يقولُ أبو النجم العجلي (الفضلُ بن قدامة):
يا نَاقُ سِيري عَنَقًا فَسِيحًا…إلى سُلَيمَانَ فنَسْتَريحَا
(نستريح) فعل مضارع، فكيف نُصِبَ ولم يُرْفَع؟
فلنتأمل قليلًا..
نُصِبَ الفعلُ المُضَارِعْ (نستريح) بـ(أنْ) المُضمَرة وجوبًا لأنَّها مسبوقَةٌ بـ(فاء) السببية المسبوقة بالطلب (سِيري).
ولكِنَّ عروضَ الرفع عليها غير ممنوع، بل من الممكن أن يقال (فنستريحُ)..
ولكِن..
لو رفعنا الفِعلَ المُضَارِعَ (نستريح) فلن تكون الاستراحةُ مُسَبَّبَةً للطلب (يا نَاقُ سِيري عَنَقًا فَسِيحًا)، ولن تكون (الفاءُ) سبَبَيَّةً.
ولكِنَّ نَصْبَها كشَفَ عن إضمارِ (أنْ) فثبت كون الطلب (يا نَاقُ سِيري عَنَقًا فَسِيحًا) سبَبًا للاستراحة.
هذا مجرَّد مثَلٍ من هدير عبقريَّة لغة الضاد..
ليست اللغة العربيَّة لغة تَخَاطُبٍ فحسب، ولكِنَّها ثقافة وسلوك وفكر وتربية؛ فكم مِنْ إضمارٍ أبلغُ من إظهار؟
وكم من سلوكٍ أفصَحُ من تصريح؟
وقد قال إمامُنا الصادِقُ (عليه السلام): “وكونوا دُعاةً لأنفُسِكم بغير ألسنتِكم”.
اللغةُ العربيَّةُ لغةٌ عظيمةٌ حقًّا، ولو نتأمَّلُ دقائِقَها لخرجنا بقواعد ثقافية غاية في السمو والرقي..
يقولُ أحدُهم: إنْ أردتم إهلاك المسلمين، اعزلوهم عن اللغة العربية!
لن يتمكَّن القارِئ الكريم من تصور عبقريَّة اللغة العربيَّة وعظيم دورها في البناء الحضاري، ما لم يتعلَّم علومها ويحيط بفنونها..
السيد محمد علي العلوي
7 من ذي الحجَّة 1436 هجرية
21 سبتمبر 2015 م