الصلاة بين صلِّها وأقِمْها..

بواسطة Admin
0 تعليق

عن جعفر بن محمد (صلوات الله عليه) أنه قال: لا أعرف شيئا بعد المعرفة بالله أفضل من الصلاة.

وعن علي (عليه السلام) أنه قال: الصلاة عمود الدين، وهي أول ما ينظر الله فيه من عمل ابن آدم، فإن صحت نظر في باقي عمله، وإن لم تصح لم ينظر له في عمل، ولاحظ في الاسلام لمن ترك الصلاة.

وعن علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا يزال الشيطان هائباً للمؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيعهن تجرأ عليه فألقاه في العظائم.

وعن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) أنه قال: أقرب ما يكون العبد من الله إذا كان في الصلاة.

وعن أبي جعفر محمد بن علي (صلوات الله عليه) أنه كان يقول: يا مبتغي العلم، صلِّ قبل أن لا تقدر على ليل ولا نهار تصلى فيهما، إنما مثل الصلاة لصاحبها مثل رجل دخل على سلطان، فأنصت له حتى يفرغ من حاجته، كذلك المسلم إذا دخل في الصلاة.

وعن الإمام علي (صلوات الله عليه) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن في الجنة شجرة تخرج من أصلها خيل بلق، لا تروث ولا تبول، مسرجة ملجمة، لجمها الذهب وسروجها الدر والياقوت، فيستوى عليها أهل عليين، فيمرون على من أسفل منهم، فيقول أهل الجنة: أي رب، بما بلغت بعبادك هذه الكرامة؟

للصلاة..

عناية سماوية فائقة تعطي إضاءات دلالية على وجود سر كبير تترونق به هذه الحركات التي تؤدى بشكل معين فتسمى صلاة تُصر جهة العصمة على توجيه الفكر الإيماني نحو محوريتها في الوجود الرسالي، والسبب هو أهليتها لتحقيق الأجواء الصحية لعقلية تستحضر الحقائق من خلال تسلطها الإيجابي على الروابط بين الداخل والخارج.

فلنلاحظ بدقة:

قال الله تعالى: (وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ) ، فهو تبارك ذكره لم يقل (وصلَّوا)، ولكنه أوضح إرادة إقامة الصلاة، وعليه فإن المراد من الصلاة لو كان صورتها من ركوع وسجود وقراءة لكان الأمر بها (وصلَّوا) كافياً في الإظهار، وبما أن أمراً زائداً قد طرأ على مجرد فعل الصلاة فلا شك في أنه مراد للمولى جل ذكره، فالمراد هو إقامة الصلاة، واللازم في منشأ الأمر أن الطلب مكون من أمرين، ظاهر الصلاة، وهو مدلول (صلِّ)، ومعنى الصلاة، وهو مدلول (أقم)، إذ أن الإقامة زائدة على استيفاء الصورة، ولا شيء عندنا غير الصورة إلا المعنى او المدلول للصلاة.

أُقَرِّبُ المعنى: لو أقبل عليك أسد مفترس، فلو كررت لفظ الأسد مليون مرة فهل بهذا التكرار وربما الصراخ والبكاء والعويل تكفى شر الأسد؟ بالطبع لا، ولكنك تكفاه إذا أعملت معنى الأسد والموقف فيما بينك وبينه فاندفعت بكل قوة لتهرب أو لتسحب سلاحاً أو ماشابه، فالعبرة إذا في التفاعل مع المدلول، وليس الدال إلا صورة جامدة لا روح فيها.

هكذا هي الصلاة التي رفعها القرآن الكريم في قوله: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).

–               كيف نحقق إقامة الصلاة؟

ينبغي لنا أولا تقرير مدلول الصلاة حتى نوجد الرابط بينه وبين صورته الذهنية في داخلنا وبالتالي نتمكن من تقويته كمقدمة أساسية في التفاعل المطلوب.

عندنا مراتب:

المرتبة الأولى: مدلول الامتثال لأمر الله تعالى:

لطبيعة الألفة التي جُبل عليها الأنسان عدة أبعاد، منها أن أصالة النقص الذاتي التي يعيشها تدفعه لطلب التكامل من خلال الاتصال بغيره من المخلوقات وعلى رأسها نظيره الإنسان، ولذلك هو يطلب الصديق والزوجة والمنافس والمناظر وغيرها من موجبات التثنية والجمع حتى يحقق شوطاً من التكامل باتصاله بها والتفاعل معها، ومن جملة تلك الانجذابات انجذابه إلى قوة يألفها وقدرة يأمن إليها؛ وذلك لأن النقص في القدرة على مواجهة الصعاب بمختلف أنواعها وأشكالها ومستوياتها أمر لا يطيقه الإنسان، وإن أُجبر عليه بأن تُرِكَ للعيش في صحراء قاحلة لا إنسان فيها ولا جنس حيوان فإنه يتحول إلى مخلوق وحشي ملؤه العقد والتعقيدات النفسية، ولا بأس هنا بالإشارة إلى ظاهرة عنفية تُمَارَسُ في السجون والمعتقلات، وهي ظاهرة الحبس الانفرادي وسلب المحبوس اطمئنانه لجهة إنسانية يستقوي بها، وبهذه الطريقة فإنه إن لم يكن متمسكاً بقضية كبرى يرى أهميتها ويقوم حياته بخطرها فسرعان ما ينهار ويستمر على منحدر الانهيار ربما حتى إلى نهاية عمره وإن قضاه خارج السجن..!!

