إذا فُقِدَ أو ضَعُفَ استعداد الناس للتغيير نحو الأفضل، فإن رئيسهم لو كان محمد بن عبد الله الصادق الأمين العادل الحكيم الرشيد القويم (صلى الله عليه وآله)، فلا يكون ذلك ليغير واقعهم ما لم تكن إرادة التغيير نابعة منهم، وهذا ما يفسر لنا حال السقيفة قبل استقرار (الفلتة) حيث ما أُريد لها، فضلًا عن حالها مع حزب الله الأعظم بقيادة علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومما وقع فيه القوم من بعد الصدر الأول أنهم رفضوا مواجهة الفضائع التي ارتكبت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتوهمهم عمدًا أو غفلةً أن مجرد القول بها طعنٌ في نفس الرسول (صلى الله عليه وآله) وقدرته على تربية جيل الصحابة على سجايا الإسلام وعمقه الإنساني، والحال أن العجز ليس في رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن القضية في ضعف الاستعداد ورخاوته عندهم مما انتهى بالأمة إلى نزاعات ضربتها في العمق حتى أصبحت اسمًا ينفع للتشدق، ولكن الواقع أنها ألعوبة تتقاذفها الأيدي يمينًا وشمالًا كل بحسب مصلحته!!
في القرن العاشر الهجري اعتلى عرش الدولة الصفوية شاه طهماسب، وهو ابن المؤسس الأول للدولة الصفوية المعلن للمذهب الشيعي الاثني عشري مذهبًا رسميًا للدولة شاه إسماعيل الصفوي، وقد تميز عصر طهماسب بالعدل والإنصاف وحسن العلاقات السياسية مع دول الجوار خصوصًا في العقدين الأخيرين منه بعد أن أحكم العمل المؤسساتي وعمل ما ينبغي أن يُعمل لإقامة دولة مزدهرة آمنة قوية سالمة من الأمراض والآفات، وبالرغم من نجاحه المميز، إلا أن دماء الفتن والتنازعات قد أغرقت البلاد منطلقة من قصره وهو لا يزال مسجى فيه ولم يدفن بعد!!
وبالفعل، فإنه في ظرف أيام ثم شهور فسنوات قليلة، خسرت الدولة الصفوية الكثير حتى تحولت إلى خاصرة يقطعها الأوزبك من الشرق والعثمانيون من الغرب ثم الأفغان تاليًا.. هذا وكان من المنتظر أن تسير الدولة على سيرة طهماسب بعد وفاته لتكون رقمًا سياسيًا واقتصاديًا حقيقيًا يصحح المعادلة مع وجود دولة عظمى مثل الدولة العثمانية التي أسقطت القسطنطينية بعد أن فشلت عنها أكثر من أربعمئة محاولة عبر التاريخ الإسلامي!
إنه قول الحق سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ)، لذا فإن التغيير إن لم يكن نابعًا من داخل نفس المجتمع حتى يكون ظاهرة ثقافية واضحة المعالم فالحال إلى الانتكاس أقرب بل هو المحتم إذا ما بيننا على ثبات الأنماط التي تسير عليها حركة التاريخ (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ).
هنا قانون التغيير صريح جدًا، فلنستعرضه ثم نقيس عليه:
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)..
أولًا: الآيات..
ثانيًا: التزكية..
ثالثًا: علم الكتاب..
رابعًا: الحكمة..
كلها أدوات أصيلة تؤدي بالإنسان إلى غاية (الفهم) الصحيح للحياة وواقعها بعيدًا أن الاجتهادات التبرعية التي وبكل صراحة، يغوص فيها المجتمع حد الآذان..
أما الآيات، فما نحتاجه هو الانتباه الشديد لكل آية قرآنية أو كونية أو تكوينية من حدث أو ما نحو ذلك، لنتدبرها وفق قوانين العقل والمنطق، فننتقل من خلالها إلى الرسالة التي يريد الله تعالى إيصالها لنا.
وأما التزكية، فهي نمو الروح وتألقها بالعلم والعبادة والصفاء والنقاء لنحقق في الأرض ما سوف يتحقق في واسع الجنان (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ).
وأما علم الكتاب، فهو علم العقول.. علم الفكر.. علم القيم.. علم الثوابت.. إنه علم الإنسان وكل ما يتعلق به مطلقًا، وهذا موجود في القرآن العظيم وعدله المقدس تراث أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا يحتاج منَّا كمجتمع إنساني يريد التغيير أن نخوض غمار العلوم ننهل منها ما يعيننا على فهم الثقلين المقدسين بما يجعلهما لنا ثقافة نتنفسها ونعيش بها.
وإذا ما توفرنا على هذه الأصول الثلاثة فإنها الحكمة تتهادى أمام قلوبنا إمامًا نتبعه فلا نضل ولا نشقى..
إننا على مشارف عصر ثقافي جديد.. إنه قادم من هناك في سيل ثقافي أقوى مما نتصور، وإن لم ننتبه إلى حالنا فإن الآية المقلوبة لن تكون في أعيننا إلا الحق الذي ندافع عنه ونبذل من أجله الغالي والنفيس، كيف لا والحرب ليست لإلغاء (مصطلح) الدين، ولكنها لتمييعه فندين بدين هو في الواقع لا دين، وهنا الطامة الكبرى والمصيبة العظمى..
رجائي.. كل رجائي من القارئ الكريم أن يتدبر جيدًا في هذه الرواية الخطيرة، ويدعو الله تعالى أن لا يجعلنا غرباء عن أمره (أرواحنا فداه)..
عن أبي حمزة الثمالي، قال: “سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) يقول: لو قد خرج قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) لَنَصره اللهُ بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين، يكون جبرائيل أمامه، وميكائيل عن يمينه، وإسرافيل عن يساره، والرعب يسير مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله، والملائكة المقربون حذاه، أولُ من يتبعه محمد (صلى الله عليه وآله)، وعلي (عليه السلام) الثاني، ومعه سيف مخترط، يفتح الله له الروم والديلم والسند والهند وكابل شاه والخزر.
يا أبا حمزة، لا يقوم القائم (عليه السلام) إلا على خوف شديد وزلازل وفتنة وبلاء يصيب الناس وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس، وتشتت في دينهم وتغير من حالهم حتى يتمنى المتمني الموت صباحًا ومساءً من عظم ما يرى من كلب الناس، وأكل بعضهم بعضًا، وخروجه إذا خرج عن الإياس والقنوط، فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره، والويل كل الويل لمن خالفه وخالف أمره وكان من أعدائه.
ثم قال: يقوم بأمر جديد، وسنة جديدة، وقضاء جديد، على العرب شديد، ليس شأنه إلا القتل، ولا يستتيب أحدًا، ولا تأخذه في الله لومة لائم”.
السيد محمد علي العلوي
14 ربيع الثاني 1435 هجرية
14 فبراير 2014 ميلادية