أُشَبِّهُ المرحلةَ التاريخية التي نمر بها في البحرين بتلك التي عاشها الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام) حيث شرارة الدولة العباسية تطارد الأموية لدحرها وأخذ محلها، وذلك من جهة الانشغال السياسي والغرق فيه حد الصماخين وأكثر بما يبشر بانعطافات تشكل أو تصنع في المجتمع ثقافات منحرفة جديدة فوق تلك التي أحدثتها السقيفة وما تلاها.
في تلك الحقبة المهمة بمفاصلها الخطيرة قرر الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام) اقتحام الميدان السياسي من أهم أبوابه على الإطلاق، وأعنى البوابة الأصيلة المنفتحة على قوام الدين وروحه وحقيقة جوهره.. إنها بوابة العلم والمعرفة، فاسسا أول حوزة علمية رفدت الإنسانية بما هي متنعمة فيه إلى اليوم وستبقى في نعيمه إلى يوم القيامة، ومن أين؟ من (المسجد) الشريف المسجل باسم النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)..
إننا كشيعة إمامية، وإن كان لنا اليوم حضور علمي في مختلف الميادين فذاك بفضل التأسيس المعرفي التجديدي التي قادته حوزة المدينة المنورة من مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبنور منبر الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام).
اليوم وتحت عواصف ثقافية هائلة تقودها آلة السياسة العمياء، ومع بروز المطاردات من النظام السياسي العالمي الجديد للأنظمة القديمة، يحق للمؤمنين الخوف على الإسلام من الضياع وسط أمواج تقذف وتبتلع وتحلل كل ما يقف أمامها، ولا شك في أن هذه الحالة تبعث على اليأس وتضعف الهمم وتوهن العزائم، إلا أننا وتحت تراكم الظلمات نلمح عملاقًا نوريًا قاهرًا يشرق من بعض قرى البحرين الأصيلة فيعلنها بقوة وثبات.. نحن هنا، وسنبقى هنا وشعارنا القرآني (اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ)..
من قرية يرجع تاريخها إلى ما يزيد عن الألفين من السنوات، يرتفع شعار (العودة إلى المساجد)، يرفعه ثلة من الشباب المؤمن وكأنه يقول: لقد فهمنا اللعبة، وأدركنا ما يراد لنا، ولذلك نحن مسجديون.. نبني أنفسنا في المساجد لننطلق منها إلهيين ربانيين، غِنَانَا في القرآن والعترة وبهما..
إنها قرية (جنوسان) الواقعة في المنطقة الشمالية من البحرين، ومنها بزغ نور هيئة أهل البيت (عليهم السلام) التي تعاونت مع هيئة جديدة باسم (المسجد) فانطلق مشروع (العودة إلى المساجد) بندوات ومحاضرات وفعاليات مختلفة امتدت على أيام أسبوع، وأتمنى أن لا تتوقف أبدًا، فالمسجد هو السر الأعظم في البناء الإسلامي تربويًا واجتماعيًا وسياسيًا، وقبل كل ذلك روحيًا ومعنويًا، كيف لا، وهو الوجود الوحيد مطلقًا الذي يمتلك القابلية التامة لتحقيق التكامل الإنساني الأهم، وهو تكامل الروح والعقل؟
ينبغي لنا أن نفهم جيدًا منطلقات المبالغة في اهتمام القيادة المعصومة بقضية المسجد..
قال الرسول (صلى الله عليه وآله): “ومن مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكلّ خطوة سبعون ألف حسنة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك فإن مات وهو على ذلك وكّل الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره، ويبشّرونه، ويؤنسونه في وحدته، ويستغفرون له حتى يبعث”.
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): “أمّا الجماعة فإنّ صفوف أمتي كصفوف الملائكة، والركعة في الجماعة أربع وعشرون ركعة، كلّ ركعة أحبّ إلى الله عزّوجل من عبادة أربعين سنة، فأمّا يوم الجمعة فيجمع الله فيه الأوّلين والآخرين للحساب، فما من مؤمن مشى إلى الجماعة إلاّخفّف الله عليه أهوال يوم القيامة، ثمّ يأمر به إلى الجنّة”
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): “من صلّى المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة (الفجر) في المسجد في جماعة فكأنما أحيى الليل كلّه”.
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): “ومن حافظ على الجماعة حيثما كان مرّ على الصراط كالبرق الخاطف اللامع في أوّل زمرة مع السابقين ووجهه أضواً من القمر ليلة البدر، وكان له بكلّ يوم وليلة حافظ عليها ثواب شهيد”.
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) “التكبيرة الأولى مع الإمام خير من الدّنيا وما فيها”.
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): “من أدرك التكبيرة الأولى، أربعين يومًا في خمس صلوات، كتب له براءة من النار، وبراءة من النفاق”.
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): “إن الله وعد أن يدخل الجنة ثلاثة نفر بغير حساب، ويشفع كلّ واحد منهم في ثمانين ألفًا: المؤذن، الإمام، ورجل يتوضاً ثم يدخل المسجد، فيصلي في الجماعة”.
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): “إذا سئلت عمن لا يشهد الجماعة، فقل: لا أعرفه”
وقال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): “من ترك الجماعة رغبة عنها وعن جماعة المسلمين من غير علّة فلا صلاة له”
وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): “همّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلّون في منازلهم ولا يصلّون الجماعة، فأتاه رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، أني ضرير البصر وربّما أسمع النداء ولا أحد من يقودني إلى الجماعة والصلاة معك، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): شدّ من منزلك إلى المسجد حبلًا واحضر الجماعة”.
وقال الإمام علي الرضا (عليه السلام): “إنّما جعلت الجماعة لئلاّ يكون الإخلاص والتوحيد والإسلام والعبادة لله إلاّ ظاهرًا مكشوفًا مشهورًا، لأنّ في إظهاره حجّه على الشرق والغرب لله وحده، وليكون المنافق والمستخفّ مؤدّياً لما أقر به، يظهر الإسلام والمراقبة، وليكون شهادات الناس بالإسلام بعضهم لبعض حائرة ممكنة، مع ما فيه من المساعدة على البرّ والتقوى، والزجر عن كثير من معاصي الله عزوجل”.
أليس من قلة العقل أن لا نولي المساجد وإعمارها بصلاة الجماعة والدعاء والدروس والمحاضرات والندوات أضعاف ما نولي المسيرات السياسية وأشباهها من اهتمام وعناية؟
على أية حال، فرجائي من الأخوة الأكارم الأفاضل الأعزاء من قرية (جنوسان) في هيئتي أهل البيت (عليهم السلام) والمسجد، أن يتواصلوا مع كل مناطق البحرين قرى ومدن لإطلاق مشروع (العودة إلى المساجد) على مستويات أكبر وأكبر وأكبر، كما ولا يفوتني أن أحذر وأحذر وأحذر ثم أحذر وأحذر وأحذر من أن تصطبغ مثل هذه المشاريع النورية بصبغة تيارية أو مرجعية معينة، ولكن فلتكن لجميع المؤمنين بمختلف توجهاتهم وتلاوينهم، والحذر من سيطرة تيار أو جهة أيًا كانت على مثل هذه الطاقات النورية، فأنتم من الجميع وكونوا للجميع..
السيد محمد علي العلوي
10 ربيع الثاني 1435 هجرية
10 فبراير 2014 ميلادية