اتقيتُ الله فيها

بواسطة Admin
0 تعليق

 لم التفت إلا والأم تحمل ابنها الثلاثي من قميصه الأحمر وترميه أرضاً بكل قسوة، ثم ترفعه وتهوي على وجهه الصغير بصفعة كادت عيني لشدتها أن تخرج من بؤبؤها.. هذا وألوان السباب والشتائم كان صدر الطفل الصغير يتلقاه ممن حملته في بطنها 9 أشهر كاملة..

كان هذا الموقف في صباح اليوم عندما أوقفت سيارتي راجلاً إلى الحوزة، وكانت روضة أطفال تزهو بألوانها في مقابل موقفي، ولكنه زهو شوهته تلك الأم المتوحشة لمجرد أن طفلها رفض دخول الروضة طالباً لحضنها وحنانها، وما إن أطلق صرخته الأولى حتى أمطرته هي بوابل من الصفعات والرفسات كانت في طريقها لدفعي أن أتوجه إليها بعكازي لأعلمها كيف ان الضرب موجع، بل وقد يكون موجعاً جداً أيضاً.. ولكنني في الواقع.. اتقيتُ الله فيها..

أقولها بصراحة وليعذرني الكرام.. هل يدفع الطفل البريء طفولته وبراءته ثمن نشوة شهوية قضاها أبواه في دقائق معدودة انتهت بانعقاد نطفته؟

أنتما.. إن كنتما من الأغبياء الجاهلين بالأمانة التربوية التي يحملها الآباء فاعرفا قدركما وامتنعا عن الإنجاب، فإنه ليس من حق أحد اتعاب المجتمع بعقد بشرية يصنعها جهل الآباء تجاه الأبناء.

في لحظات انتشاء خاصة تلتقي طاقتان شهويتان إما ببعث من عاطفة إنسانية راقية، وإما بدفع حيواني مجرد، وقد يكون بإرسال من العاطفة الإنسانية ممتزجة بالحيوانية الغبية، وفي الغالب كلما كان الالتقاء مصطبغاً بصبغة الإنسان كلما كان حب الأبوين وحنانهما وعطفهما على أبنائهما أكبر، والعكس بالعكس صحيح، فإنه كلما غلبت الحيوانية على اللقاء الزوجي كلما كان تعامل الأبوين مع أبنائهما تعاملاً غابوياً تبعاً لحيوانيتهما، هذا وفي كل الحالات تنتهي اللقاءات المقصودة –غالباً- بانعقاد نطفة إنسان جديد سوف يكون في القريب العاجل أحد أفراد الأسرة البشرية العالمية، فهو نتاج رغبة أبويه، لا رغبته هو، فهل تأخذ أحداً إلى رحلة برغبة مباشرة منك حتى تعذبه وتؤذيه؟ ما ذنبه هو كي يتجرع عقدك البلهاء؟

هكذا هو الإنسان الجديد عندما تُحدِثُه نُطْفَةُ أبيه بتلقيحها بويضة أمه، فهل جزاء تكونه أن يحل في الدنيا تائهاً بين أمراض نفسية تعصف بأمه أو بأبه أو بكليهما؟ ما لكم أيها الآباء كيف تحكمون؟؟!!

إنه وبسبب التباعد الملحوظ بين الآباء والثقافة التربوية في الإسلام ترانا نعيش اليوم في مجتمعات تملؤها الأمراض النفسية المستعصية، والتي أصبحت في حياتنا من الطبيعيات التي لا تُنكر أصلاً، والمصيبة الأكبر عدم قدرة المجتمع على فهم دور المواقف التربوية في توجيه المجتمع، إلى درجة أن محاولة توضيح هذا البعد الثقافي المهم أصبحت محل استهزاء وضحك عند عامة الناس..

إنني أتوجه هنا بالسؤال..