عندما نستوعب هذه الطبيعة البشرية نفهم جيداً بأن حالة الاطمئنان والاستقرار تزداد وتكبر في نفس الإنسان كلما كانت الجهة التي يركن إليها ويأمن في كنفها أقوى وأقدر وأكثر حكمة وفهمًا كلما كان هو في حالة استقرار أكبر، وعندما يتحقق هذا البعد في نفسه تجده يأنس بتمثيل تلك القوة وتنفيذ أوامرها بدقة وعناية، بل ويكون امتثاله وتمثيله مدعاة للفخر والاعتزاز، وهذه مسألة نعيشها في كل يوم عندما نرى هذا وهو يتفاخر بحمله أوامر مرجعية دينية –مثلاً- أو جهة علمائية، أو ما شابه، بل وحتى عند أهل الباطل فإن الواحد منهم يفتخر بحمله أوامر من يتبع من أئمة الضلال.

أقول الآن: لماذا يتوجه الواحد منا لأداء الصلاة؟ هل لمجرد إسقاط الواجب عن كاهله؟ أم أن هناك أمراً آخر؟

إن الخطاب الإلهي بإقامة الصلاة منحل في كل مكلف، أي أنه تعالى يخاطبني ويخاطبك ويخاطبها كل منَّا بوجوده الشخصي الخاص، أي أن مقتضى الإنحلال أن المولى جل ذكره يقول لي: يا فلان يا بن فلان أقم الصلاة، وهكذا بالنسبة لكل مكلف، ولو أننا استشعرنا هذه الحقيقة بدقة معناها لما سكن قلب عاقل بين أضلاعه عند سماعه النداء، فالصلاة للعقلاء شرف وعزة وكرامة يتقلبون في جنانها متفاخرين بذكر الله عز وجل لهم خمس مرات خاصة في كل يوم غير باقي الخطابات الإلهية اليومية.

إن مدلول الإمتثال الإيماني هو اعتزاز الممتثل بمحله العبودي من الله سبحانه وتعالى، وهذه درجة.

المرتبة الثانية: الامتزاج بالعمق المِلاكي:

يقول الله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) ، وقال تبارك ذكره: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ).

عندما يكون الأمر صادرًا عن الله جلَّ شأنه فهذا يعني أنه أمر عظيم لعظمة مصدره، ونحن نؤمن بأن عظمة الباري تعالى ليست في بعد دون بعد، بل هو عظيم عظمة هي عين ذاته، وبالتالي فإنه لا يأمر أو ينهى إلا لتوفر الأمر على ملِاك والنهي على مفسدة، وكل منهما عظيم بحيث قد لا يدرك الإنسان بعقله المحدود عظمته الكبيرة، والحال كجهاز متقدم جدًا يكشف للإنسان عن وجود منجم ضخم من الذهب على عمق 1000 متر –مثلًا- من سطح الأرض، فبالرغم من أن الحواس الطبيعية لا يمكنها إدراك هذه الحقيقة، إلا أن هذا الإنسان يبذل الأموال الطائلة في الحفر والتنقيب بثقة كبيرة في أنه سوف يصل إلى الذهب بعد العرق والنصب، فالأمر من الله تعالى بإقامة الصلاة يعني وبلا أدنى شك وجود جائزة عظيمة تليق بعظمة الخالق سبحانه وتعالى قد جعلها خلفها، وعلى الإنسان الحكيم أن يقيم الصلاة بهذه الروحية الممتزجة امتزاجًا بملاك الفرض الإلهي.

المرتبة الثالثة: التفاعل العملي:

بعد أن يتحرك العبد للصلاة في قناتها الإلهية النورية فهو غالبًا قد كون استعدادًا طليعيًا لتحويل روح الصلاة إلى سلوك يمارسه في حياته ممارسة مقننة بقوانين السماء كما أراد الله تعالى كأن يحافظ على معنى ركوعه الصلاتي وهو في العمل أو البيت أو في تعامله مع أسرته أو أفراد مجتمعه، وكذلك بالنسبة للسجود والقيام والتشهد والقراءة، فالصلاة مفاتيح خير منحها الله تعالى لحُمَّال العزائم أصحاب راية الحق الذين لا يقبلون إلا برفعها مهما استقوى الباطل وتفجرت جوانبه بالضلال والإبليسية.

إذا توفر المؤمن على هذا الحد من المعرفة بعظمة الصلاة فلا شك في أن صورتها سوف تتخذ شكلًا آخر في ذهنه عندما يسمع بذكرها أو تخطر على قلبه بأي شكل من الأشكال، وبحسب الظاهر لا صعوبة في الأمر مع الإصرار على شراء الآخرة الباقية بالدنيا الفانية..

فبسم الله وحي على الصلاة…     

السيد محمد علي العلوي

24 صفر 1432 هجرية  

29 يناير 2011 م  

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.