لأننا شيعة.. لأننا نوالي العترة الطاهرة.. لأننا أبناء الزهراء (عليها السلام)، فإن الإنسانية تنتظر منا تعليم المجتمعات مهارات الاختلاف، وكيف أنه كلما اختلفنا في الرؤى كان اختلافنا وقودًا يدفعنا نحو التكامل والعطاء والإبداع والانجاز، فالحضارات معلولة في الأهم من أبعادها إلى التلاقحات الثقافية والمعالجات الفكرية، وشرط ذلك حمل الآخر على أنه يريد الخير والإصلاح والتطوير، فلربما أصاب وربما أخطأ، وربما اختلط صوابه بخطأ، وهذا جار على الكل باستثناء المعصومين (عليهم السلام).
أثيرت في بعض السنوات الأخيرة قضية انتشار المضائف في مناسبات أهل البيت (عليهم السلام) بشكل يراه البعض مبالغة، ويراه آخرون معارضًا لفلسفة إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام)، فيما يعتقد غيرهم بإيجابيات مثل هذه المظاهر ويدعو إلى زيادتها ودعمها، اما المعارضون أو المنتقدون فتدور نظرتهم حول أمور أربعة:
1/ الازدحامات التي تسببها كثرة المضائف.
2/ الاختلاط بين الجنسين على طاولات المضائف.
3/ الإسراف.
4/ إبعاد الشباب عن المجالس.
في نظري أن هذه الملاحظات موجودة في غير المضائف أيضًا، فالازدحامات متحققة بسبب أماكن وقوف النساء، وفي عدم تنظيم العزاء، وبشكل أشد مما تسببه المضائف، وأما الاختلاط بين الجنسين فقد تجاوز المضائف ووجودها بكثير، ولا يمكن التسليم بمثل هذا الربط، وبالنسبة للإسراف فلا يختلف عن سابقتيه، وعندما يكون الحديث عن ابتعاد بعض الشباب عن المجالس فهم كذلك مع المضائف وبدونها، فمن لا يحضر لا يحضر سواء وجود المضيف أم لم يوجد.
القضية ثقافية، إن عولجت انتظم حال المضائف، وإن لم تعالج وأزيلت كل المضائف، فهذا لن يغير من واقع نعيشه وهو أننا نعاني من:
1/ ضعف في التنظيم واحترام المتأخر للمتقدم.
2/ ضعف في مراعاة الضوابط الشرعية عند الاختلاط بين الجنسين.
3/ ضعف في الإدارة المالية ومظاهر الكرم والعطاء.
4/ ضعف في أدوات جذب الشباب واحتوائهم.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن القائمين على المضائف في الغالب هم مجموعات من الشباب الفاقدين للاحتواء الصحيح ممن ينتظر منهم رعاية الطاقات وتنمية الكفاءات، فهم ينتظرون أدوارًا وازنة في إدارة المنظومة الإحيائية بشكل عام، وهذا مفقود إلى حد كبير خصوصًا بالنسبة لبعض الشرائح الشبابية، وقد وصل الحال بالكثير منهم إلى رفض التقنين وعدم أو صعوبة التسليم لسلطة تفرض عليهم، فهم ومن منطلق – في تقديري- ردات فعل منطقية جدًا يريدون الاستقلال في عملهم دون تدخل أحد ولا حتى بنصيحة، وقد أصبحت المضائف وما على نحوها كاستراحة ثقافية لهؤلاء الشباب الذين لو حصلوا على من يحتضنهم ويرعاهم ويكون (كأحدهم) لربما اختلف وضعنا اليوم ليس على مستوى المضايف فقط وإنما على مستويات ثقافية أخرى أيضًا.
أقول:
كلما اشتدت الحملة ضد المضايف أو المطالبة بإصلاحها وتقنينها، فإنها سوف تزداد، فطريقة المعالجة التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة خاطئة – في نظري -.
كلمة الختام:
نحن كمجتمع في حاجة ماسة إلى (marshal ثقافي) منظم ومدروس يحولنا من (متغير تابع) إلى (متغير مستقل).
السيد محمد علي العلوي
27 من ذي الحجة 1434 هجرية
2 نوفمبر 2013 ميلادية