار على ظلمنا لأنفسنا والإصرار الغريب على تقزيم قدراتنا وما نملك من عقول قادرة على صناعة الفارق متى ما التفتنا إلى ما تقدم لنا من خير وفير في مئات الكتب والدراسات والبحوث.

في تصوري، أنَّ فقداننا للثقة في أنفسنا هو الحربة التي نعمِّقُ كُلَّ يومٍ غرسَها في قلب أمتنا العزيزة، حتَّى أنَّ واحدنا يستخف بالكتاب إذا كان كاتبه منَّا، ويُعظمها إذا كان أشقرًا وإن لم يعرفه؛ فالانبهار بالغربي واستصغار الشرقي أصبح سمة من سمات مجتمعاتنا الظالمة لنفسها، وهذه مشكلة نحتاج لحلِّها والتأكيد على أنَّ عطاءنا العلمي المعرفي يتفجَّر دقَّة وقوة نظر، وهذا طبيعي جدًّا من عقول تمرَّست على تحليل وتفصيص وتشريح الآيات القرآنية والأحاديث المعصومة بعدما فرغت من تحليل وتفصيص وتشريح الوجود بما فيه والنفس بما تُحيط فباتت حادَّة لا تفوتها شاردة ولا واردة إلَّا وأحصتها إحصاء عالم خبير.

أذكر هنا بما ذكرتُه في بداية هذه السطور، وهو أنَّ أمتنا مثل أمتنا، من المفترض أنَّها اليوم قد عادت إلى حياة البداوة بِكُلِّ تفاصيلها، فما عانينه ونعانيه من تضييق قاتل، لا يمكن أن يكون معه هذا العطاء العلمي الغزير، ولكنَّ الحاصل أنَّ الإنصاف يُثبِتُ تمامًا بأنَّنا أقوياء ذوو بأسٍ وعزائمٍ، ولا نحتاج اليوم إلى أن نحترم عقولنا ونُقدِّر سمو ما يقدم علماؤنا ومفكرونا، وصدقوني بأنَّ نظرنا للآخر الشرقي سوف يتحول إلى نظر ناقد ثابت القدم عالي الكعب.

 

السيد محمَّد علي العلوي

14 مايو 2016 ميلادية

 

[1] – للمراجعة: http://ertiqabh.blogspot.com/2014/10/blog-post.html

 

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.