عندما يتجاوز سائقٌ عشرات السيارات عند الإشارة الضوئية ليتقدم على أولها دون اكتراث بانتظار المنتظرين، وكأنه هو الإنسان فقط، أما من يقف محترماً في الصف، فهو ربما إنسان درجة ثالثة أو رابعة!!

أقول: من أين ظهرت لنا هذه الأخلاقيات الدونية؟

عندما يُفقد الحس بأخلاقيات التواصل الاجتماعي فيكون خيار المقاطعة هو الأول.. هو الأبرز.. هو الأفضل والمختار..!!

أقول: من أين تأصلت فينا هذه السلوكيات الغبية؟

عندما يفقد المجتمع القدرة على صناعة أبسط القرارات، بل ويفقد القدرة على مجرد الاقتناع بأنه قادر على اتخاذ قرار ما..!!

أقول: من أين وكيف تبلدنا بهذا الشكل المقيت؟

عندما يرفض شبابنا مجرد فكرة التدين والالتزام بقوانين السماء، بل ويختارون عليها بفخر واعتزاز الجري الأعمى وراء كل واردة من بلاد الكفار..!!

أقول: لماذا وصل بنا الحال إلى هذا الحد من التسافل..؟ وأقول: القادم أنكى..!

لا أشك طرفة عين في أنها الأساليب التربوية التي أفقدتنا أبسط مفردات الإنسانية، فالطفل عندنا (مجبب)[1] منذ أن يبدأ بتعلم (ماما وبابا) وحتى تتحول (الجَبِّية) إلى سلوك مضاد يظهر في عدم احترامه للآخرين تارة، وانهزاميته تارة أخرى، ورفضه لأي نوع من انواع النظام والتوجيه؛ فالقضية قضية إفرازات لا شعورية لكل موقف سلبي واجهه في مختلف مراحل حياته، وكلما كان الموقف من شخص مقرب له كلما كان إفرازه المنحرف أقوى وأخطر، والطامة الكبرى هي المواقف التي يتفنن الآباء في خنق سلوكيات أبنائهم بها.

إن لأساليبنا التربوية الخاطئة أكبر الأثر على ما نحن فيه من ذل وهوان وخنوع أمام الباطل، ولو أننا أصلحنا مفصل انعقاد النطفة وما يتبعها لكان حالنا اليوم غير الحال، فالقاعدة أننا صنائع آبائنا، ولا شك في أن أبناءنا صنائعنا، وعليه حق القول بأن المجتمع ترسمه ريشة التربية الأسرية بالدرجة الأولى.

وفي آخر هذه السطور أوجه عناية الجميع إلى حكم شرعي في مخالفته تعد على حدود الله سبحانه وتعالى (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)..

يجوز ضرب الابن للتأديب في حال انحصره فيه، بشرط أن لا يتجاوز ثلاث ضربات لا تؤدي إلى حد الدية، وإن احمرت منطقة الضرب بسببه أو اخضرت أو اسودت كان على الضارب على النحو التالي:

إذا كانت الإصابة على الوجه:

دية الإحمرار دينار ونصف، ودية الإخضرار ثلاثة دنانير، ودية الاسوداد ستة دنانير.

إذا كانت الإصابة في غير الوجه:

نصف دية ما لو كانت في الوجه.

والمقصود بالدينار هنا الدينار الشرعي، ويساوي أربع غرامات ونصف من الذهب.

أقول للآباء: هل فهمتم كم أن الله تعالى يحب خلقه ولا يرضا بأذيتهم؟ وعليه فافهموا بأنه ليس من حقكم ضرب أبنائكم إلا إذا انحصر التأديب في الضرب فيكون بالمقدار الموضح وبأن لا يسبب للمضروب إحمرارا فضلاً عن الإخضرار والإسوداد.

أبناؤنا أمانة في أعناقنا، فلنحسن رعاية الأمانة..

السيد محمد علي العلوي

25  من ذي الحجة 1431هـ

30 نوفمبر 2010

 

[1]من الكلمة العامية (جب) وهي الأمر بالسكوت والصمت

مقالات مشابهة

اترك تعليق


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.